الرئيسة \  دراسات  \  مصالح محددة: دلالات توجه إيران لتحسين العلاقات مع السعودية

مصالح محددة: دلالات توجه إيران لتحسين العلاقات مع السعودية

25.05.2014
ريهام مقبل


تكشف التصريحات التي أدلى بها مسئولون إيرانيون، خلال الفترة الماضية، عن وجود مسعى إيراني لإعادة الانخراط مع السعودية، على نحو قد يؤسس لنوع من "توافق المصالح" المحددة بين البلدين، حيث يدرك الإيرانيون أن السعودية لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله، مثلما لا يمكن محاربته، لما يمكن أن يترتب على ذلك من خسائر كبيرة. وقد عبر الرئيس الإيراني حسن روحاني، منذ توليه الرئاسة، عن رغبته في تحسين علاقات طهران مع الرياض، وهو، على ما يبدو، يضع ذلك ضمن أولويات الدبلوماسية الإيرانية، إلا أن هناك تحديات جمة قد تجعل هذا الاهتمام لا يترجم إلى خطوات فعلية.
 
ثلاثة مؤشرات رئيسية:
تسعى إيران، منذ انتخاب الرئيس روحاني الذي يتبنى توجهًا معتدلا، إلى إعادة التموضعRe-Positioning في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في منطقة الخليج، على نحو يسمح بمزيد من التعاون والانفتاح مع دول المنطقة، خاصة السعودية، إذا مكنته قوى إيران الداخلية من المضى فى هذا الاتجاه، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال مؤشرين: يتمثل الأول في اللقاء الذي جمع بين السفير السعودي لدى طهران عبد الرحمن الشهرى والرئيس الإيراني الأسبق رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمى رفسنجانى، في 21 أبريل 2014، والذي استدعى خلاله رفسنجاني أهمية وجود "مجمع سني-شيعي" لمناقشة ومعالجة القضايا الطائفية الحساسة مع المجتمعات المسلمة الرئيسية، لمنع استغلال تلك القضايا من قبل المتطرفين، كما قيل.
وقد سبق لقاء رفسنجاني مع السفير السعودي تصريحات إيجابية تجاه الرياض جاءت على لسان بعض المسئولين الإيرانيين، حيث أكد السفير الإيراني في لبنان، غضنفر ركن أبادي، في 11 أبريل 2014، على أن العلاقات بين إيران والسعودية قد بدأت تشهد ما وصفه بـ"الانفراجات"، التي ستنعكس، وفق تصوره، إيجابيًا على ملفات المنطقة. فيما أشار الرئيس روحاني، في حديث سابق، إلى أهمية التنسيق بين البلدين، حيث صرح في 3 مارس 2014، بأنه "لا شك أن التعاطي والتعاون بين إيران والسعودية بإمكانه أن يكون مفيدًا لاستقرار وأمن المنطقة برمتها"، وهو ما يؤشر إلى رغبة روحاني في تأسيس علاقات ثنائية طبيعية مع السعودية، وقد رد السفير السعودي لدى طهران على ذلك، في 4 مارس 2014، بقوله أن "هناك حرصًا على الحفاظ على علاقات ودية أخوية مع السعودية، كما أن توجهات الحكومة الإيرانية الجديدة، فتحت آفاقًا جديدة في علاقات البلدين".
وينصرف الثاني إلى زيادة عدد تأشيرات المعتمرين الإيرانيين، حيث أعلن السفير السعودي لدي طهران، في 20 مارس 2014، أن بلاده قررت زيادة عدد تأشيرات العمرة للمعتمرين الإيرانيين إلى 160 ألف تأشيرة، وهو ما يعكس تحولا سعوديًا إيجابيًا تجاه إيران، حيث كانت السعودية تتعامل مع المعتمرين الإيرانيين في فترات سابقة كمصدر خطر أمني.
 
