الرئيسة \  مشاركات  \  مسيحيو سوريا وسؤال الدور المستقبلي

مسيحيو سوريا وسؤال الدور المستقبلي

18.07.2013
نجيب جورج عوض

مسيحيو سوريا وسؤال الدور المستقبلي[1]
أردت أن أكتب مقالاً حول السؤال عن دور المسيحيين السوريين في مستقبل سوريا منذ أكثر من سنة. إلا أنني امتنعت عن ذلك وقمت بتأجيله مراراً. سبق لي خلال العامين ونصف المنصرمين أن كتبت عدة مقالات دورية عن الأزمة السورية وإرهاصاتها المختلفة، وقد نشرت ضمنها مقالات تناولت مواقف المسيحيين السوريين من الأزمة ومخاوفهم من مرحلة مابعد-الثورة وإعادة بناء النظام السياسي.[2] أجد اليوم أنَّ الوقت قد حان للتطرق إلى مسألة دور المسيحيين السوريين في سوريا المستقبلية، خاصة وأنني دُعيت للمشاركة في مؤتمرات عدة وتقديم محاضرات في أماكن متعدة في اوروبا وأمريكا للحديث عن هذا الموضوع خلال السنة ونصف الماضية. ولطالما طرح المستمعين هذا السؤال على مسامعي وجعلوني أدرك أنه سؤال محوري بالنسبة للرأي العام الغربي. إلا أنني اليوم أعتقد أنه بات سؤالاً ملحاً يواجه، بل ويتحدى، الرأي العام المسيحي السوري قبل غيره من شرائح الطيف السوسيولوجي الواسع في الساحة العامة السورية. فبعدما انهمك المسيحيون السوريون في الوقوف مع أحد أطراف النزاع السوري، قبل أن يغرقوا لاحقاً في مستنقع الانهماك بالتعامل مع التداعيات والنتائج الكارثية لتحول الثورة إلى حرب شوارع ومدن مدمرة ودموية، مركزين كل تفكيرهم على النجاة من المأساة بكل الوسائل والسبل، المسيحية منها وغير المسيحية والأخلاقية منها أوغيرالأخلاقية، هاهم اليوم يجدون أنفسهم، في توقيتٍ لم يختاروه أصلاً وفي ظروف لم يتمنوا أن يختبروا ولا حتى عشرها في حياتهم، أمام واقع أن سوريا تتجه، آجلاً أم عاجلاً، نحو تبدلات بنيوية وراديكالية دولتية ومجتمعية ومدنية وسياسية وحتى تشريعية، وأنَّ عليهم أن يفكروا بالدور الذي عليهم لعبه في الساحة السورية، سواء أرادت باقي أطياف المجتمع السوري لهم لعب أي دور أو لم ترد ذلك، وسواء تصوروا هم أنفسهم أنَّ لهم دور أم لا. أي دورٍ للمسيحيين السوريين في المستقبل وما طبيعة هذا الدور؟ بات مسألة "وجود أو لا وجود" للمسيحيين في سوريا لا محالة.
