الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مسرحية جنيف

مسرحية جنيف

18.02.2014
د. خليل قطاطو


القدس العربي
الاثنين 17/2/2014
‘انتهى الجزء الاول والثاني من المسرحية الهزلية، المضحكة المبكية، جنيف. المخرج الابراهيمي ربما يعتزل بعدها العمل الفني، عفوا السياسي. الانتاج الامريكي الروسي المشترك فشل في تقريب وجهات النظر، بل قل حتى أجندة الاجتماعات او حتى اوليات مناقشتها على جدول الاعمال. الغريب في الامر ان هناك حلقة ثالثة لا يتوق لسماعها او مشاهدتها احد، ربما غير الابراهيمي. مراسلو القنوات التلفزيونية مرابطون مع كاميراتهم ومايكروفوناتهم واجهزة التسجيل في عز برد جنيف في فبراير/شباط، آملين في انفجار خبر عاجل مثل، اتفق النظام والمعارضة على جدول الاعمال.
استبشر السوريون خيرا، على الاقل بوقف اطلاق النار المؤقت،’في حمص القديمة، واجلاء الاطفال تحت سن الخامسة عشرة، مع ان تعريف الاطفال في العالم اجمع هو لمن هم تحت سن الثامنة عشرة، ما علينا، والنساء، والمسنين. تعريف المسنين في العالم العربي هو من تجاوز عمره الخامسة والخمسين! وقد تم إجلاء بضع مئات، ويا فرحة ما تمت، اذ اعتقل النظام معظمهم. هذا النظام يعربد كيفما شاء بمباركة حليفه الروسي والصمت الامريكي المدوي المخجل.
وزير الخارجية الامريكي جون كيري يصرح بان امريكا تدرس خيارات اخرى للوضع الانساني المتدهور في سوريا، يستطرد قائلا ان هذه الخيارات قد لا تكون موجودة أو متاحة. لم افهم هل هذه فزورة، أم نكتة سمجة، أم جملة غبية تنم عن العجز او اللامبالاة، او السياسة التي لا تكترث بأرواح البشر او معاناتهم.
البراميل المتفجرة استعرت وتيرتها على حلب وغوطة دمشق الشرقية، أو ما تبقى منها. هذا وحده دليل على انعدام حسن النية عند هذا النظام’ الذي يتحدى العالم’ويقتل يمنة ويسرة بالكيماوي والبراميل والصعق والتعذيب حتى الموت في المعتقلات. صبر العالم كثيرا قبل ان يتدخل للاطاحة بهتلر ونظامه النازي والنظام الفاشي في صربيا الذي فتك بأهل البوسنة وكوسوفو. هذا النظام السوري لا يقل اجراما عنهما، وسيكتشف العالم بعد رحيله، متأخرا، حجم الجرائم التي اقترفها، والمخفي منها اشد هولا من المعلن. تدخلت امريكا والناتو ضد النظام الصربي الذي كان حليفا قويا للروس. ما الذي يمنعهم الان من اسقاط نظام الاسد وتقديمه للعدالة؟ هل هو تحالف حزب الله وايران والعراق مع النظام ووجود اسرائيل’في قلب هذه المنطقة الملتهبة؟ أم انه فخار يكسر بعضه ولتستمر هذه الحرب اللعينة سنين اخرى شرط الا يكون فيها لا منتصر ولا منهزم؟
يقول صديقي الا حلا عسكريا في سوريا، المؤلم الا حلا سياسيا ايضا’في الافق، والنزيف مستمر، ومن لم يمت بالبراميل مات جوعا أو بردا، تعددت اساليب النظام والموت واحد. وهذا النظام يأتي الى جنيف مادا لسانه للعالم، بلطجة، ولم يجرؤ أحد بعد على قطع هذا اللسان.
الجزء الثاني من جنيف انتهى والنظام يصر على مناقشة الارهاب اولا، والمعارضة على مناقشة الحكومة الانتقالية كاملة الصلاحية اولا. الابراهيمي اقترح مناقشة الامرين في نفس الوقت (كيف؟) رفض النظام. لو كنت محل’ المعارضة لقبلت بمناقشة الارهاب اولا، من باب ساير العيّار لباب الدار. ولنبدأ أولا بمناقشة تعريف الارهاب. التعريف البسيط هو قتل المدنيين العزّل بقصد وتعمد.
اذا كان القاء البراميل المتفجرة على البنايات السكنية على رؤوس اصحابها ليس ارهابا فما هو الارهاب يا سادة، المعلم ومقداد والجعفري والزعبي والسيدتان بثينة شعبان ولونا الشبل، ناهيك عن القتل بالكيماوي. فليخجل المدافعون عن هذا النظام الذين يسمّون الثورة ارهابا’وارهاب النظام مقاومة وممانعة، فليمسحوا الغشاوة عن أعينهم وليرموا أقنعتهم عسى ان يروا الحق، ولتصحو ضمائرهم الميتة.
هذا النظام لا يريد ان يتخلى عن استكمال مسلسل القتل والدم ضد السوريين، ولا نقول شعبه. امريكا والسعودية تمدان الثوار بالسلاح ولكنه محسوب بقدر لكي لا يكون كافيا لاسقاط النظام. عند السعودية مستودعات لاسلحة تكفي لان تسقط نظام الاسد ولكنها لا تريد لأن أمريكا لا تريد. لا تريدان البديل لنظام الاسد ان يكون اسلاميا ولا علمانيا ديمقراطيا، يمكن ان يشكل خطرا على اسرائيل مستقبلا وعلى السعودية نفسها، اذ لا يمكن منطقيا ان تتغير المنطقة كلها ويبقى الخليج كما هو، هذا سيكون شذوذا عن سياق التاريخ.
الحلقات القادمة من لن تأتي بجديد ولا بأخبار عاجلة. لو كنت صحافيا لحزمت حقائبي ومعطفي وهربت من برد جنيف، اذ ان البقاء فيها ممل. من المحزن رؤية الابراهيمي منكسرا ويردد عبارات خيبة الامل عدة مرات يوميا قي جنيف، ولا أحسبه سيعود إلا بخفي حنين.
 ‘ كاتب فلسطيني