الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مستقبل سوريا.. وحسابات الأطراف المتصارعة على سوريا

مستقبل سوريا.. وحسابات الأطراف المتصارعة على سوريا

04.06.2017
عبدالله الأشعل


هاف بوست
السبت 3/6/2017
المأساة السورية تعني المؤامرة على سوريا، الدولة والوطن والشعب، وتتضمن المؤامرة تقسيم سوريا وإرهاق جيشها وحلفائها الروس والإيرانيين وحزب الله لصالح المعسكر الآخر الذي يضم إسرائيل والسعودية وتركيا والولايات المتحدة.
في هذه المقالة نحلل الوضع السوري، ونبين الأطراف الفائزة، ومقدار الفوز، والأطراف الخاسرة، ومقدار الخسارة.
الخاسر الأول هو الشعب والوطن والدولة التي تدور عليها المؤامرة.
الخاسر الثاني هو حزب الله، الذي تم إنهاكه في سوريا، ومضايقته في لبنان حتى يفقد قوته التي لا تخشى إسرائيل سواها.
ولكن خسارة حزب الله لم تقف عند الجوانب المادية، وإنما يتعرض حزب الله لحملة طاغية من المعسكر الآخر الذي انضم إليه التيار الإسلامي الذي يكفر الشيعة، كما انضم إليه قطاع ممن لا يحسنون تحليل المواقف من العامة والنخب، على أساس من القول بأن حزب الله ينفذ سياسة إيران في التوسع في العالم العربي، والقضاء على السنة في العراق وسوريا، ومساندة الحاكم الذي قامت عليه الثورة السورية.
كل هذه المصطلحات تحتاج إلى بيان وتفكيك، والغموض حولها هو الذي دفع معسكر الحكومة السورية وإيران وحزب الله إلى التماهي مع إسرائيل والسعودية والخليج والولايات المتحدة في الموقف من الثورات العربية، وهي أن الثورات العربية كانت مؤامرة، وفاتهم أن لكل بلد ظروفه، وأنه يستحيل أن تقوم ثورة بمؤامرة، كما أن أقوال ترامب تتناقض مع أقوال إدارة أوباما، وإذا كانت المؤامرة قد نفذت إلى سوريا بالذات، فإن سبب نجاح المؤامرة هو ارتفاع موجتها، وكذلك عجز الحكومة السورية عن المعالجة السياسية للحركة في شهورها الأولى، والتركيز على الحل الأمني القاسي والعسكري البربري تحسباً للمؤامرة، ولكن هذه الطريقة هي التي مكنت من نجاح المؤامرة. ولذلك يجب فك الاشتباك بين الساحات العربية، فالجزء الصحيح من المعادلة هو أن كافة النظم لا تستمد شرعيتها من الشعوب، وأن الشعوب لها مطالب مشروعة، ولكن وجود إسرائيل في المنطقة يعوق الاستجابة لهذه المطالب المشروعة، وأهمها أن يكون الشعب فعلاً مصدر السلطات، وهذه قصة طويلة تحتاج إلى بيان مفصل، تكفي الإشارة إلى الدور الإجرامي الذي يقوم به الغرب دعماً لإسرائيل؛ لينكر على الشعوب العربية الحق في الديمقراطية، ويدعم المستبد الذي يستفيد منه، أما المستبد الذي يعاند الغرب وإسرائيل مثلما كان الحال مع عبد الناصر تتصدى له المؤامرة.
أما إيران التي تدافع عن بقائها، وتحاول أن يكون لها منفذ على البحر المتوسط، ودخولها من باب الصراع العربي الإسرائيلي، فإنه من قواعد السياسة الدولية، فإن أجادتها إيران نجحت، بقطع النظر عن العواطف، وإن فشلت هلكت.
ولا شك أن استمرار المأساة السورية وشكل التسوية في سوريا يضع في اعتباره استنزاف إيران حتى يسهل القضاء عليها كقوة مناوئة لإسرائيل، ليس لصالح العرب، ولكن من قبيل التنافس الإيراني الإسرائيلي على الجسد العربي.
أما روسيا فرغم خسائرها في سوريا فإنها تحقق ثمانية مكاسب استراتيجية؛ الأول هو محاربة التيارات الإسلامية، وكثير منها من شباب آسيا الوسطى على الأراضي السورية استباقاً لمحاربتها على الأراضي الروسية، فالهدف الأول للدور الروسي هو تأمين روسيا والانتقام من التيارات الإسلامية التي وظفتها الولايات المتحدة ضد روسيا طوال العقود الأربعة الأخيرة، وكانت أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي.
المكسب الثاني هو الحصول على قاعدة في البحر المتوسط توازن الأسطول السادس الأميركي وتوسع دائرة القوة العسكرية الروسية.
المكسب الثالث توثيق العلاقات مع إيران نووياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، وتشكيل جبهة مع الصين وإيران ضد الولايات المتحدة.
المكسب الرابع هو مناهضة القوة الأميركية وتوسيع دائرة التصنيع العسكري وكسب ورقة قوة جديدة في مواجهة أوروبا والولايات المتحدة في قضية أوكرانيا.
ومن المفيد دراسة موقف الرأي العام العربي من التدخل الروسي فى سوريا لنرى تفتت الموقف العربي بسبب تفتت مواقف القوى المتصارعة.
