الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مصائب "داعش" عند دمشق فوائد

مصائب "داعش" عند دمشق فوائد

16.11.2014
د. ياسر محجوب الحسين



الشرق القطرية
السبت 15-11-2014
ليت الغرب يعي فعالية الأداة الفكرية في محاربة التطرف والإرهاب مقابل خطل الآلة العسكرية المدمرة؛ فالأخيرة إن حققت نجاحاً - وهذا أمر مشكوك فيه بدرجة كبيرة - فسوف يكون مؤقتاً وغير مستدام، أما نهج المحاربة عبر الأداة الفكرية فإن نجاحه حتماً مستداماً ويأتي على قاعدة الإرهاب الفكرية المختلة من جذورها. فعلى سبيل المثال فإن التركيبة الفكرية المعقدة والمختلة التي تشكّل مرجعية ما يعرف بتنظيم الدولة، تؤكد أن تصويب الهدف عبر الأداة العسكرية لا يحقق القضاء عليه. والغرب بقيادة الولايات المتحدة صاحب المصلحة الحقيقية في محاربة تنظيم "داعش"، عليه الانتباه إلى أن أنظمة إقليمية تريد محاربة "داعش" ولكن من منطلقات أخرى، فتلك الأنظمة المنبوذة شعبياً والتي لا تبقى في الحكم إلا بمساعدة الغرب نفسه، في حاجة لتخويف الغرب وإشعاره بحاجته إليها في محاربة الإرهاب المتمثل في "داعش"، فهي ليست صاحبة مصلحة أصيلة في محاربة "داعش" إذ إنها وسيلة لجلب الدعم لسلطتها غير الشرعية.. وإن كان التحالف ضد "داعش" يحتاج إلى مقاولين من الباطن في حالة اعتماد الخيار العسكري، حيث تقدم تلك الأنظمة أبناء شعوبها وقوداً للمعارك الأرضية بينما تتولى الدول الكبرى الحرب الجوية، فإن الحرب الفكرية تحتاج أيضاً لمقاولين من الباطن، بيد أنه من المؤكد لن يكون المقاولون تلك الأنظمة المستبدة إذ لا مصلحة لها في هذا النوع من الحرب بل إن نجاح هذا النهج سيكون خصما على بقائها في السلطة. المثقفون المعتدلون ومن يفهمون الدين الإسلامي على حقيقته، أفراداً ومنظمات مجتمع مدني، هم من يستطيعون القيام بالدور المساعد والفاعل في نجاح الحرب الفكرية.. الرئيس السوري بشار الأسد الذي لم يرع في شعبه إلا ولا ذمة وجد فرصة سانحة ليرمي "داعش" بدائه وينسل ويعرض خدماته على التحالف، باعتباره جزءًا من الحل، ويؤمن بعض الغربيين والأمريكيين بأن هدف مكافحة الإرهاب أكثر معقولية بطبيعته من هدف تحقيق الاستقرار السياسي في دولة من دول المنطقة مثل سوريا.
إن الهوة المتسعة اليوم بين الإسلام والغرب تزداد عمقاً كلما غاب الحوار الفكري بين الطرفين، إلا أن الأمر الأكثر أهمية أن يُنحي الغرب والولايات المتحدة جانباً نظرية صراع الحضارات للمفكر الأمريكي صامويل هنتنجتون فهي لا تصلح لأن تكون أساساً لحوار وتعايش بين الثقافات والحضارات. والإسلام ليس هو "داعش" بالطبع فهو دين الوسطية، لكن أن الدين في الوقت نفسه ليس مجرد مجموعة شعائر وحركات ظاهرة مجوّدة دون أبعاد معنوية.. فالإسلام بهذا المعنى الوسطي، ليس ديانة فقط وإنما هو نظام سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي يصلح لبناء مؤسسات الدولة الحديثة.. كذلك لا يجوز على سبيل المثال اعتقال السياسة في إطار الفقه لأن ذلك يؤدي بالضرورة إلى تأخر تطورها إلى كونها علما وفكرا منفصلا، أي تعطيل انتقالها من الخاص الضيق إلى الواسع العام. قد يكون مزعجاً لكثير من الدوائر الغربية محاولات اعتماد الفكر الإسلامي باعتباره أسلوب حياة وبديلا للفكر الغربي القائم على العلمانية والرأسمالية، لكن مثل هذه الخلافات والهواجس يتم حلها وتجاوزها عبر الحوار الفكري العميق.
ربما كانت الدولة العثمانية إحدى آخر التجارب الإسلامية ما قبل الحربين العالميتين والتي كانت من نتائجهما سيادة الفكر الغربي القائم على العلمانية وامتداد تأثيره على العالم الإسلامي وقد ظهر ذلك بشكل صارخ في تركيا وكان كمال أتاتورك رأس الرمح في ترسيخ بديل علماني صارم مدفوع ومدعوم من قبل المنظومة الغربية التي شكلتها الحرب العالمية الثانية بشكل خاص. لقد كانت الدولة العثمانية هي النقطة التي انتهى عندها صعود الإسلام وتفوقه في كافة المجالات بعد أن سادت تلك الدولة لأكثر من ستة قرون (1299م – 1924م).. لقد جاء الانهيار لأسباب داخلية وخارجية، فالتوسع الكبير أفقد المركز (اسطنبول) السيطرة على أرجاء الدولة الممتدة. وتبع ذلك أو تزامن معه تدهور اقتصادي كبير، أما خارجيا فقد كانت دعوات العلمانية والقومية القادمة من الغرب تأكل في الأساس الفكري للدولة العثمانية.
أيضا ما يزعج كثير من الدوائر في العالم الإسلامي أن الغرب متورط حتى أخمص قدميه في سياسة الكيل بمكيالين إزاء تطبيق الديمقراطية في العالم الثالث، وهو ما يكرس الشعور بأن شعوب العالم الثالث ومنها الشعوب المسلمة غير جديرة بممارسة الديمقراطية ولذا لا يتورع الغرب في دعم أنظمة عسكرية أو غير ديمقراطية طالما تحافظ له على مصالحه على حساب شعوبها.. رغم أن أدبيات السياسة الغربية تؤمن بأنه كلما كانت المؤسسة العسكرية مهنية في مهمتها، ابتعدت عن التدخل المباشر في السياسة. وكلما قلت مهنيتها، ازدادت تدخلاً في السلطة. وتكمن مهنية الجيش في تجويد مهمته الأساسية وهي حماية البلاد من التهديد الخارجي، وهو ليس معني بقضايا الأمن والسياسة الداخلية.
ما يشيع بعض الأمل في توفر حوار فكري مستقبلا بين الطرفين ظهور بعض الإضاءات في الموقف الغربي من مسار الديمقراطيات الموؤدة، فصحف مثل "نيويورك تايمز" و"يو إس توداي" الأمريكيتان لم يمنعهما المناخ السائد من أن يكون لهما موقف أخلاقي تجاه ما حدث في مصر، فقالت صحيفة "نيويورك تايمز":(مهما يكن أداء الرئيس المعزول محمد مرسي، فإنه منتخب ديمقراطيا وإن عزله من قبل الجيش هو انقلاب عسكري لا أقل).. أما صحيفة "يو أس أي توداي" وصفت ما جرى بأنه (سيطرة الغوغاء المدفوعة بالجيش للإطاحة بحكومة انتخبت وقالت إن ما أعلنه الرئيس المعزول مرسي من أن الانتخابات قد سُرقت حقيقة مؤكدة).