الرئيسة \  مشاركات  \  معاشر المثقفين

معاشر المثقفين

19.10.2013
د. محمد دامس كيلاني




مافتئت و كما كانت الثقافة العربية الحية تلعب دورا مهما و كبيرا في احداث التغيرات الاجتماعية المرغوبة من أبناء المجتمع , وذلك باعتبارها رافعة هامة من روافع النهوض العربي على شكل قد يفوق في أغلب الأحايين العوامل السياسية و الاقتصادية أيضا , وذلك بناء على ماتتمتع به الأمة العربية من رأس مال ثقافي ضخم , و الذي تكون عبر تاريخها الطويل , و الذي تمثلت ذروته بعناق و تمازج المثل العربية و المبادىء الاسلامية باتمام مكارم الأخلاق مفرزة لنا الثقافة العربية الاسلامية وهي التي تحفظ و تحافظ على التماسك الاجتماعي و تضبطه , و التي هي شرط جوهري من شروط وجودنا و كينونتنا كأمة .
التجدد الحضاري و بكونه أحد عناصر المشروع النهضوي العربي كان لابد من المواءمة بين الأصالة و المعاصرة ( تحديث الأصالة , و تأصيل الحداثة ) , باعتبار أن التوتر الخلاق بينهما هو من يصنع الثقافة القومية الحية , و يوفر القيم و المفاهيم المساعدة على التغيير الفكري و العلمي و السياسي و التكنولوجي .
لاتستطيع الثقافة ايصال رسالتها الوطنية بالشكل المطلوب , طالما أن الأنظمة الشمولية ( التوليتارية ) تطبق على كافة نشاطات أفراد الشعب و تحدد لهم فكرهم و ثقافتهم , وسياستهم , و اقتصادهم , واعلامهم , و سفرهم و مأكلهم و مشربهم و جزاءهم و ثوابهم , و تصادر كافة الحقوق بحجة تقوية الدولة التي تمثل الأمة .
السؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا / لمصلحة من تداس الحقوق و تخنق الشعوب ؟
 النظام الشمولي بسياسته تلك لايستطيع توفير الأساس الذي قامت عليه الأمة في العصر الحديث , من حيث أنهم مجموعة من الأفراد الأحرار المتفقين فيما بينهم على تشكيل جماعة قومية بارادة مشتركة للعيش معا ( عقد اجتماعي ) , ولكن الاستبداد ذرر اجتماعهم الأهلي و المدني و حولهم الى قطعان بشرية تخلت عن حرياتها لمن يحميها أو يطعمها , وهو مايمثل ( عدوانا يوميا داخليا ) .
ان تعريف المثقف منوط بانتاجه الخاص ربطا بين مفهومه و تأهيله العلمي لنجد (( المثقف التقني : / الخبير / وهو الذي يحدد نمط انتاجه الذهني بمهنته العلميه أو باختصاصه المحدد و يعيش ضمن عزلته ( غيتو الاختصاص ) و هو أمي المعرفة و معقم سياسيا ولايهتم بالشأن العام)) , و نجد ايضا (( المثقف الرسولي )) وهو القائم على الربط بين ( المثقف) و ( الرسالة ) ولديه غرام بالحكايات الكبرى ( القلاع الايديولوجية ) , ولدينا كذلك المثقف الانتلجنسوري وهو الكلي و الذي يعلن أفكارا ذات قيمة سياسية أو مدنية أو اجتماعية و يجافع عنها و يدعو لمعارضة الواقع و تغييره تغييرا جذريا منطلقا من مصالح الشعب وليس من المصالح الفئوية الضيقة ولايشترط الدخول تحت عنوانه المكانة الاجتماعية أو الثروة أو التأهيل العلمي بل هو العنوان المفتوح لكل من يرغب أن يشكل الحياة بشكل ( الوعي النقدي ) .
