الرئيسة \  تقارير  \  مصداقية الإعلام الغربي في الحضيض: أين الحرب؟

مصداقية الإعلام الغربي في الحضيض: أين الحرب؟

23.02.2022
العرب اللندنية


العرب اللندنية
الثلاثاء 22/2/2022
موسكو- أطلق الكرملين أخيرا تكتيك الكماشة أو الضربة المزدوجة في حرب المعلومات. إذ تتظاهر موسكو بأنها ناضجة ورصينة. وفي الوقت ذاته، يُدخِل الغرب، لاسيما وسائل الإعلام الغربية، نفسه في هستيريا في ما يتعلق بمدى خطورة روسيا وشراستها وفتكها.
ويبث التلفزيون الحكومي الروسي، الذي يُحكِم الكرملين سيطرته عليه نبذة صغيرة عن هوس الغرب بالحرب.
في المقابل وعلى مدى أسابيع امتلأت الصحف والقنوات التلفزيونية الغربية بصور الدبابات والسفن الحربية وأسلحة المدفعية الروسية، وإذا تفحَّصتَ مصادر الصور، فستجد أن وزارة الدفاع الروسية هي مصدر معظم هذه الصور، بحسب تقرير نشرته مجلة “نيولاينز” الأميركية.
وطوال تلك المدة نفى الرئيس الروسي فلادمير بوتين ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نفيا قاطعا أن موسكو ستشن حربا، كما لم يوجِّه الكرملين أي تهديدات أو يصدر أي مطالب تتعلق بأوكرانيا نفسها. وما كان لموسكو أن تتخذ مثل هذا الإجراء، لأن الإعلام الغربي يضطلع بهذه المهمة البليغة التي تتمثَّل في بثِّ حقيقة القوة العسكرية الروسية بدلا من روسيا!
وفي الوقت ذاته، سيطرت النخبة المثقَّفة الغربية على الأعمدة الصحافية لتؤدي دور محامي الدفاع عن موسكو في إعادة فتح باب الجدال والنزاع بشأن نهاية الحرب الباردة وزعموا، بحسب تعبير كاتبي التقرير في المجلة، “أن نشوة انتصار الفائز دفعتنا إلى هذا المستنقع الذي كان يمكن تفاديه في المقام الأول”.
ويشير التقرير إلى ما قاله مؤسس الدولة السوفياتية لينين ذات يوم عن “أغبياء مفيدين” بين اليساريين الغربيين الذين ساعدوا من غير قصد في استيلاء البلاشفة على السلطة. وتعلَّم بوتين الدرس، وهو أن الأعداء ربما كانوا مفيدين جدّا. فيما ظل بوتين غامضا بشأن نواياه، وتحدثت وكالات الاستخبارات والحكومات الغربية عن خطط مفترضة للهجوم بصواريخ تسقط على رأس كييف.
وفي بريطانيا، نشرت صحيفة “ديلي ميل” العنوان الرئيس “48 ساعة قبل اندلاع الحرب”، وقدَّم قسم الغرافيك الماهر في الصحيفة مجموعة من الخرائط المُشار إليها بأسهم حمراء كبيرة توضح طرق الغزو المحتملة للاستراتيجيين الجالسين على كراسيهم في أوساط قرائها. وعلق تقرير مجلة “نيولاينز” ساخرا بات الجميع الآن خبراء استراتيجيين في شؤون الحرب وإلقاء القنابل والخطط الحربية!
وفي ما يخص صحفا عديدة مؤيدة لحزب المحافظين في بريطانيا، كانت الأزمة بمثابة ملهاة مرحَّب بها عمّا يحدث في 10 داونينغ ستريت (مقر رئاسة الوزراء)، حيث يقاتل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أجل مستقبله السياسي. ويقول محرر كبير في إحدى مجلات الفضائح البريطانية “على الأرجح أن الحديث عن الغزو محض هراء.. ولكن بوريس يريدنا أن نتحدث ونتحدث عن ذلك”.
وعلى الجانب الآخر من الطيف السياسي، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية ذات الميول اليسارية تقارير إخبارية تشير إلى أن الحياة تستمر في وضعها المعتاد في كييف، وإبراز شعور مسؤولي الأمن الأوكرانيين بالإحباط والتشكيك إزاء التنبؤات الغربية بالغزو الروسي. غير أن تلك التقارير لم تغيِّر الرسالة التحريرية العامة لدى الصحيفة بأن الحرب باتت شبه مؤكَّدة.
وبذلت الصحافة الأميركية من جانبها ما بوسعها عندما واجهت أزمة في أرض بعيدة لا تفهمها: إذ احتفظت بكل مثقال ذرة من المعلومات الاستخبارية التي تمرِّرها إليها مصادر حكومية مجهولة الهوية بينما تقذف بكبار مراسليها ليتابعوا الأحداث ويترقبوا سقوط السماء فوق رؤوس الناس في كييف. وقد ثبَّتت وكالة أنباء رويترز كاميرا بث مباشر موجَّهة إلى ميدان “إندبندانس سكوير” الشهير في كييف، من المفترض أن تبث لحظة احتلال العاصمة الأوكرانية من قبل روسيا.