إنني مقتنع أن الشروعبتقصي ملامح الدور المستقبلي يجب أن يبدأ من تفكيك المخيال الفكري للمسيحيين السوريين عن حياتهم ووضعهم العام في ظل النظام البعثي والحكم الأسدي خلال الأربعين سنة الماضية. تفكيك هذا المخيال شرط ضروري، بل ولازم، كي ندرك بعض مكونات ما يجب أن نحذِّر الشارع المسيحي السوري من الوقوع فيه حين سيبدأ بلعب دور في المستقبل. من هنا فإنَّ نقطة انطلاق تحليلي لمسألة الدور ستعود بنا قليلاً وباختصار شديد إلى افتراض مسيحي شعبي شائع وروتيني لطالما ردده العديد من المسيحيين السوريين أمام أهل البلاد العربية المجاورة وأهل البلاد الغربية والأجنبية حول العالم. هذا الافتراض يقول: "في عهد حكم البعث/الأسد، تمتعنا نحن المسيحيين بالحرية الدينية، إذ لم نتعرض لأي اضطهاد ديني، بل مارسنا شعائرنا الدينية دون تدخل من أحد ودون أن نتعرض لأي قمع أو تهديد وجودي من المسلمين. كل هذا بفضل نظام الأسد العلماني، حامي الأقليات." منَ منا لا يعلم أن هذا الادعاء لطاما تردد على ألسنة غالبية القيادات الدينية والمدنية المسيحية، ناهيك عن الكثير من الأفراد. منَ من المغتربين السوريين لم يسمع (إن لم يردد هو أوهي بنفسيهما) الكثير من الغربيين يكررون نفس الأسطورة نقلاً عن سوري مسيحي ما قابلوه أو يعرفونه؟ ولكن، برأيي أن هذه الأسطورة المذكورة لم تمنع فقط المسيحيين من لعب أي دورٍ فاعلٍ ومثمرٍ وبناءٍ في المجتمع والدولة السورية في العقود الماضية لوحدها، بل إنَّ نفس الأسطورة ستتحول، إذا ما واظب المسيحيون على تبنيها دون تحليل وتمحيص علميين وعقلانيين، إلى أحد أهم المعوقات أمام لعبهم لدور، أي دور كان، بنّاء وفاعل وملموس في مستقبل سوريا القادم. السبب في قولي هذا هو أنَّ ما يـُبنى على افتراض خاطئ ومخيال غير حقيقي لا يـُنجب سوى خلاصات خاطئة ولا يفرز سوى مواقف عقيمة، لا بل ويعيق عملية القيام بأي موقف في المبدأ.
دعوني الآن أفصِّل قليلاً في أسباب اعتباري للادعاء السابق بأنه وهمي وغير حقيقي. أولاً، من المخطئ أن نقول أنَّ النظام الأسدي/البعثي كان نظاماً "علمانياً" لمجرد أنه نظام ينطلق من إيديولوجية قومية (العروبوية) ومن براغما جمعية شمولية تتقصى تهميش الدين (مع أنها تشجع على، بل ولا تسمح للمواطنين بممارسة أي شيء آخر في الساحة العامة سوى، التديُّن وتعمل على توظيف الدين دون سواه في الفوز بطاعة وولاء الشعب) والتشديد على وحدة الناس كأمة (أمة عربية واحدة). لا تسمح المساحة الصغيرة لهذه المقالة بالاستطراد حول هذه النقطة.[3] إلا أنَّ المطَّلع على البحوث العلمية والتاريخية والتحليلية المعرفية لمفهوم "العلمنة/العلمانية"[4] سيدرك بسهولة أن العلمانية لم تُطبَّق أبداً في سوريا ولم تُمارس فعلياً على الأرض حتى هذه اللحظة (لهذا، من الغباء بمكان نبذ العلمانية ورفضها في العالم العربي الجديد دون معرفتها أولاً. نحن اليوم نخاف ونرفض ما لا نعرفه في الواقع). من هنا فإنَّ القول بأنَّ نظام الأسد، الطائفي والإقصائي والأحادي والتدجيني (الصفات المناقضة لمبادئ العلمنة: المدنية، التعددية، التشاركية، والحرية) نظام "علماني" كلام غير دقيق علمياً ولا هو بالحقيقي تاريخياً وممارسةً في سوريا.
