الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معركة الإعداد لـ " جنيف ـ2" تبلغ ذروتها

معركة الإعداد لـ " جنيف ـ2" تبلغ ذروتها

02.11.2013
د. نقولا زيدان


المستقبل
الجمعة 1/11/2013
لقد أصبح إذاً جلياً وواضحاً انه بقدر ما نقترب من الاستحقاق الدولي المتمثل بعقد مؤتمر جنيف2 الذي يرعاه القطبان الأميركي والروسي بعد اتفاق كيري لافروف الأخير، بقدر ما تشتد الظروف المعرقلة التي تجعل انعقاده في مهب الريح. فالإدارة الأميركية بالرغم من انهماكها العميق في أزمة التنصت على رؤساء الاتحاد الأوروبي، هذه الأزمة التي انعكست إرباكاً شديداً على صدقية الرئيس أوباما في علاقاته مع حلفائه الأوروبيين، فهي تمارس ضغوطاً شديدة على المعارضة السورية لحملها على الموافقة على حضورها المؤتمر. وفي المقابل فإنّ موسكو التي اعتبرت رفض عدد مهم من الفصائل السورية المسلحة المعارضة حضور المؤتمر موقفاً معيباً ومشيناً، فهي ما زالت تعتبر حضور إيران فيه ضرورياً لنجاحه. هذا في الوقت الذي تُجمع فيه المعارضة السورية على رفض حضورها، نظراً لأن طهران طرف رئيسي متورط في الحرب السورية، سواء كان ذلك مباشرة عن طريق مشاركة الحرس الثوري الايراني في المعارك، أو متمثلة أيضاً بـ"حزب الله" اللبناني.
مَن يمعن النظر جيداً في حقيقة مواقف بشار الاسد يدرك تماماً انه في قرارة نفسه غير راغب بتاتاً في انعقاده. ذلك أنه يعلم ان شروط نجاح هذا المؤتمر تتمحور حول مسألة مركزية لا مهرب منها عاجلاً أو آجلاً، ألا وهي وجوب تنحيه عن السلطة. إذ من دون هذا الشرط يستحيل وصول المؤتمر إلى تسوية سياسية مقبولة وعادلة. وقد سعى الاسد جهده لوضع كل العراقيل المتوفرة لديه لنسفه قبل انعقاده، فهو الذي صرح انه مزمع ترشيح نفسه لولاية جديدة في صيف 2014، وهو الذي عمد إلى تنحية نائب رئيس الحكومة قدري جميل بصورة ملتبسة، قدري جميل القريب جداً من الرؤية الروسية للحل، والذي لطالما أسبغ على نفسه صفة المعارضة الإصلاحية في الداخل السوري. لا بل عمد حاكم دمشق إلى توجيه انذار إلى الأخضر الابراهيمي بوجوب حفاظه على حياديته، وذلك قبل هبوطه في مطار دمشق عائداً من طهران. إذاً فقد أصبح، بالرغم من تصريحات وليد المعلم المؤيدة لجنيف2، من المؤكد أن الأسد يعارض ضمناً عقد المؤتمر ما دام يعتبر نفسه الخاسر الأكبر فيه.
لقد أثار ما فيه الكفاية من ردود الفعل الساخطة لتصريحاته الماجنة، إذ ثمة إجماع الآن انه يريد استمرار الحرب ويرى أن لا مصلحة لديه في أية تسوية يدفع فيها هو ثمن السلام. ضمن هذا المناخ علينا أن ندرك ان حلفاءه الروس أنفسهم قد أثيرت حفيظتهم فاستدعوا قدري جميل فجأة عبر مطار بيروت إلى موسكو للتشاور، لأن مواقف الأسد هذه تعطل إنجاز الصفقة الروسية الأميركية التي يحتل نجاح جنيف2 موقع القلب فيها.