المكسب الخامس هو محاولة استعادة مقومات القوة العظمى بغير الرداء الشيوعي، واعتماداً على الوطنية الروسية التي تهددها السياسة الأميركية، ولذلك فإن الدور الروسي في سوريا هو من أسباب تماسك الشعب الروسي وتزايد شعبية بوتين بسبب جسارته في مواجهة الولايات المتحدة.
المكسب السادس هو أن روسيا التي استماتت في سوريا والتي تدافع عن كل هذه المكاسب وليس من بينها طبعاً مصلحة الشعب السوري أو الحكومة السورية، فإنها تسعى لكي تكون الطرف الأساسي في تقرير مصير سوريا إزاء السياسات الأميركية المتناقضة والمترددة بمفهوم معين، ولكن بعض التقديرات تشير إلى أن الحرب العالمية الثالثة قد تنطلق من الأراضي السورية.
المكسب السابع هو إعادة ترتيب العلاقات مع تركيا ومحاولة جذب تركيا إلى الصف الروسي، خاصة أن موسكو تعارض إنشاء دولة كردية، وهو أكبر تحد لتركيا، بينما يريد المعسكر الآخر إنشاء هذه الدولة.
المكسب الثامن هو تجربة أسلحة جديدة في الساحة السورية وازدهار سوق السلاح الروسي، وضبط العلاقة مع إسرائيل في سوريا بعيداً عن الولايات المتحدة، استناداً إلى تعهد روسيا بحماية كافة الأجواء السورية، وكذلك قدرة روسيا على تحجيم إيران وحزب الله لصالح إسرائيل في سوريا، وهذه خبرة جديدة لروسيا في إدارة واحدة من أعقد سياسات الملفات في السياسة الدولية، خاصة أن هناك أطرافاً مثل السعودية ومصر في المعادلة.
أما تركيا فتبدو أنها الخاسر الثاني بعد سوريا؛ لأن الأزمة السورية دفعت تركيا إلى التحالف بعض الوقت مع داعش والتيارات الإسلامية فقربتها من الخليج وإسرائيل والولايات المتحدة، ولكنها أبعدتها عن روسيا، ولكن الخسارة الكبرى لتركيا هي تخلخل وضعها في المنطقة، واحتمال إقامة دولة كردية تمثل نزيفاً مستمراً للجيش التركي.
تحول تركيا إلى النظام الرئاسي واستمرار الإرهاب الكردي والداعشي، وتخبط تركيا في سوريا والعراق وتوتر علاقاتها مع الناتو والولايات المتحدة يمكن أن يمثل تهديداً خطيراً لنظام الحكم والإنجازات التي حققها أردوغان؛ لأن الثوابت في سياساته أقل بكثير من المتغيرات.
الولايات المتحدة تصر على التحكم في سوريا والعراق لصالح إسرائيل، خاصة في عهد ترامب، وهذه السياسة تنطوي على مخاطر كبيرة؛ لأن واشنطن تتسلل مرة أخرى إلى العراق وتتواجد ميدانياً بالتدريج في سوريا؛ لترعى بعض الفصائل استعداداً لمعركة قادمة مع الوجود الإيراني في سوريا والعراق، وتحاول تنفيذ الخريطة الإسرائيلية لسوريا والعراق المعلنة لعدة سنوات؛ بحيث تنشئ كيانات طائفية وعرقية متناحرة، وهذه نقطة أساسية في صفقة القرن، وإعادة رسم خرائط المنطقة لصالح إسرائيل.
أما السعودية فهي الخاسر الثالث وربما تتساوى مع سوريا، مع فارق واحد أن سوريا ضحية، والسعودية هي المعتدي، والغريب أن مختلف القوى التي تدعمها السعودية معظمها قوى إسلامية تتناقض تماماً مع المنطلق الإسلامي للسعودية، ولكنها السياسة والمال التي جعلت هذه القوى تستغل في نفس السياق الأميركي الإسرائيلي.
السعودية يتم استنزافها، ويتم إغواؤها تمهيداً للقضاء عليها، وهي حتى دون أن تدري قدمت خدمة كبرى لأعداء الإسلام والمسلمين ولصالح إسرائيل والولايات المتحدة، ولذلك فإن التقديرات تشير إلى أن هذه الأدوار وهذا العبث يجعل السعودية هي أكبر الخاسرين في الساحة السورية.
وإذا كانت السعودية تتوهم أنها الدولة العظمى العربية التي تحارب إيران في سوريا وتريد إسقاط الأسد، وأنها متعاطفة مع الشعب السوري، فإن نتائج الدور السعودي تتناقض مع كل هذه المنطلقات، وتجعل الدور السعودي أداة هامة لتنفيذ المخطط الإسرائيلي ضد الأمة العربية والإسلامية، ولذلك لا بد من الحوار السعودي الإيراني إذا توفرت الإرادة السياسية للبلدين لإنقاذ هذه الأمة ولإفشال المخطط الصهيوني ضدها؛ لأن الصورة واضحة، وهي الصراع الإيراني الإسرائيلي على الأرض العربية، وليس للسعودية مشروع حتى تدخل به هذا الصراع.
أما إسرائيل فهي الفائز الأكبر التي نجحت في خلق الوضع السوري وتوظيفه وتوظيف الأطراف العربية والإسلامية ضد عدوها اللدود الوحيد سياسياً وهو إيران، وأن هذا الانتصار الكبير لإسرائيل باركه ترامب بصفقة القرن، وإشعال الفتنة الطائفية في المنطقة؛ حتى يحترق العرب، وتقوم إسرائيل الكبرى على البقايا والخرائب العربية.
فى ضوء هذه الصورة من السهل أن نتوقع أين تتجه الأوضاع في سوريا