الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معاناة السوريين... وصمة في جبين العالم

معاناة السوريين... وصمة في جبين العالم

31.10.2013
سامر العطار



الاتحاد
الاربعاء 30/10/2013
الجراحة من دون تخدير هي واقع بائس ووحشي في سوريا. يذكر الأطباء أن تدمير المستشفيات والحصار الإنساني قد خلف بعض السوريين في معاناة، حيث تجرى لهم عمليات بتر وعمليات قيصرية من دون تخدير. لقد رأيت فظائع مماثلة عندما كنت أعمل في شهر أغسطس بأحد المستشفيات الميدانية بشمال سوريا تحت وابل من الغارات السورية. وأجريت جراحات لأطفال وقد غرست بعض شظايا العظم المتطايرة من أجساد بعض المارة المصابين في بشرتهم. ورأيت أطفالاً قتلوا برصاص القناصة وسط أحزان آبائهم، ومدنيين بطونهم مفتوحة بسبب القصف، ويتوسلون للأطباء لمساعدتهم. كان بعضهم محظوظاً لأنهم نجوا من جروح شظايا أدت إلى الإصابة بغرغرينة تطلبت عمليات بتر. وقبل مغادرتي بيوم واحد طلب مني طفل بترت ساقاه المسحوقتان أن أحضر له أطرافاً صناعية إذا عدت مرة أخرى.
وفي كثير من المستشفيات المحاصرة كانت الهواتف الخلوية تستخدم لإضاءة غرف العمليات الكائنة تحت الأرض عند انقطاع التيار الكهربائي. في سوريا، تكون الخطوط الأمامية (الجبهات) في كل مكان. كما أن العديد من المسلحين لا يحترمون الحياد الطبي. ومثلما هو الحال في المستشفيات المؤقتة، كان المستشفى الذي عملت به لا يظهر شعارات الهلال الأحمر حتى لا يتم اكتشافه وتدميره. وقد نجا حتى الآن بفضل الحظ والشجاعة والكرم.
وبينما يتراجع الاهتمام الدولي بسوريا، لا تزال كل هذه الأهوال تحدث. وبعض الاحتياجات الأساسية مثل التغذية والتطعيمات والرعاية أثناء الولادة لا تلقى الرعاية الكافية - ناهيك عن إصابات الحرب. وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية في شهر أبريل أن 57 بالمئة من المستشفيات العامة بسوريا قد تضررت أو هدمت. كما نقص الإنتاج المحلي من الأدوية بنسبة 90 بالمئة، وبقي 36 طبيباً فقط في حلب، مقارنة بحوالي 5000 طبيب قبل بدء الصراع.
وأشار تقرير صدر في شهر سبتمبر تحت عنوان "الاعتداء على الرعاية الطبية في سوريا"، وثقت الأمم المتحدة كيف تم تدمير المستشفيات تدميراً ممنهجاً، إلى جانب استهداف سيارات الإسعاف، وتعذيب المرضى وإعدام المسعفين. كما تعرض متطوعو الهلال الأحمر للهجوم أثناء قيامهم بتوزيع إمدادات الإغاثة، بينما لقي 20 متطوعاً على الأقل مصرعهم أثناء مساعدة الآخرين. وفي رسالة مفتوحة نشرت في مجلة "لانسيت الطبية" الشهر الماضي، وصف أكثر من 50 طبيباً بارزاً من جميع أنحاء العالم هذه الحالات الظروف المرعبة وتوسلوا قائلين: "دعونا نعالج المرضى في سوريا". وبالمثل، طالبت منظمة "أطباء بلا حدود" مراراً وتكراراً ببذل الجهود الدبلوماسية التي تهدف إلى تقديم مساعدات عاجلة للشعب السوري" و"رفع الحصار الإنساني". كما دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى "الوصول الكامل إلى كافة المناطق في الدولة".
