الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معارك "داعش"... وصراعات "القاعدة"

معارك "داعش"... وصراعات "القاعدة"

16.01.2014
د. وحيد عبد المجيد


الاتحاد
الاربعاء 15/1/2014
سيبقى تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف باسم "داعش" رقماً مهماً في المشهد المضطرب في المنطقة، رغم الخسائر التي لحقت به نتيجة اتجاهه إلى توسيع نطاق المعارك التي انخرط فيها خلال الأسابيع الأخيرة. فقد حاول "داعش" السيطرة على مناطق حيوية لجماعات وقوى مسلحة أخرى في شمال سوريا وشرقها، ومازال منخرطا في عدة معارك ضارية لهذا الغرض في وقت واحد. وتزامن ذلك مع شن قوات الأمن العراقية حملات كبيرة على معاقل أساسية لهذا التنظيم في محافظة الأنبار في ظل الاضطراب الذي أعقب فض مخيم اعتصام الرمادي بالقوة.
غير أن الخسائر التي تكبدها في هذه المعارك وتلك لا تصل إلى المستوى الذي يهدد حضوره المؤثر بعد أن تنامت قوته خلال السنوات الأخيرة وتمدد إقليمياً على نحو رفع سقف طموحاته إلى الحد الذي جعل أميره أبو بكر البغدادي أول قائد لأحد فروع "القاعدة" يتحدى علناً زعيمها أيمن الظواهري. وقد فتح هذا التحدي الباب أمام صراعات غير مسبوقة داخل "القاعدة". فما "داعش" إلا امتداد لجماعة "التوحيد والجهاد" التي أُنشئت في العراق عام 2003 بُعيد الغزو الأميركي، ثم أعلن مؤسسها أبو مصعب الزرقاوي ولاءها رسمياً لزعيم "القاعدة" السابق بن لادن عام 2004 وتغيير اسمها إلى "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين". وسرعان ما تنامى هذا التنظيم حتى أصبح أكبر فروع "القاعدة" وأكثرها عُنفاً.
وقاد أبو بكر البغدادي، الذي خلف الزرقاوي عقب مقتله على أيدي القوات الأميركية عام 2006، التنظيم في اتجاه أكثر عنفاً ترتب عليه ازدياد حدة التناقض مع العشائر السُنية في المناطق التي سيطر عليها وأعلنها "دولة إسلامية"، بينما غيّر اسم تنظيمه إلى "الدولة الإسلامية في العراق". ونجح إلى حد كبير في استغلال تجاوزات القوات الأميركية قبل انسحابها واستثمار السياسات الطائفية للحكومة العراقية. وما أن بدأت الانتفاضة السورية في التحول إلى ما يشبه حرباً أهلية، حتى تدخل فيها. وكانت الحدود العراقية السورية الطويلة نقطة ارتكاز قوية انطلق منها للانخراط في هذه الحرب، متجاهلا وجود فرع آخر لتنظيم "القاعدة" في سوريا وهو "جبهة النصرة لأهل الشام". وعندما فوجئ البغدادي بأن لهذا الفرع وجوداً يُعتد به، سعى إلى دمجه. لكنه وجد الطريق إلى هذا الدمج صعباً، فحاول القفز على الواقع في أبريل الماضي عبر تنصيب نفسه مسؤولاً عن "القاعدة" في سوريا إلى جانب العراق وتغيير اسم تنظيمه ليصبح "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، رغم اعتراض الظواهري علناً وإصراره على الفصل بين فرعي "القاعدة" في العراق وسوريا.