أتجرأ هنا على كافة الأخوات و الأخوة المثقفين أن نذهب معا الى محاولات أذكر بعضها من باب النصيحة و هي أن نتوقف عن استدعاء سلبيات الآخرين ( المهاترات ) و أن نتوقف عن استخدام العنف اللفظي ( الرمزي ) وأن نكف عن نقد النقد فلنعلن ( هدنة مهنية ) فيما بيننا , ولنتبع اسلوب البحث العلمي ( المعرفي ) في متابعاتنا و كشفنا للتحديات التي تواجه المجتمع , والابتعاد عن الأسلوب الدعوي التجييشي ( السوقي ) والذي في بداياته و نهاياته لايغني ولايسمن من جوع .
ان العلاقة بين السياسي و المثقف في ظل أنظمة الاستبداد , تبقى دائما عرضة للاهتزاز و السقوط و فقدان الثقة , وذلك من خلال محاولة السياسي التضييق على المثقف ومصادرة رأيه و تحويله الى مجرد ( مثقف – موظف ) , بل و ممارسة العدوان الدائم على القطاع الثقافي برمته من خلال تقييد حرية الرأي و التعبير , وقيام السياسي بتحويل التناقضات الأساسية المكتشفة من قبل المثقف الى تناقضات ثانوية , أو بالعكس , سعيا وراء خلط الأوراق , ومن المعلوم أن العمل السياسي له منطقه و مستلزماته و آلياته ومبادؤه التي ينسند اليها و آدابه و مرجعياته من خلال مقاربته الواقع بالطريقة التجربية و اليومية , في الوقت الذي يتجه اليه العمل الثقافي الى تركيب عناصر المشروع الوطني ذا الأفق الاستراتيجي , و البحث عن الحلول التي تعترض سبيل التقدم الوطني, وفي كل الأحوال لايمكن لمثقف أن يكون بديلا عن السياسي , أو العكس , لذا كان من الضروري البحث عن معادلة جديدة للعلاقة بينهما تقوم على الاعتماد المتبادل و الشركة الاستراتيجية بين الثقافة و السياسة لقراءة الواقع الاجتماعي بصورة صحيحة , والبحث عن الاجابات الشافية لكافة الأسئلة التي يطرحها المجتمع .
وأخيرا / ان العمل السياسي لايثمر دون قوام ثقافي , و العمل الثقافي لاينتج دون عمل سياسي ميداني تجريبي , خاصة وأن الوعي السياسي لايتأتى دون وعي ثقافي , باعتبار أن الثقافة هي البنية التحتية للسياسة .
ان السلطات المستبدة التي امتلكت زمام الأمور لحقبة من الزمن و مازال بعضها في البلدان العربية قامت باجهاض كافة التجارب الديمقراطية الوليدة ( الجنينية ) و بشكل كامل و ألغت الحريات تحت ذرائع شتى , وحاربت المثقفين باعتبارهم فرسان التحرر الوطني و المؤسسون لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية , مما أفضى الى أنواع عديدة و جديدة من المثقفين ..... ( المثقف المراوغ ) و ( المثقف المقاول – الخبير ) و ( المثقف الاجتراري ) و ( المثقف الناري ) و ( المثقف الأكاديمي )  ( المثقف البيروقراطي – الحارس ) و ( المثقف الميليشوي ) و ( المثقف الكوني ) و ( المثقف الانتحاري ) و ( المثقف الرسولي ) و ( مثقف كل العصور ) .
ان دفاع المثقفين عن الديمقراطية الحقيقية و ليس المزيفة و توسع هامش الحريات , هو في الوقت نفسه دفاع عن وجودهم و استقلالهم الثقافيين ( حرية الرأي و التعبير ) واننا نلمس أن الحالة الوطنية الراهنة لغالبية دولنا العربية قد باتت بأمس الحاجة الى المثقف الاجتماعي – النقدي , المرتفع بالممارسة الى مستوى الحاجات التاريخية الكبرى , والذي يمارس ( القوة الناعمة ) النقدية على جميع مطلقات الفكر و الممارسة ( باعتبار النقد أساس التقدم لمن فهمه أصلا ) وهو المنتصر للحرية و أخواتها .
لعلي اصل الى رؤية أن مهمة الفكر – القافة هي : رفض الواقع و كسر حدته و السيطرة عليه .
فلنكن مع أهلينا