ثانياً، وهو الأهم، القول بأنَّ المسيحيين لم يتعرضوا للاضطهاد الديني في عهد نظام الأسد لا يعني مباشرةً أو أتوماتيكياً أنهم تمتعوا بالحرية الدينية: غياب الاضطهاد الديني لا يثبت بداهةً ولا يقود مباشرةً إلى التأكيد على وجود حرية دينية. غياب الاضطهاد لا يفيد بالضرورة وجود الحرية وتوفرها، لا بل قد يكون انعدام الحرية الدينية هو الثمن الذي على الجماعة الدينية أن تدفعه في مقابل حماية الطرف الحاكم لها من الاضطهاد الديني: الحماية من الاضطهاد أداة للتدجين والتطويع وفي النهاية القصوى وسيلة للتهميش والتحييد. هذا ما عاشه المسيحيون في الحقيقة خلال الحكم الأسدي/ البعثي. نعم لم يكن المسيحيون مضطهدون دينياً، إلا أنهم لم ينالوا أي حرية دينية، أو أي حرية أخرى، في الحقيقة. كل مسيحي ملتزم بالكنيسة وبالممارسة الدينية يعلم تمامأً أن الغالبية الساحقة من رجال الدين المسيحيين، خاصة القيادات الكنسية العليا، لطالما وجدت نفسها مجبرة على عقد شبكة علاقات واسعة ومتشعبة، قوامها التبعية والطاعة وتنفيذ الأوامر والأجندات، مع أجهزة مخابرات النظام وقوى الأمن وأصحاب القرار في عهد الأسد الأب والابن على حد سواء. كل المسيحيين يعلمون بهذه العلاقات (والتي وصل بعضها لدرجة التحالف المصالحي في بعض الأحيان) ويعلمون أن رجال الدين المسيحيين كانوا مجبرين على الالتزام بها والخضوع لمشروطاتها ومتطلباتها في نوع من التبعية وإثبات الطاعة المنافية لأي حرية (ولهذا، فقد درج المسيحيون على عدم الثقة بكهنتهم بل وبانتقادهم ووصفهم بأقذع الصفات مراراً). أضف لهذا، كل عابد مسيحي اعتاد على الذهاب إلى الكنيسة للصلاة خلال عهد الحكم الأسدي يعلم أنه على كل كاهن أو واعظ أو معلم ديني (ينسحب الأمر على المؤسسة الدينية الإسلامية أيضاً) أن يقدم نسخة أو تقرير عن تعليمه أو عظته أو دروسه الدينية لرجالات الأمن ولعناصر المخابرات، الذين لطالما كنا نراهم يجلسون علىأحد مقاعد دار العبادة يلتقطون كل كلمة يقولها أي شخص داخل الكنيسة ويحصون على العابدين أنفاسهم وكلماتهم. لم يكن هناك حرية دينية على الإطلاق في سوريا البعث/الأسد، بل كان هناك إيحاء دائم بإمكانية تعرض أي مسيحي لاضطهاد مستطير حده الأدنى الموت، وحده الأقصى القمع والسجون والترهيب وخنق فرص العيش الكريم المنظمة، إذا ما فكر أحد المسيحيين بأن يعبِّر في الكنيسة عن رأي حر يتعلق بالشأن العام. بكلمات أخرى, مقابل حماية المسيحيين من أي اضهاد ديني من أي طرف غير مسيحي، أجبر المسيحيون، أسوة بأخوتهم المسلمين أيضاً، على التنازل عن حريتهم الدينية والمدنية وفُرضَ عليهم التخلي عن لعب أي دور حر، مدني حقيقي وفاعل في الساحة المدنية العامة. ثمن الحماية من الاضطهاد كان الخروج من الحياة العامة والانزواء داخل دار العبادة والتخلي عن لعب أي دور فكري أو مدني أو دولتي نقدي، حر وإصلاحي عام.