وعلى الرغم من ذلك، لا تزال الحكومة السورية تفرض قيوداً على الدخول إلى المناطق الحرجة، وترفض المساعدة عبر الحدود وتحتكر توزيع المساعدات من خلال دمشق. كما يحيط الجيش السوري بضواحي دمشق، حيث تم استخدام الأسلحة الكيماوية في شهر أغسطس، ولا يتم توصيل الغذاء أو الدواء. كما تنكر الحكومة الضلوع في أي هجوم بالأسلحة الكيماوية، ولكن كيف يمكنها الدفاع عن نفسها بسبب ترك الضحايا يتضورون جوعاً؟ ومن ناحية أخرى، تهدد الفصائل المسلحة العمل الإنساني. وقد قتل محمد الأبيض، طبيب يبلغ من العمر 28 عاماً ويعمل لدى منظمة أطباء بلا حدود على يد متطرفين الشهر الماضي. كما تم اختطاف سبعة أفراد من عمال الصليب الأحمر والهلال الأحمر منذ أسبوعين في شمال سوريا.
وقد أصدر مجلس الأمن الدولي مؤخراً بياناً غير ملزم يحث كافة الأطراف المسلحة على وقف استهداف المدنيين والسماح الفوري لدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق. إن بياناً غير ملزم لا يكون بثقل قرار ملزم من قبل مجلس الأمن حول الأسلحة الكيماوية، لذلك فليس من المستغرب أن الهجمات على المدنيين والمدارس والمستشفيات والمخابز لا تزال متواصلة – حتى في وجود مفتشي الأسلحة الكيماوية.
وعلاوة على ذلك، من غير المنطقي أن يكون الوصول إلى مناطق الصراع المحاصرة حيث يتضور الناس جوعاً ويموتون مسموحاً به للمفتشين وليس للمساعدات الإنسانية. كما أنه من غير المعقول أن ترفع الحكومة السورية العراقيل الطبية بالنسبة لموظفي الأسلحة الكيماوية لكنها تفرض وتكثف هذه العراقيل بالنسبة لجماعات الإغاثة. إنه، على حد قول كريستوفر ستوكس، المدير العام لمنظمة أطباء بلا حدود، "وضع عبثي". إن وجود بعثة لتدمير الأسلحة الكيماوية في سوريا أمر طيب، غير أننا لا يجب أن ننسى الجرائم البشعة التي ارتكبت بوسائل أخرى والمعاناة الإنسانية المستمرة.
يحتاج التركيز الدبلوماسي إلى العودة إلى هذه المعاناة. فالجهود الدبلوماسية تفشل في سوريا لأن الدخول إلى أولئك الذين في أمس الحاجة إلى المساعدة مهدد، ومقيد وممنوع. إن بياناً يحث على إعطاء أولوية للجهود الإنسانية ليس كافياً.
يجب على المجتمع الدولي التعاون لدعم وحماية الدخول الفوري للمساعدات الإنسانية إلى سوريا. إن نفس العزم والإلحاح الذي صاغ بسرعة جهداً للقضاء على الأسلحة الكيماوية يجب أن يوجه لهذا الغرض. لن يتمكن الكثير من الناس على النجاة من فصل الشتاء في انتظار محادثات سلام أو حلول سياسية مقترحة.
من جانبه، وصف رئيس المفوضية الأوروبية "خوزيه مانويل باروسو" معاناة ملايين السوريين الذين وقعوا فريسة الصراع الدائر في بلادهم بأنها "وصمة" في ضمير العالم. وقال "باروسو للصحفيين عقب محادثات أجراها مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر "إن ألم ومعاناة السوريين تجاوزا ما يمكن أن يسمح به. إنهما وصمة في ضمير العالم". وتتزامن تصريحات "باروسو" مع وعد قطعته المفوضية الأوروبية بدفع 85 مليون يورو مساعدة إنسانية للمتضررين من الصراع في سوريا. وهذا المبلغ جزء من 400 مليون "يورو"، تعهدت أوروبا بدفعها عقب مناشدة الأمم المتحدة التي توجهت بها إلى دول العالم في شهر يونيو الماضي. ويعتمد الآن نحو 6.8 مليون سوري على المساعدات الإنسانية. ويمثل الأطفال نصف هذا العدد.