الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مستقبل سورية في الحسابات الروسية الإيرانية

مستقبل سورية في الحسابات الروسية الإيرانية

26.10.2015
أيمن الصفدي



الغد الاردنية
الاحد 25/10/2015
أخذت روسيا مكان إيران على رأس القوى الداعمة للنظام السوري والمؤثّرة في مسار الأزمة السورية.
فَرْض روسيا نفسها اللاعب الرئيس في سورية من باب التدخّل العسكري المباشر سيخدم النظام تكتيكياً في المواجهات العسكرية. لكنَّ انعكاسات الدور الروسي على الجهود السياسية لحل الأزمة سيتأثّر بمدى التقارب أو التباعد بينه وبين الأجندة الإيرانية.
ذاك أن المقاربة الروسية للأزمة السورية تختلف جذرياً عن المنظور الذي تتعامل عبره إيران معها. الموقف الروسي ينطلق من اعتباراتٍ براغماتيةٍ لحماية أهدافٍ قابلةٍ للتفاوض والتوافق وفق الأسس التي حكمت العلاقات الدولية منذ بروز النظام الدولي القائم. أمّا إيران، فحساباتها خليطٌ من المصالح البراغماتية والمنطلقات العقائدية التي ترفض مبادئ النظام الدولي.
الأهداف الروسية في سورية واضحةٌ: منع تغيير النظام بالقوة الخارجية خوفاً من أن يتجذّر هذا النهج أكثر فيُستخدم ضدّها وضدّ دولٍ في مجالها الحيوي؛ كسر شوكة الإرهاب استباقاً لتمدّده في محيطها في ضوء انخراط حوالي سبعة آلاف مقاتلٍ من روسيا ومن الجمهوريات السوفيتية السابقة في العصابات الإرهابية؛ والحفاظ على وجودها العسكري الأخير على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.
القصة مختلفةٌ مع إيران. فبالإضافة إلى حرصها على مصالحها ودورها كدولةٍ رئيسةٍ في المنطقة، تسعى إيران إلى فرض نفسها راعياً دينياً للعرب الشيعة، فتخرق مبادئ النظام الدولي الذي يمنع تدخّل أيِّ دولةٍ في شؤون مواطني دولةٍ أخرى. وفي هذا السياق، تعتبر إيران حماية حزب الله وخطوط إمداده عبر سورية هدفاً أساسياً لها. ولعلّ في قراءة تطوّر التدخل الإيراني في عراق ما بعد صدام مدخلٌ لفهم سياسة طهران إزاء سورية.
في هذا السياق، شروط التوافق مع روسيا متاحةٌ، لأنَّها قابلةٌ للتفاوض وللتسويات في إطار الواقعية السياسية. لكنَّ إيجاد أرضيةٍ للتوافق مع إيران سيكون أمراً صعباً، في ضوء تصادم متطلّباتها مع مبادئ النظام الدولي التي رسخت مذ أعادت أوروبا صياغة علاقاتها على أساس الدولة الوطنية وسيادتها.
لذلك يعتمد التقدّم في جهود التوصّل إلى حلٍّ سياسيٍ للمعضلة السورية على مدى ابتعاد روسيا عن الأهداف الإيرانية وعلى قدرتها تحييد الدور الإيراني.
إذا حُيِّد الدور الإيراني، يمكن الانطلاق نحو الحلّ وفق معادلة المرحلة الانتقالية التي تحافظ على مؤسسات الدولة، فتمنع فراغاً سيستغله الإرهابيون، وتنتهي برحيل الأسد. التوافق على التوقيت الزمني لرحيله وطبيعة المرحلة الانتقالية وما بعدها أمرٌ ممكن. فالمبدأ يحظى بما يقترب من الإجماع الإقليمي والدولي، والتفاصيل تعالجها المفاوضات إن توفّرت إرادةٌ حقيقيةٌ للحلّ.
الصعب هو تلبية الشروط الإيرانية، التي ستعني الإقرار بدورٍ إيرانيٍ توسعيٍ وتأجيج الصراع المذهبي. الحؤول دون تمكين إيران من الاستمرار في فرض أجندتها الخطرة على سورية والمنطقة يتطلب إضعاف أثرها. وهذا يحتاج في جزئيةٍ كبيرةٍ إلى كسب دعم روسيا عبر تفاهماتٍ تُلبّي مصالحها الموضوعية.
من هنا، ثمّة ضرورةٌ لجهدٍ عربيٍ مكثفٍ مع روسيا التي باتت مفتاح الحل. وهذه حقيقةٌ واضحٌ أنّ السياسة الأردنية تدركها. فحفاظ جلالة الملك عبدالله الثاني على قنوات اتصالٍ وتنسيقٍ مع موسكو ضمِن سماعها صوتاً عقلانياً حول كيفية الخروج من الأزمة. والتوصّل إلى آليّةِ تنسيقٍ عسكريٍ مع روسيا حول عملياتها في سورية سيُسهم في ضمان إدارةٍ أفضلَ للحرب على الإرهاب، وفي معالجةٍ تلتفت لمصالح الأردن في الجبهة الجنوبية.
وفي الآونة الأخيرة، استقبلت موسكو ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في إطار البحث عن سبل حلٍّ يحمي سورية من الانهيار التام، ويحفظ المصالح العربية. هذه جهودٌ يجب أن تستمر عبر تنسيقٍ متواصل بين السعودية والإمارات والأردن ومصر وغيرها من الدول العربية، التي ستتضرر مصالحها إن لم تنجح في تقريب موسكو إلى النظرة العربية لطريق حلّ الأزمة السورية، وإبعادها عن الأجندة الإيرانية، التي لن تقود إلا إلى صراعاتٍ ستطال تبعاتها الكارثية المنطقة وروسيا وما أبعد من ذلك.
لا حلّ للأزمة السورية من دون دورٍ روسي. ولأنَّ سياسة روسيا محكومةٌ بالمصالح لا بالأيديولوجيا كما هي الحال مع إيران، تستطيع الدول العربية التأثير في قرار موسكو بطرحٍ يقدّم أولويات الدول العربية على أولويات واشنطن. فأميركا قد تقارب الدور الروسي في سورية من زاوية صراع القوى، فتعمل على إغراق موسكو في المستنقع السوري، لتحرمها فضل النجاح حيث فشلت هي. وهذا سيناريو كارثيٌ،لأنّه سيؤجّج الحرب الأهلية وسيزيد تبعاتها الدمارية على المنطقة.