غير أن سلوك "داعش" في الأسابيع الأخيرة أظهر أن تمرده على القيادة العامة لتنظيم "القاعدة" لا يعود إلى طموح البغدادي والمحيطين به فقط، بل يرتبط أيضاً بمنهج يقوم على المفاضلة وضرورة تمايز الصفوف بأية وسيلة حتى إذا لم يكن من سبيل إلى ذلك إلا مقاتلة من يُفترض أنهم في المعسكر نفسه. لذلك لم يتردد "داعش" في مواجهة تنظيمات سورية ترتبط مثله بـ"القاعدة" ضمن المعارك التي خاضها ضد القوى الأخرى. فقد امتدت معاركه الأخيرة إلى تنظيمات "قاعدية" محلية صغيرة مثل "جند الأقصى" و"كتيبة صقور الغد" و"فرسان الصحابة"، رغم أنه لم يدخل في حرب مباشرة ضد "جبهة النصرة" حتى الآن. وقد لخص المتحدث الإعلامي باسم "داعش"، أبو محمد العدناني، منهج تنظيمه في خوض هذه المعارك عبر تسجيل صوتي تحت عنوان "لك الله أيتها الدولة المظلومة"، بقوله إن "الصفوف لابد أن تتمايز، وهي لن تتمايز إلا بالفتن"، مبرراً ذلك بأن كل من يختلف مع تنظيمه "لا يخرج في سبيل الله أو لنصرة المستضعفين، بل عميل للأميركيين أو من شبيحة النظام وأنصاره، أو من ضعاف النفوس والجهلة والمنحرفين ممن يسهل التغرير بهم". وينبئ هذا المنهج بتصاعد متوقع للصراعات التي أطلقها "داعش" بين قوى تنتمي لـ"القاعدة" أو ترتبط بها.
ولم تعد هذه الحرب مستبعدة بعد أن صار سلوك "داعش" مستفزاً لبعض قادة "جبهة النصرة" الذين جهروا باستيائهم منه حين اشتدت المعارك التي أشعلها أخيراً ضد "الجيش الحر" و"الجبهة الإسلامية".
ويُعد عطية الله العكيدي (نائب المفتي العام) وأبو حسن الكويتي وسلطان العطوي، أبرز قادة "جبهة النصرة" الذين حملّوا "داعش" المسؤولية عن هذه المعارك وأعلنوا رفضهم تقديم أي دعم له على خلفية الانتماء المشترك لـ"القاعدة". كما يتهم هؤلاء "داعش" بالوقوف وراء خطف أمير "جبهة النصرة" في بلدة الرقة أبو سعد الحضرمي.
غير أنه نظراً لوجود تيار آخر داخل هذه الجبهة يرى أن التضامن مع "داعش" واجب يفرضه الانتماء المشترك، تحرص قيادتها على اتخاذ موقف حذر ينحو إلى التوازن سعياً إلى تجنب حدوث انقسام على الأرجح وليس اقتناعاً بالحياد. فهناك ما يدل على أن استياء زعيمها الجولاني من قفز "داعش" على الوضع في سوريا يزداد. فعندما طرح مبادرته لوقف القتال بين "داعش" والقوى الأخرى، ضمن التسجيل الصوتي الذي بثه في 7 يناير الجاري تحت عنوان "الله الله في ساحة الشام"، قال إن سياسة "داعش" الخاطئة هي التي أجّجت الصراع وقادت إلى ذلك القتال. كما يلفت الانتباه تأكيد الجولاني أن هذا القتال يعتبر فتنة، وكأنه يحث أعضاء جبهته الذين يدعمون "داعش" على التراجع لأن الموقف الشرعي تجاه أية فتنة هو اعتزالها وليس الانخراط فيها.
وهكذا تتوسع الفجوة يوماً بعد يوم بين اثنين من أكبر فروع "القاعدة" على نحو يفرض التساؤل عن إمكان وقوع صدام مسلح بينهما في ضوء إصرار قيادة "داعش" على منهجها الذي ترفضه قيادة "النصرة" وازدياد الخلافات التي لم يكن آخرها الخلاف بشأن تنفيذ عمليات ضد "حزب الله" في لبنان. فقد رفضت قيادة "جبهة النصرة" موقف قيادة "داعش" الذي اتجه إلى نقل الصراع على سوريا إلى لبنان.
وإذا كانت قيادتا "داعش" و "النصرة" تجنبتا الصدام المسلح حتى الآن، فربما يصعب تفادي هذا الصدام إذا وصل الصراع بينهما إلى المساحة التي تمثل خطاً أحمر وهي تلك المتعلقة بالمقاتلين الأجانب في صفوف كل منهما.
وإذا صح أن الرسالة التي وجهها الجولاني إلى هؤلاء المهاجرين مؤخراً حين قال لهم إن "مضافات الجبهة بيوت آمنة لهم"، تهدف إلى جذب المنتمين منهم إلى "داعش"، فستصبح الحرب بين فرعي "القاعدة" مرجحة وربما مؤكدة. وحينئذ سيكون السؤال عن مستقبل تنظيم "القاعدة" مطروحاً في سياق جديد لا سابق له منذ تأسيسه.