الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مطاردة الأسد قضائياً

مطاردة الأسد قضائياً

21.06.2016
د. خالص جلبي


الاتحاد
الاثنين 20-6-2016
هل تجوز مقاضاة الأسد؟ أجاب البروفسور "ديفيد كرين" من جامعة مدينة سيراكوزة من دون أي انفعال، نعم، ولكن ضمن ظروف محددة. ديفيد كرين ليس شخصية نكرة، بل شغل منصب المدعي العام في الأمم المتحدة، وهو الآن بروفسور يدرس الحقوق في جامعة "سيراكوزة" في ولاية نيويورك، ومتقاعد في كارولينا الشمالية يتمشى في جبال العنب، ويعنى بحفيده، ويطير إلى جامعة "سيراكوزة" مرة في الأسبوع ليدرس هناك يومين. مكتبه ليس فخماً، ولكن ليس من أحد لا يعرفه حتى النادل والسائق، فهو صائد المجرمين.
فلسفة "كرين" تقوم على أساس قانوني حقوقي، فهو لا ينظر إلى بشار الأسد على أنه "غول بشع، ولكنها حالة خاصة يجب أن يحكم فيها القضاء، فالموضوع ليس انتقاماً من مجرم يقتل في مكان مهمل، بل حاكم يقتل شعباً طالب بالحرية والتخلص من الديكتاتورية".
مدينة "سيراكوزة" التي يدرس فيها "كرين" تبعد بالطريق السريع أربع ساعات إلى الشمال الغربي من مدينة نيويورك، في حزام صناعي، وتتمتع بسمعة طيبة في مجال الحقوق، والمهم فإن هذا الرجل تبنى الدفاع عن القضية السورية ومطاردة الذئاب القاتلة في الغابة السورية الموحشة؟
أذكر جيداً أن أختاً مغربية سألتني عن الوضع في سوريا؟ أجبتها: هل تريدين إجابة موسعة أم مختصرة؟ قالت بل المقتضبة. قلت سوريا تختصر بثلاث كلمات: أسد وغابة وعصابة.
من جامعة "سيراكوزة"، وُلد مشروع خطير يكبر كل يوم، يشرف عليه الحقوقي (كرين) مع مجموعة متميزة من تلامذته، أخذ اسم مشروع المحاسبة السورية (Syrian Accountability Project).
شخصية الرجل هادئة بملابس متواضعة ومكتب متواضع في الطابق الثالث من جامعة سيراكوزة من دون أي ملامح فخامة كما في مكاتبنا العربية، ولكنه حين يتكلم كمحام صارم يلتمع وهاجاً.
الرجل له سجل في صيد مجرمي الحرب مثل "تشارلز تايلور" ديكتاتور ليبيريا، المسؤول عن مقتل مائة ألف أو يزيدون، و"تايلور" يصلح أن يكون تلميذاً متواضعاً في مدرسة نظام الأسد التي بلغ عدد قتلاها من السوريين حتى كتابة هذه الأسطر 470 ألفاً، يضاف لهم مليونين من معطوب ومشلول ومبتور.
كلف كرين عام 2002 م دولياً بالتوجه إلى سيراليون ليترأس محكمة خاصة في مدينة "فريتاون"، وكان ذلك شرفاً له ليخرج بحكم يستحقه المجرم "تايلور"، ولكنه لم يطبق، وتمت ملاحقته حتى تم إلقاء القبض عليه عام 2012م بعد تسع سنين، هو حالياً يقبع في سجون لندن.
ومن أعجب ما يذكر الرجل عن أميركا أنه يحق له أن يفخر بها حين حررت أوروبا من النازية، أما اليوم أمام القضية السورية وجرائم الأسد فهو يشعر بالعار، خاصة في انسحاب أميركا من الدخول في محكمة الجنايات الدولية.
الشباب العاكفون على مشروع المحاسبة والمساءلة السورية (SAP) مثل موللي وايت من مشيجان، ومدير المشروع الشاب ذو 29 عاماً "بيتر ليفرانت" يفعلون ما يذكر بمحاكم نورمبيرج لمجرمي الحرب من النازيين عام 1946م يجمعون المعلومات من كل حدب وصوب، يتفحصون تقارير شهود العيان، يقارنون منابع المعلومات، ولهم صلاتهم القوية بجمعيات حقوق الإنسان على قوس الكرة الأرضية، يتوغلون في التقارير الحكومية، تقارير الصحافة، على شكل عمل متكامل شامل لا يترك مجالاً لأي ثغرة وعلى مدار الساعة باليوم والاسم والقرية والمدينة، وماذا جرى بما لم يفعله، لا المجلس الوطني السوري ولا الائتلاف أو هكذا أزعم. لقد حصدوا حتى الآن 17 ألف صفحة من التقارير والمشاهدات، ويضعون كتاباً كاملاً عن الحرب وما يحدث كل يوم.
وُلد هذا المشروع على مستوى العالم في مادة غنية لعمق الجريمة ووحشية الأنظمة وقسوة الإنسان وحجم الفظاعات. وهم يرفعون أولاً بأول تقاريرهم الموثقة إلى الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية.
تقول "موللي وايت" إنها كانت منذ نعومة أظفارها مسكونة بهاجس القاتلين الجماعيين ومدى هشاشة الحضارة أمام هذا النوع من المخلوقات البائسة، فكيف إذا كانت آلة الرعب بيد حاكم وعصابة في غابة عالمية.