الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مسرحية الانتخابات السورية 

مسرحية الانتخابات السورية 

29.05.2021
سهيل كيوان


القدس العربي 
الخميس 27/5/2021 
افتتحت صناديق الاقتراع في سوريا، وحسب الإعلام السوري الرسمي، فقد بدأ المواطنون في التوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحهم لرئاسة الجمهورية. 
وقام مراقبو نزاهة الانتخابات منذ السادسة والنصف من صبيحة أمس الأربعاء، بالتأكد من سلامة صناديق الاقتراع، وبأنها خالية من أي أوراق انتخابية لصالح أيٍ من المرشحين لرئاسة الجمهورية. الإعلام السوري يغطي الانتخابات بجدية، وهو عاقد الحاجبين، حتى يبدو وكأنه بات يخلط بين الحقيقة والتمثيل، بين الواقع والمتخيل. 
وحسب وكالة سانا السورية، فإنه بدعوة من وزارة الإعلام عرض فيلم بعنوان "لآخر العمر" أمام عدد من الإعلاميين العرب، الذين أتوا لتغطية الانتخابات الرئاسية، في دار الأسد للثقافة والفنون، ويحكي الفيلم حسب سانا، ما تعرض له الإعلاميون وهم يغطون "بطولات الجيش العربي السوري في الحرب الإرهابية". وعلق صحافي وكاتب تونسي من المدعوين على الفيلم بقوله "إن الصمود السوري الذي أبرزه الفيلم أوصل سوريا إلى يوم الانتخابات الرئاسية التي تعد حلقة مكملة لتحرير الأرض بالكامل". هذا يعني أن الشعب والجيش السوري دفع كل هذه التضحيات لأجل هذه المسرحية الانتخابية. 
أما المطلوب من المواطنين في المناطق تحت سيطرة النظام، فهو المشاركة في هذه المسرحية، ولهذا توجهت أعداد منهم لا نعرف حجمها إلى التصويت، بعضهم لأسباب والتزامات حزبية، والبعض كي يبعد عن نفسه شبهة عدم المشاركة، وشبح الوقوع في شبهة العداء للنظام، من ثم التعرض للأذى. أظن أن أكثر الناخبين يشعرون بالإحباط وهم يدخلون وراء الستارة في مسرحية نهايتها معروفة، ولابد أن كثيرين منهم ينظرون إلى بعضهم بخجل داخلي عميق، وهم يتعرضون لما يشبه عملية اغتصاب جماعية. تكتمل المسرحية بدعوة مراقبين أجانب من الدول الصديقة لمراقبة الانتخابات، فكانت روسيا وبيلاروسيا وإيران أول من أرسل مندوبين لمراقبة النزاهة، وبهذه المناسبة أكدت عضو وفد المراقبين الإيراني زهرة الهيان فور وصولها على نزاهة الانتخابات وسيادة الديمقراطية في سوريا. يُذكر أن السلطات في بيلاروسيا أرغمت طائرة مدنية يوم الأحد الأخير على تغيير مسارها لتهبط في مطار مينسك في بيلاروسيا بأمر من لوكاشنكو رئيس البلاد، لاعتقال صحافي معارض للديكتاتور الذي يحكم بيلاروسيا منذ 27 عاماً. 
 
مهزلة الانتخابات لا تنطلي حتى على أكثر المتحمسين لهذا النظام، فمن هذا الذي ما زال مقيماً في سوريا ويعارض النظام ونهجه 
 
الانتخابات نزيهة في سوريا لدرجة مذهلة، لأنك لن تجد أي منافسة على جلب الأصوات لصالح هذا أو ذاك من المرشحين، ولن ترى أو تسمع فيها مشادات كلامية، أو اعتداءات جسدية وصدامات بين أنصار هذا وذاك، وهو أمر يحدث عادة في المنافسات الانتخابية، حتى في أعرق الديمقراطيات في العالم، الجميع هنا قانع بما يرزقه لهم النظام من أصوات. يعرف منافسا الأسد عبد الله عبد الله ومحمود مرعي حدود اللعبة، ما هو مسموح لهما في لعب دور المرشح، وما هو ممنوع، وهما يكادان أن يعتذرا على ما بدر منهما من ترشيح. ولكن الجميع يشجعهما ويحاول إبراز اسميهما لأن هذه تضحية لأجل الوطن، بل هي عملية بطولية لتبييض مسرحية الانتخابات. سيبدو الأمر سخيفاً إذا اختلف اثنان على بضعة أصوات، ولا توجد محاولات لإقناع أحدهم بتغيير رأيه، مثلا بالتصويت للمرشح عبد الله عبد الله بدلا من التصويت للمرشح محمود مرعي. تستمر المسرحية ويبدأ فرز الأصوات، ويتأكد المراقبون من نزاهة عملية الفرز بحضور ممثلين عن الممثلين للمثلَيْن المُرشحين! سيتكرر اسم أحد المرشحين عشرات وربما مئات المرات مقابل ظهور اسم مرشح آخر مرة واحدة، وحين يُذكر اسم المرشح المنافس، يضطر العاملون في الفرز على الابتسام، ابتسامة النصر بما تحقق من فوز وديمقراطية مبينة. 
مهزلة الانتخابات لا تنطلي حتى على أكثر المتحمسين لهذا النظام، فمن هذا الذي ما زال مقيماً في سوريا ويعارض النظام ونهجه، ويستطيع أن يرشح نفسه للرئاسة في مواجهة الأسد، سوى أن يقوم بدور كومبارس هامشي جدا! أتمنى بصدق أن ينجح عبد الله عبد الله أو محمود مرعي، كي يثبت للعالم أن كل ما جاء في هذا المقال افتراء على نزاهة الانتخابات. الاسم الحقيقي لهذه الجولة هو اغتصاب السلطة مرة أخرى، رغم أنف أكثرية أبناء الشعب السوري، والمسرحية باتت نكتة بائخة وفاشلة، ربما كانت في سنين سابقة مادة للضحك والتندر، ولكنها تحولت إلى مأساة لأن هناك جداول من دماء جرت، وما زالت تجري والله يعلم إلى متى في داخل سوريا وخارجها. 

كاتب فلسطيني