الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مصالح الفرقاء الإقليميين لا سوريا الحرّة

مصالح الفرقاء الإقليميين لا سوريا الحرّة

23.08.2015
بشار عمر الجوباسي



القدس العربي
السبت 22/8/2015
يتخفى الجميع مهما كان دورهم العبثي في سورية، خلف عبارة الحلّ الدبلوماسي لأزمتها، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يتفق الفرقاء الإقليميين المتصارعين فيها على تفسيره بالإبقاء على مؤسسات الدولة.
ولا يقفون عند هذا الحدّ، بل يتابعون ويحدّدون ما يقصدون بتلك المؤسسات، وهي الجيش والأجهزة الأمنية، ليس هذا كلاما عابراً يُقال في ختام اجتماعاتهم التي لم تؤدِّ إلى اتفاق، بل أّنها صكوك غفران تجدّد كلّ حين لآلة نظام الأسد الإرهابية لتستمر في اقتراف المجازر اليومية.
لم يزد طول أمد محرقة السوريين الدول المتصارعة على ترابهم إلا تمسكاً بمصالحها، مع اختلاف أدوات التنفيذ؛ فالدول الداعمة للثوار لديها الكثير من الخطوط الحمراء على استخدام القوة والسلاح النوعي لا تزال وفيّة لها، على عكس ما تفعل في اليمن مثلاً. أما الدول الداعمة للنظام فتطلق العنان لعربدتها الإرهابية وتستخدم كل الأسلحة المحرمة وتضغط على الثوار بقصف المدنيين، الذين تتربّص بهم المجازر بعد كل تحرير لقرية أو مدينة.
لا شكّ أنّ النمر الورقي "داعش" عاد بنتائج مذهلة على صانعيه، وهو أكثر ما يخيف السعودية، إضافة لبقاء سورية ولبنان تحت النفوذ الإيراني الكامل، وهي تريد على الأقل وعلى الأكثر حصة متوازنة لها فيهما.
تركيا تسعى الآن لإقامة منطقة عازلة في مساحة صغيرة، لن يجد فيها ملايين السوريين ما يُسمن أو يغني من جوع، فهي تقع في منطقة يوجد فيها "داعش" وثوار سوريون وقوات حماية الشعب الكردي الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني، ومع أي ضربات جوية ل"داعش" في تلك المنطقة يُحتمل أن يتقدّم المقاتلون الأكراد ويوسعون سيطرتهم؛ لذلك لم تعد تركيا وفيّة لالتزاماتها الأخلاقية تجاه السوريين، مع استمرار الرفض الأمريكي، فاختارت لمنطقتها العازلة ذلك المكان الذي تقلّص كثيراً عما طرحوه في السابق، والذي كان يمكن أن يقدّم شيئا للسوريين. أما المنطقة الحالية التي ربما ستقام تحت صمت أمريكي يوحي بالرضى، فلا تمثّل إلا المصالح التركية؛ التي تهدف إلى طرد "داعش" من تلك المنطقة ليحل محلّها ثوار سوريون محسوبون عليها، بدلاً من احتمالات سيطرة المقاتلين الأكراد على جزء منها، وبذلك سوف يقطع التواصل في ما يسمونه إقليم كردستان الغربية، وتعزل منطقة عفرين الكردية عن المناطق الشرقية التي أصبحت كياناً متصلاً على طول الحدود السورية التركية من عين العرب-كوباني حتى الحدود العراقية. وتكون قريبة من أي نوايا كردية وجاهزة لمواجهة الحلم الكردي في سورية، وهذا أهم ما يؤرقها هناك.
إيران تسعى الآن إلى إعادة تشكيل ديمغرافي لبعض المناطق السورية، لإيجاد تواصل بين المناطق الشيعية في لبنان مع المناطق التي ترغب بإبقائها تحت سيطرة العلويين في سورية وتحارب الآن تحت هذا العنوان. تبدو مهمتها مستحيلة لكنها لم تبدِ أي تراجع عنها حتى الآن. وتبدو صامدة في سبيل أطماعها في كامل الإقليم، التي تنطلق من أوهام طائفية، كما تحمي نظامها من خلال التوسع وإبعاد الصراع عن أرضها، التي تزخر بالأضداد الطائفية والعرقية. والغريب أنّها لا تزال متماسكة حتى الآن، ولم يعاملها أحدهم بالمثل ويلقي عود ثقاب فوق أكوام القش تلك.