وتمتَّعت صحيفة “نيويورك تايمز” بالمهارة الكافية على الأقل للاعتراف بالاستراتيجية الاستباقية التي وضعتها، بالأساس، إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والتي تمثَّلت في الكشف عن المواد التي تحصل عليها بالسرعة ذاتها التي جُمِّعَت بها تقريبا وتمريرها مباشرة إلى مراسلي الأمن القومي الذين ينتشون بهذه الأخبار.
وبعبارة أخرى، يتواصل الصحافيون تواصلا استراتيجيا مع البيت الأبيض، بل ينسبون لأنفسهم الفضل في ما يتصورون أنها إنجازات استثنائية في مجال الاستخبارات المضادة. وأعلنت شبكة “سي.أن.أن”، “حصريا”، أن الجواسيس الروس (وفقا لجواسيس أميركيين) يشعرون بالإحباط الشديد بسبب نشر مخططاتهم التجسُّسية على أوكرانيا، وبذلك أحبطت وسائل إعلام المساعي الروسية!
واعترف مسؤول استخباراتي أوروبي كبير أن واشنطن تستخدم بالفعل “السلطة الرابعة” لتنفيذ سياسة الردع الخاصة بها.
وأفادت تقارير غربية على نطاق واسع أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن، في حفل يوم الوحدة الوطنية، أن السادس عشر من فبراير سيكون موعد الغزو. ولكنَّه لم يصرِّح بذلك. وما فعله زيلينسكي، هذا الكاتب الساخر الذي تحوَّل إلى سياسي، هو أنه استهزأ بالتغطية الغربية المثيرة للحرب مع أن الأمر لا يحتمل ذلك.
وذكر أحد الضباط في جهاز الاستخبارات الأوكراني أن مصدر معلومات زيلينسكي الحقيقي يتمثَّل في “الإعلام الأميركي”.
واتهم ديفيد أراخاميا، رئيس حزب “خادم الشعب” في البرلمان الأوكراني، “سي.أن.أن” و”وول ستريت جورنال” و”وكالة بلومبرغ” بنشر أخبار كاذبة كانت أشد ضررا من أي شيء لفَّقه أهم مناصري روسيا، وكبَّد أوكرانيا ذلك ما يتراوح بين 2 إلى 3 مليارات دولار في الشهر.
وبدأ الصحافيون في الشبكات الإخبارية الأميركية الكبرى يتهامسون، بحسب تقرير مجلة “نيولاينز”، حتى أن أحد المراسلين في إحدى القنوات الإخبارية أعرب عن شكوكه فيما إذا كان غزو روسيا لأوكرانيا وشيكا بالفعل، وتساءل: هل إدارة بايدن تستخدمهم “للقيام بالأعمال القذرة نيابة عنهم”.
ونوَّه التقرير إلى أن صفة الأمانة والدقة في الحكومة والصحافة في الولايات المتحدة في أقل مستوياتها. وأولئك الذين ربما صدَّقوا ذات يوم ما قاله الصحافيون أو أخذوا ما يقوله مراسلو الأخبار على محمل الجد يتعاملون معهم الآن باطراد على أنهم صحافة إثارة أو انتهازيون.
ويرى الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية أنتوني فايولا أن تحذيرات إدارة بايدن من غزو روسي لأوكرانيا “تبدو وكأن قناة الطقس تتبع الإعصار”. وفقاً لفايولا، فإن أحد المطلعين يسمي هذه الاستراتيجية “مكبر الصوت لبايدن”. ويوضح أنه من خلال إظهار جزء على الأقل من أوراقها على الطاولة، يمكن لواشنطن أن تقنع الرأي العام الدولي بالخطر الحقيقي الذي تمثله روسيا، وفقاً للشعار القائل: إذا صرخت بصوت عالٍ وفي كثير من الأحيان، فسيتم الاستماع إليك.
ويشير فايولا أن هذا “الصراخ” لا يتعلق بالشفافية الدبلوماسية، بل بالحسابات السياسية. لكن الأصوات الناقدة التي تعتقد أن بايدن “يبالغ في الأمر تدريجيا” تتعالى. وقال ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية “إنني قلق على مصداقية معلوماتنا الاستخباراتية على المدى البعيد”.
وطوال الوقت كان مذيعو الدولة الروسية في الداخل ومَنْ يمثلونها في الخارج، سواء من المدونات، أو البرامج الإذاعية، أو على يوتيوب، أو شبكة “آر.تي”، أو “سبوتنيك”، سعيدين بهذا الارتباك والتناقض الغربي.