الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مسـتقبـل إيــران فـي ســوريــا

مسـتقبـل إيــران فـي ســوريــا

22.07.2017
عبد الحميد المجالي



الدستور
الخميس 20/7/2017
لاتبدو ايران مطمئنة الى مستقبل وجودها اوعلى الاصح مشروعها في سوريا، رغم القوة التي وفرتها لهذا المشروع مجموعة من التنظيمات الشيعية وعلى راسها حزب الله، والتي تمسك الارض في المناطق الاكثر حساسية في سوريا، وتتحول الى جانب قوتها العسكرية، الى قوة اجتماعية ثقافية لتجعل من المشروع الايراني اكثر واعمق من كونه مشروعا عسكريا .
لقد حققت ايران مكاسب ضخمة في سوريا على الصعيد الاستراتيجي، وخاصة في عهد الادارة الامريكية السابقة التي تركت لها الابواب مفتوحة في اطار سعي واشنطن لكسب ود طهران،وتحويلها في المستقبل من عدو مفترض الى حليف قوي في منطقة الشرق الاوسط،  كبديل لحلفاء اخرين ربما يشكلون عبئا عليها . كما ان العلاقة الاستراتيجية بين طهران ودمشق، التي نسج خيوطها مبكرا الرئيس السوري السابق حافظ الاسد، والذي قيل على لسان احد المسؤولين الايرانيين انه في الحقيقة كان شيعي المذهب، هذه العلاقة وفرت ارضية مناسبة لتدخل ايراني تدريجي لحماية نظام الاسد من السقوط، بعد ان تجاهلت دمشق الاثار المترتبة على هذا التدخل بالنسبة لمستقبل سوريا، مفضلة اولوية الحماية الآنية على توابع ما ستؤدي اليه في المستقبل .
لقد كانت سوريا الرسمية والامنية في القبضة الايرانية منذ تدخلها في عام 2012 . غير ان الحضور الروسي العسكري القوي في سوريا ودخول موسكو على خط الازمة،  قلص من حدة القبضة الايرانية، واصبح  هناك ما يشبه التقاسم الايراني الروسي بالامساك بالقرار السوري على جميع المستويات. ورغم التحالف الظاهري بين الجانبين، الا ان اهداف الجانبين مختلفة على المديين المتوسط والبعيد، ومعها  اختلفت الاساليب وتولدت شكوك كل طرف تجاه الاخر .
لقد كانت طهران تشك، على الرغم من الود والتقارب مع موسكو، ان عين روسيا كانت تتجه الى مكان آخر او اكثر من مكان. فقد انزعجت طهران من تقارب روسيا مع تركيا، التي لاتتفق مع اهداف طهران في سوريا وفي غيرها، وقد سمح التقارب التركي الروسي لانقرة، بان تنشئ لها موطئ قدم  في شمال سوريا قابل للتوسع  .
وقد تضاعفت التخوفات الايرانية على مستقبل مشروعها في سوريا التي دفعت حتى الان من اجل تحقيقيه الكثير من المال والرجال والعمل المكثف، بعد مجيء الادارة الامريكية الجديدة الى البيت الابيض، التي اعلنت منذ ايامها الاولى انها ضد الهيمنة والتوسع الايراني في المنطقة،  الذي اشاع الفوضى وحالة من عدم الاستقرار فيها، بل وربطت طهران بالارهاب، قائلة انها الراعية الاولى له. وبعد تغير الادارة في واشنطن، بذلت روسيا الكثير من دبلوماسيتها العلنية والسرية للتقارب او التفاهم مع القوة الاولى في العالم . و توجت جهودها باجتماع هامبورغ بين بوتين وترامب، الذي خرج منه زعيم روسيا مطمئنا الى امكانية تطوير التفاهم مع واشنطن التي وصفها بانها اصبحت اكثر براغماتية، وخاصة بعد توقيع اتفاق خفض التوتر في جنوب سوريا، وعزم الجانبين على توسيع تفاهماتما الى مناطق اخرى، ستكون مقدمة لتسوية شاملة للازمة  .
وخلال ما جرى ويجري بين القوتين الأعظم، كانت طهران تقف في موقع المتفرج، كالذئب الذي يشاهد الاسود  تأكل الفريسة دون ان يستطيع الاقتراب منها، وقد شعرت موسكو بمدى التخوفات الايرانية، وارسلت من يطمئنها، لكن ايران ظلت على مخاوفها، ورفضت ربط وجودها في سوريا باي اتفاقات دولية او اقليمية . فطهران  تريد ان تتحرك بحرية دون ان تقيدها اية اتفاقيات مع الاخرين تحد من تطلعاتها التي تتجاوز ما ستتضمنه سطور اي اتفاقية حتى لوكانت مع روسيا؛ لان طموحها ليس له حدود .
في هذه الاثناء  تدور فصول اللعبة في سوريا سرا وعلنا بين الاطراف الفاعلة وبينها طهران . فعلى الصعيد الميداني هناك سباق على الرقة ودير الزور والمناطق المحاذية للحدود السورية العراقية، وعلى الصعيد الدبلوماسي تتشابك الخيوط باتصالات يبحث فيها كل طرف عن حجم حصته في الفريسه، غير ان المؤشرات تقول ان الرياح تتجه بعكس ما تريده طهران في سوريا، فاكثرية اللاعبين الرئيسيين ضد تواجد ايران بشكل رئيسي في سوريا، بعد ان انتهت مهمتها في تثبيت نظام الاسد، فالولايات المتحدة واسرائيل وتركيا والدول العربية جميعها ضد هذا التواجد، او على الاقل مع تقليصه الى ادنى حد، ولا نظن ان موسكو ستقف ضد هذا التوجه، فمصالحها مع هذه الدول اغلى واثمن من مصالحها مع طهران، وليس من المستبعد ان ينضم نظام الاسد لكل هؤلاء، ما دام اصبح وجوده ليس في خطر، وهناك تطمينات اولية له من القوى العظمى واخرها فرنسا .
مستقبل ايران في سوريا، تضفي عليه التطورات الاخيرة نوعا من الضبابية، لكنه في كل الاحوال لن يكون كما تريده طهران، كما انه ليس من المحتمل محوه او ازالته بين عشية وضحاها، نظرا لعمقه وكثافته وحجم القوى التي تؤيده في سوريا . فالبداية قد تكون الاحتواء، ومن ثم  تاتي بعد ذلك الخطوات الاخرى التي ترتبط طبيعتها وحجمها بمواقف اللاعبين الرئيسيين وهي قادمة وقد تكون على مرأى العين  .