ما أريد تبيانه من خلال تسليط الضوء على ذينك الجانبين الخاطئين في الادعاء التقليدي الشائع بين مسيحي سوريا عن وضعهم المدني خلال عهد البعث/الأسد هو ما يلي: إن استمر مسيحيو سوريا بالكذب على أنفسهم وعلى العالم أجمع وواظبوا على التوهُّم بأنَّ حياتهم في عهد النظام القمعي الفاسد هي الحياة المثلى التي يعيشون هاجس فقدانها ولهذا يريدون التمسك بها، فإنَّ هذا التمسك بما فيه من أخطاء لن يدفعهم للعب أي دور حقيقي وفاعل في المستقبل السوري القادم، بل سيكون دورهم مجرد تعبير انفعالي نكوصي سلبي، بل ومدمِّر لهم، ناتجٍ عن شعورهم بفقدان حالة وجودية عاشوها في عهد النظام الأسدي وقد أقنعوا أنفسهم واهمين ومخطئين بأنها أفضل حالة يمكن للمسيحيين أن يوجدون فيها في سوريا (إن لم يكن العالم العربي) أوأن يكونوا فيها جزءاً من الكيان السوري. باختصار، الانطلاق من تفسير وتوصيف خاطئين وغير حقيقين لحالة الوجود الماضية تؤدي منطقياً واستقرائياً إلى اتخاذ مواقف خاطئة وسلبية ومدمرة تجاه المستقبل.
إن استمر المسيحيين السوريين بالاعتقاد بأنَّ الوقاية من الاضطهاد تستحق التضحية بالحرية الدينية، بل والحرية عموماً، وأنَّ تأمين النجاة أهم من لعب دور، فإنهم في سوريا المستقبل سيكررون نفس موقفهم في عهد النظام الأسدي وستراهم، إنطلاقاً من نفس الهوس بالسلامة، يتمسحون مرة أخرى بمنظومة السلطة الجديدة وسيبنون علاقات تحالف ومراضاة وخنوع جديدة مع أصحاب القرار فيها، مضحّين في المقابل بحقهم البشري والمدني والدولتي الأساسي بالحرية بكافة أنواعها وأشكالها، ومستمرين في انزواءهم وتقوقعهم داخل صومعة الحياة الكنسية والدينية-الاجتماعية الضيقة والانعزالية: الهوس بالنجاة وبدرء الخطر سيتغلب على الرغبة بالوجود الحر وبالمشاركة الفاعلة. وكلما تنامى عند المسيحيين إحساس الخوف من الإضطهاد وإمكانية حدوثه بسبب غياب حالة الأمان الوهمية التي عاشوا في كنفها لعقود سابقة، كلما تضاعف عندهم اطراداً هاجس الخوف من الآخر وهوس الانكماش على الذات، مما سيؤدي إلى حالة من الأصولية المسيحية الانعزالية، قوامها حنين لحالة وهمية ماضوية من الحماية من اضطهاد مُتخيَّل، ووقودها قناعة لا تقل وهمية بأن الدور الوحيد المتاح للمسيحيين في عالمهم السوري هو أن يتوخوا الحماية لا أن يقاتلوا لأجل الحرية وأن يبادروا بلعب أي دور.
من جهة أخرى، إن استمر المسيحيون السوريون بالاعتقاد بأنَّ الوقاية من الاضطهاد تستحق التضحية بالحرية وأنَّ تأمين النجاة أهم من لعب دور، فإنهم في سوريا المستقبل سيكررون نفس خطئهم أثناء عهد النظام البعثي بمد اليد للتحالف مع دوائر صنع القرار ومراكز السلطة، بدل أن يلتفتوا إلى الشارع العام ويبنوا جسور تواصل وشراكة حقيقية فاعلة ومدنية وعملانية مع باقي أطياف وشرائح وجماعات المجتمع والساحة العامة السورية بكل مكوناتها الشعبية. أثناء عهد الأسد، اكتفت القيادات المسيحية السورية الروحية والزمنية على حد سواء بنسج علاقات مصالح مشتركة وعلاقات "حماية-طاعة" و"تسامح-ولاء" مع النظام الحاكم ومراكز السلطة وأجهزتها الأمنية. فعلت هذا، بدل أن تعيد بناء شبكة علاقات مدنية حرة وتفاعلية وسوسيولوجية حقيقية مع الشعب والشارع وباقي أفراد المجتمع السوري من منطلق التشارك في وحدة الحال والمعاناة من نفس منظومة القمع والاضطهاد والمعاناة من نفس سياسة مقايضة الحماية بالولاء والتسامح بالتنازل عن الحريات. إن كان مسيحيو سوريا سينطلقون في نظرتهم لسوريا المستقبل من زاوية الخوف من عقدة الاضطهاد وزاوية الإيمان الخاطئ بالأسطورة الوهمية التي ذكرتها في الأعلى، فهم عندها سيقصروا في بناء علاقة تواصل وتفاعل وبنيان حقيقية مع الشارع السوري العام في المستقبل كما قصروا في فعل ذلك في الماضي، وستراهم يعيدون انتاج خيار التمسح بالسلطة وتفضيل الانفتاح عليها على الانفتاح على الشارع.