فرص استراتيجية:
يمكن القول إن هناك "فرصًا" من نوع ما قد تسهم في التقارب بين السعودية وإيران، والتوصل إلى مواقف مشتركة بينهما. فمن ناحية، هناك تصاعد في خطر الجماعات الإسلامية المتشددة، وهو خطر مشترك يدركه الطرفان، خاصة السعودية، بعد قرارها بتجريم قتال مواطنيها في سوريا، وإعلان وزارة الداخلية، في 7 مارس 2014، عن قائمة "المنظمات الإرهابية" التي ضمت "تنظيم القاعدة" و"جبهة النصرة" و"تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) وجماعة "الإخوان المسلمين" و"حزب الله في الداخل" و"الحوثيين". وكان الرئيس روحاني قد أكد، في 3 مارس 2014، على أهمية العمل على مكافحة الإرهاب بقوله أن "التطرف والإرهاب يعرضان المنطقة برمتها للخطر، وإن الاختلافات غير المبررة والخاطئة بين المذاهب الإسلامية خلقت أجواء غير مناسبة في كل المنطقة".
وتشير هذه التوجهات إلى رغبة الطرفين في تبني سياسات أقل تصادمًا، لا سيما وأن الأزمة السورية طالت ولم يعد الحل العسكري هو الخيار الأمثل لتسويتها، حيث كشفت تقارير عديدة عن أن السعودية ربما تتبنى استراتيجية جديدة تجاه سوريا ستكون أكثر مرونة. ومن ناحية أخرى، هناك إمكانية لتبدل موازين القوى داخل إيران بعد الاتفاق الإيراني - الأمريكي حول الملف النووي، لمصلحة رموز الاعتدال، مثل رفسنجاني وروحاني، خاصة أن المضي قدمًا في المفاوضات قد يساعد في تقليص نفوذ المؤسسات المتشددة، مثل الحرس الثوري، في إدارة الملفات الإقليمية، لمصلحة التيار المعتدل، والذي قد تتعاون معه الرياض، لا سيما وأنه كان هناك "تفاهمات" بين البلدين في عهدي رفسنجاني وخاتمي. وقد أشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقالة في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، إلى أن "الحديث عن سعي الحكومة الإيرانية وراء الحصول على سلاح نووي هو فكرة ضارة بأمن البلاد ودورها الإقليمي، لأن المحاولات الإيرانية من أجل تحقيق التفوق الاستراتيجي في الخليج ستثير ردودًا ستؤدي لتقليص الميزة العسكرية التقليدية لإيران".
كما يلاحظ اتجاه البلدين نحو التهدئة السياسية والإعلامية، في ظل انخفاض وتيرة التصريحات العدائية تجاه إيران سواء من قبل المسئولين السعوديين، أو من جانب كتاب الرأي، حتى أن أحد الأكاديميين السعوديين أشار في مقال له في صحيفة "الحياة"، إلى الحاجة إلى "اتحاد سعودي- إيراني"، وإلى أن السعودية وكذلك إيران بحاجة إلى "حليف قوي".
 
معوقات محتملة:
تصدر الصراع السعودي - الإيراني قائمة الصراعات الإقليمية، لا سيما في ظل المصالح المتضاربة لكل من طهران والرياض، وبالتالي ورغم أهمية التوجهات الحالية لإيران نحو التقارب مع السعودية، إلا أن استمرارها يواجه معوقات رئيسية. فمن ناحية، ثمة حرص من جانب الحرس الثوري على الحفاظ على المكاسب الجيوسياسية لإيران في المنطقة، بما في ذلك دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، والاحتفاظ  بنفوذه في السياسة الخارجية الإيرانية، بشكل يجعل من الصعب تحقيق تفاهم جديد مع السعودية، بقيادة روحاني، وهو ما تشير إليه، على سبيل المثال، كلمة روحاني، في 18 أبريل 2014، أثناء الاحتفال بعيد المؤسسة العسكرية، والتي جاء فيها أن "الدبلوماسية الإيرانية اليوم تقف على جبهة السلام، وهي من يقوم بالنضال السياسي في المفاوضات بوجه القوى الدولية (...)، والفريق المفاوض يستطيع أن يحمي مصالح الدولة".
وقد رد الجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني علي كلمة روحاني، في 21 أبريل، بقوله: "إن حياة الثورات في الدول الأخرى تستمر عقدًا أو عقدين من الزمن، لكن الثورة الإسلامية الإيرانية تدخل عامها السادس والثلاثين ومستمرة(..) وهذا الفضل يعود إلى الحرس الثوري الذي أنشئ لحماية الثورة والنظام، وهدفه وواجبه أن يقوم بهذا الدور على كل الجبهات"، وهو ما يعكس مدى الصراع بين مؤسسات الدولة الإيرانية في توجيه السياسة الداخلية والخارجية.
ومن ناحية ثانية، يظل هناك تصور سعودى بأنه لايزال هناك – استنادًا على بعض المؤشرات - دور إيراني ما في إثارة القلاقل الداخلية في السعودية، من خلال تشجيع وتبنى مواقف قوى المعارضة الشيعية، وهو ما قد يؤثر على استقرار الأوضاع في الخليج، وليست مشكلة البحرين بعيدة عن ذلك. كما أن التغلغل الإيراني في منطقة الشرق الأوسط واتساع نطاق تأثيره على العلاقات العربية – العربية، وعلى الملفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والأزمة اللبنانية والأوضاع في العراق، وتمسك طهران بحليفها في سوريا، يمس بصورة ما الدور السعودي في بعض مناطق الإقليم.
يمكن القول إن الاهتمام بفتح قنوات تواصل وحوار بين طهران والرياض، قائم على مصالح عملية لهما، يمكن أن يزيد من احتمالات حدوث تهدئة إقليمية، فى مدى زمنى ما، لكن تظل الإشكالية المرتبطة باستقرار هذه العلاقات قائمة، خاصة فيما يتعلق بقدرة إيران على تطوير أطر تسمح باستدامتها وتقويتها خلال الفترة المقبلة
(*) باحثة بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية.
المصدر : المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية -نشرت في العلاقات الأقليمية