تستبعد مصالح الشعب السوري في ما يجري من حرب على أرضه، التي لم تفضِ حتى الآن إلا إلى مباحثات سياسية مسكّنة تطفو على سطح برك الدماء بين الحين والآخر، أو كل عقب مجزرة كبرى يرتكبها النظام، كما حدث في دوما مؤخّراً. لن تأتي مبادرة سبتمبر المقبل، التي دعا إليها مجلس الأمن بأكثر مما أتت به مباحثات جنيف الأولى والثانية، فلم يذوب الكثير من الجليد بين الدول الإقليمية، لا بل زاد التأزم بينها، وهذا ما ينعكس مباشرة على عمر الأزمة السورية.
لا يمكن الوثوق بأي دولة من الدول التي تعتبر داعمة للثورة السورية، مهما كان موقفها منها، فالسعودية أعدى أعداء الربيع العربي، ومجهضة الثورة المصرية؛ هل تتمزق أوصال أمرائها لإنجاح الثورة السورية؟ ما استقبال رئيس مخابرات نظام الأسد علي مملوك في هذه الظروف إلا خير دليل على ذلك. ربما ليس الأمر بالنسبة لهم سورية مقابل اليمن، فلديها الكثير لتخشاه في سورية، لكنها ترضى بتقاسم النفوذ فيها.
تركيا البراغماتية لا يحركها إلا الاقتصاد وتفضلّه على الكثير من القضايا الإستراتيجية والأخلاقية، فلم تفرط بعلاقاتها الاقتصادية مع إيران الحليف القديم لحزب العمال الكردستاني؛ وتقتصر مخاوفها الإستراتيجية في سورية على القضية الكردية، التي تغّل يديها تاريخياً إلا في مواجهة نتائج تطورها، فلم يأخذ أحد رأيها في إنشاء كردستان العراق، لكنها استطاعت ربطه اقتصادياً بها بشكل شبه كامل، فلا يصدّر قطرة نفط واحدة إلا عبرها، وهذا ما ستكون عليه الحال في سورية، إلا أنّها تحتاج للتحرك لتبقى على مقربة من مجريات الأحداث. أما الحلف السعودي التركي فليس بالذي يعتدّ به؛ ويحوي من نقاط الخلاف أكثر مما يحوي من نقاط الاتفاق ولا يتعدى التقاء الليل بالنهار الذي لا يتم إلا عند تلاشي أحدهما وحلول الآخر.
تقدّم الثوار السوريون على الأرض يتمّ بتضحيات كبيرة جداً، سواء من المقاتلين أو المدنيين، ويتطلب الحسم النهائي وقتا طويلا يفاقم الخسائر، ويبقى أي نصر مرهونا بالتفاف الأطراف الخارجية عليه، وفرض تسوية تقطع الطريق على تحرير سورية وإسقاط النظام، ويلاحظ ازدياد زخم الحل السياسي والمشاورات والمبادرات الدولية مع كل تقدّم للثوار، خاصة باتجاه المناطق العلوية. باقي الدول ليست أكثر من كومبارس يتطلبه المشهد وليس لها تأثير كبير يمكن أن يقلب الموازين، وهذا ما ظهر واضحاً في دول الربيع العربي الأخرى. إسرائيل لا تريد تحويل سورية إلى لبنان أو عراق آخر وهذا ما يرجحه أكثر المتفائلين، بل تسعى لتكون أفغانستان أو صومال جديدة، ومع إنشاء منطقة عازلة في الجنوب السوري تحت إدارة وإشراف أردني ستضمن أمن شمالها، من دون أدنى عناء.
المناطق العازلة في الشمال والجنوب السوري بشكلها وأهدافها الحالية ليست بشارة خير، بل هي تحرك من دول الجوار للتعامل مع حرب ستطول كثيراً.
ربما سنشهد يوماً تجتمع فيه السعودية والأردن وقطر وتركيا وإيران حول طاولة مفاوضات عليها ورقة تحوي عدة بنود إسرائيلية مسبقة ليضيفوا لها بنود اتفاقهم ولينهوا الأمر.
 
٭ كاتب سوري