أي دور لمسيحي سوريا في المستقبل؟ الجواب على هذا السؤال يحدده، كما حاولت أن أناقش هنا، المخيال الذي يحمله مسيحيو سوريا عن حياتهم في الماضي وما إذا كانوا مستعدين لتفكيكه وأعادة تقييمه أم لا. إن كانوا مستعدين لفعل ذلك، فلسوف يكتشفون بأنفسهم أن ادعائهم بأن النظام البعثي/الأسدي كان نظاماً علمانياً حمى المسيحيين من الاضطهاد الديني وأعطاهم حريتهم الدينية ما هو إلا وهم غير حقيقي ولم يكن واقعياً حقاً يوماً ما في سوريا الأسد. ولسوف ينطلقون عندها من عملية النقد والتفكيك تلك ويأسسوا عليها موقفاً مغايراً تماماً يجعلهم يلعبون دوراً فاعلاً وبنّاءاً يحمل كل ملامح الحرية (خاصة الحرية من الافتراضات الخاطئة وعقد الخوف والهوس بالأمان والنجاة) والانفتاح على الشارع السوري لا على مراكز السلطة؛ على أبناء وبنات المجتمع السوري لا على صناع القرار فقط. أما إذا رفض المسيحيون مجرد إعادة تقييم قراءتهم لواقعهم في عهد النظام الأسدي، فلن يكون هناك أي تغيير بنيوي ملموس في آلية عيشهم وطبيعة حضورهم في المجتمع السوري في المستقبل. ما سينتج عن هذا هو تمسك أعمى بالهوية الدينية يشبه تماماً الأصولية المسيحية القائمة على التشكيك بالآخر وعقدة الأقليات والتورط في صراعات قوى ومذهبيات نراه اليوم متمثلاً في الدرك الأصولي الذي تنحدر إليه المسيحية اللبنانية (العونية تحديداً). ما سينتج عن هذا، كذلك، إمعانٌ في الانعزال والتقوقع والبحث عن مخرج آمن من الوطن، مما سيفرغ الشرق من أهله الأصليين بأيدي أهله الأصليين أنفسهم، وليس بالضرورة بأيدي من يعتقد المسيحيون، في خضم غرقهم المريض في بحر عقدة الأقليات وبعبع الذمية، أنهم مصدر خطر وليسوا شركاء في الوطن.
في مقالات عديدة سابقة، وجهت عدة نداءات للمسلمين السوريين كي يمدوا يدهم لأخوتهم المسيحيين في الوطن ويرسلوا لهم رسالة تطمين وأخوّة في الوطن ويدعونهم للمشاركة معهم في تحرير وبناء سوريا جديدة للجميع. اليوم، أوجّه رسالة لأخوتي وأخواتي، لأهلي المسيحيين السوريين، بأنَّ عليهم أن يبحثوا عن لعب دور في سوريا المستقبل، لا أن ينتظروا أن يقدم لهم أحدٌ ما الفرصة للعب هذا الدور. أدعوهم لكي نفكر معاً في ماهية وطبيعة هذا الدور الذي يجب علينا كواجب وطني وأخلاقي وإنساني أن نلعبه في سوريا المستقبل، وأن نقوم بهذا انطلاقاً من إعادة تقييم وتفنيد صريحة وشجاعة وعقلانية ونقدية مفتوحة للتصور التقليدي الذي حملناه أثناء عيشنا خلال الأربع عقود الماضية بأنَّ ضمانة وجودنا هي نظام مثل نظام البعث الأسدي الذي، لطالما توهمنا، بأنه نظام علماني وبأنه ضمن حريتـنا الدينية لمجرد أننا في عهده لم نتعرض للاضطهاد. إنني أدعو أهلي، مسيحيي سوريا، للتحلي بالشجاعةلفحص وتفكيك وإعادة تقييم حقائقية تلك النظرية كيما نتأكد من أننا لا نبني استشرافنا للمستقبل على فرضيات ومخيالات غير صحيحة ووهمية عن الماضي. البداية الخاطئة تودي دوماً لنتائج خاطئة، ومصيرنا المستقبلي سيرسمه تصوراتـنا عن حياتنا الماضوية.



