الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مصلحة تركيا ومصالح الغرب

مصلحة تركيا ومصالح الغرب

12.10.2014
د. محمد نور الدين



الشرق القطرية
السبت 11-10-2014
أحرقت عين العرب (كوباني) تركيا من قبل أن يدخل جندي تركي واحد إلى الأراضي السورية. التفرج على سقوط العاصمة الوسطى للأكراد السوريين من جانب تركيا ومن جانب الغرب وخصوصا الولايات المتحدة أمر مثير للخوف مما يرسم لمنطقة الشرق الأوسط ولتركيا بالذات من سيناريوهات ومؤامرات وخطط تجعل تركيا ايضا جزءا من المستنقع الشرق أوسطي الدامي.
تقاعس الغرب وتقاعست تركيا عن نجدة كوباني وبالطبع لكل أسبابه التي لا تصب في مصلحة لا تركيا ولا سوريا ولا العراق ولا العرب ولا الأكراد ولا أي من مكونات هذه المنطقة التي ابتليت في السنوات الأخيرة بحروب أين منها حرب البسوس وحرب داحس والغبراء بل غزوات هولاكو وجنكيز خان وكل انكشاريات الغزاة الخارجيين.
أولا: ليس من جديد القول إن تركيا مصابة منذ وقت طويل برهاب اسمه "الفوبيا الكردية".لقد تعرضت تركيا لأكثر من اشتباك مع سوريا خلال السنوات الأخيرة ومع ذلك لم تهدد بتدخل عسكري مباشر في سوريا إلا في تموز/يوليو 2014 عندما نجح مقاتلو حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم المؤيدون لحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجالان المعتقل في تركيا بالسيطرة على معظم المناطق الكردي في سوريا في مطلع صيف ذلك العام.
وقبل ذلك كانت تركيا تعتبر أن أي ظهور لأي كيان كردي في شمال العراق سوف يكون سببا للحرب. وتعاملت مع زعماء الأكراد مثل جلال الطالباني ومسعود البرزاني على انهم مجرد زعماء عشائر.
وفي الداخل التركي لم تنظر أنقرة منذ أكثر ثلاثة عقود إلى حزب العمال الكردستاني إلا على أنه مجرد تنظيم إرهابي انفصالي لا يمكن التعامل معه إلا بالعنف والقمع متجاهلة أنه يمثل الشريحة العظمى من أكراد تركيا وهو ما تؤكده نتائج الانتخابات البلدية والنيابية حيث كان يحصل المرشحون الموالون لأوجالان وإن بتسميات حزبية أخرى أو كمستقلين ما لا يقل عن ثلثي الأصوات وفي أسوأ الأحوال على أكثر من نصف الناخبين هناك.
ولكن ما الذي جرى؟
في العراق كانت النتيجة أن تركيا بقيت خارج المعادلة العراقية عندما لم تشارك بغزو العراق ونال الأكراد فدرالية أقرب في الممارسة العملية إلى أن تكون دولة مستقلة. وهذا بالطبع أجبر أنقرة بعد تردد إلى التعامل معها بواقعية. ولكن تأثيرات الفدرالية انتشر إلى سوريا وتركيا حيث كان إعلان أكراد سوريا الحكم الذاتي قبل أشهر انعكاسا مباشرا للتجربة الكردية في العراق. أما في تركيا فإن من بين مطالب الأكراد الرئيسية الحكم الذاتي والاعتراف بالهوية الكردية في الدستور والقوانين والتعلم باللغة الأم وما إلى ذلك. غير أن الحكومات التركية المتعاقبة من العسكريين والعلمانيين والاسلاميين رفضوا هذه المطالب لأنهم يتخوفون من تكرار التجربة العراقية علما أن عدد أكراد تركيا يعادل ضعف أكراد العراق على الأقل.
وانطلاقا من هذه المقاربة التركية جاء صالح مسلم إلى تركيا قبل أيام وأبلغه مسؤولو الاستخبارات ان تركيا مستعدة لمنع سقوط كوباني إذا تخلوا عن إعلان الحكم الذاتي. وبالطبع رفض مسلم الشرط التركي لأن هذا يدخل في باب حق تقرير المصير للأكراد في سوريا التي ليست جزءا من تركيا. وكانت النتيجة ترك كوباني لمصيرها الآيل الى السقوط. لكن حتى قبل أن تسقط كوباني كان عشرات القتلى يسقطون في شوارع المدن التركية ولا سيما في المناطق الكردية احتجاجا على امكانية سقوط كوباني. ولم تتردد نائبة كردية في البرلمان التركي قبل ذلك من رشق الجنود الأتراك الحجارة على المنطقة المقابلة لمدينة كوباني في مشهد يختصر العلاقة المتوترة بين الأتراك والأكراد. تركيا تدفع ثمن "الفوبيا الكردية" التي تتملكها حتى قبل سقوط كوباني. وهو ثمن لن يتوقف هنا اذ الآمال التي علقت على عملية المفاوضات بين الدولة التركية وأوجالان لحل المشكلة الكردية قد تلقت ضربة قاضية قد يعقبها استئناف العمل المسلح من جانب الأكراد على قاعدة ان لا فائدة من تضييع الوقت مع حكومة أحمد داود اوغلو إذ أنه إذا كانت انقرة تعارض الحكم الذاتي لأكراد سوريا فكيف يمكن لها ان تقبل مثل هذا الحكم في الداخل التركي وبالتالي فإن المفاوضات محكومة بالفشل وهي عمليا باتت من الماضي.
ثانيا: أما مسؤولية أمريكا تحديدا فهي أنها تلعب بالجميع من عرب وأتراك وأكراد. فالهم الأمريكي الأساسي لها ولإسرائيل هي الإمعان في إحداث أسباب الفرقة والفتنة بين مكونات هذا الشرق الأوسط ليواصلوا سيطرتهم على أمة متنازعة ومفككة يذبح فيها الأخ أخاه وتدمر المدن والقرى والبنى التحتية كرمى لأمن إسرائيل ومصالح شركات النفط والسلاح الغربية ولاحقا شركات إعادة الإعمار في عملية احتلال اقتصادية وسياسية وحتى عسكرية غير مسبوقة. ومن أجل ذلك لا بأس أن تسقط كوباني لينتقل الدم في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا وتونس والجزائر والبحرين إلى تركيا. وبين الفوبيا الكردية غير المبررة لدى أنقرة وبين مؤامرات الغرب وإسرائيل تنزلق تركيا خطوة خطوة إلى المستنقع الدموي في الشرق الأوسط.