[1]نُشرت نسخة أولى من هذا المقال باللغة العربية.أنا ممتن بعمق للعزيزين فيرينا كوزمان ووسيم حداد على عملها الدقيق المثير للإعجاب على الترجمة الألمانية للمقال. صدرت النسخة العربية من هذه المقال في :
Najib George Awad, “RisālahʼīlaʼAhlī al-Masīīyyn: MasīīyyūSūrīyya was-SūʼālaūlDaūihim al-Mustaqbalī” (A Message to my Christian People: The Syrian Christians and the Question of their Futural Role) (Arabic) in Dimasheq,  4/5, 2013, pp. 39-45.
[2]Najib George Awad, And Freedom Became a Public-Square: Political, Sociological and Religious Overviews on the Arab Christians and the Arabic Spring, (Muenster & Berlin: LIT Verlag, 2012), prt.2, chs. 3-4, app. 2; Najib G. Awad, “AmmaBaqi an-Nas fi Swriyyafahum al-aghlabiyyah as-sakinah” (And the Rest of the People in Syria are the Quiescent Majority) (Arabic), in www.oxygen.com, N. 126, 1/5/2011; and N.G. Awad, “Nafs al-ʽUyūn al-Muballalah, Nafs al-Hawāʼ al-Māli” (The same wet eyes, the same salty air) (Arabic), in www.oxygen.com , N. 125, 1/4/2011; and N.G. Awad “al-Masiiyyūnwa al-Thawrah as-Sūriyyah: ʼAyyatMakhāūif Min al-Thawrah? ʼAyuNizāminSīyāsyy fi al-Mustaqbal?”(The Christians and the Syrian Revolution: Which Fears from the Rebellion? Which Political System in the Future?)(Arabic)in The Arabic Spring and the Christians of the Middle East, MitriRaheb (ed.), Bethlehem: Diyar Publishers, pp. 113-127.
[3]كتبت عن مسألة العلمانية في العالم العربي وفي ضوء الربيع العربي في مكان آخر. أنظر:
Najib G. Awad, And Freedom Became a Public-Square, pt. 1, ch.2.
[4] أنظر مثلاً:
Charles Taylor, A Secular Age, (Cambridge, Mass: Harvard University Press, 2007); Charles Taylor, “Forward: What is Secularism?” in Secularism, Religion and Multicultural Citizenship, Geoffrey BrahmLevey and Tariq Modood (eds.), (Cambridge&New York: Cambridge University Press, 2009), pp. xi-xxii;Charles Taylor, “Why We Need a Radical Redefinition of Secularism,” in The Power of Religion in the Public Sphere, Judith Butler, Jürgen Habermas, Charles Taylor and Conrad West (eds.), (New York &Chichester: Columbia University Press, 2011), pp. 34-59;Charles Taylor, “Western Secularity,” in Rethinking Secularism, Craig Calhoun; Mark Juergensmeyer and Jonathan VanAntwerpen (eds.), (Oxford and New York: Oxford University Press, 2011), pp. 31-53; Olivier Roy, Holy Ignorance: When Religion and Culture Part Ways, Ros Schwartz (trans.), (London: Hurst & Company, 2010); andOlivier Roy, Secularism Confronts Islam, George Holoch (trans.), (New York: Columbia University Press, 2007),