يحاول الاخضر الابراهيمي بدهائه وبكل الوسائل الديبلوماسية المتاحة إنجاح عقد المؤتمر، ويعلق المجتمع الدولي آمالاً كبيرة عليه في هذا المجال، لأن ثمة واقعية براغماتية سياسية مكيافيلية في مواقفه وتصريحاته. فتراه يطلق تصريحاً ثم يعود عنه بعد ساعات، ذلك أن عينه تراقب عن كثب مواقف المعارضة السورية المحرجة إلى حد كبير حيال الفرص الضئيلة المتاحة لها. فعندما يصرّح الابراهيمي بأن للأسد دوراً مهماً وفاعلاً في مرحلة ما بعد جنيف2 وبالأخص بشأن تشكيل الحكومة الانتقالية العتيدة، فإن ذلك يوحي عملياً انه يوافق على عدم تنحي الاسد او على الأقل قبول استمراره مشرفاً على العملية الانتقالية المرجوة، إلا انه ما أن تصله ردود الفعل الساخطة من المعارضة السورية وجامعة الدول العربية لا يلبث أن يتنكر لها عن طريق الادعاء أن ثمة أخطاء في ترجمة تصريحه هذا. خاصة ان تصريحات الابراهيمي حول دور ما للأسد في مرحلة ما بعد جنيف2 تتساوق وتتزامن مع تصريحات الأسد نفسه حول عزمه على البقاء في السلطة والتجديد الخ... فالأميركيون أنفسهم لا يقرون بسوريا جديدة مع بقاء الاسد في السلطة.
ان موقف المعارضة السورية يرتدي اهمية قصوى في هذه المرحلة، مرحلة الاعداد لجنيف2. وتعاني المعارضة من تباين حاد في مواقف بعض اطرافها، بخاصة عندما أعلن العديد من الفصائل المسلحة رفضها للمؤتمر رداً على دعوة طهران للمشاركة فيه. كما ان المجلس الوطني السوري وهو الركيزة الأساسية للائتلاف الوطني ما زال مصراً على موقفه بشأن رفض مشاركة ايران وأي دور مستقبلي للاسد كما يلمح الابراهيمي ويصرح الأسد هو نفسه. ويجد الائتلاف الوطني السوري نفسه في حرج كبير أمام المعطى الراهن خاصة حيال تشكيل وفد المعارضة الذي سيجلس في جنيف قبالة ممثلي النظام السوري، ذلك ان عملية تمرير بعض رموز معارضة الداخل للجلوس معها يديرها الاخضر الابراهيمي والاسد هو نفسه. كما ان مشاركة ايران في المؤتمر مسألة مبدئية لا يمكنها القبول بها على الاطلاق. وتثير تصريحات الابراهيمي ليس استنكار المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني فحسب بل جامعة الدول العربية التي اضطرت لدعوة وزراء خارجية هذه الدول لعقد اجتماع طارئ يوم الاحد في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) لتدارس الموقف. وقد تمثّلت ذروة السخط حيال تصريحات الابراهيمي الممالئة للأسد بدعوة الائتلاف الجامعة العربية لسحب تفويضها للمبعوث الملتبس المتخبط في مواقف متناقضة تخفي في حقيقتها نيات مرعبة، فدعوة إيران لحضور المؤتمر والزعم بأن للاسد دوراً مهماً في المرحلة الانتقالية موقفان يثيران الاستنكار الشديد.
يبدو الموقف الدولي حيال هذه المستجدات وكأنه في واد آخر، بعيداً عن هذا اللغط والجدال الذي أثاره الابراهيمي بالتساوق مع الاسد. فهو منهمك في آن معاً في مسألتين مهمتين: انجاز حل الملف النووي الايراني بعد تقارب طهران مع واشنطن الأخير وحل مسألة تنصت اجهزة المخابرات الأميركية على مكالمات رؤساء وقادة اوروبيين حلفاء الولايات المتحدة الاوائل. فقد أثارت هذه المسألة زوبعة هائلة لدى الرأي العام الأوروبي والدولي في آن معاً، إلا ان الادارة الاميركية والقادة الروس ما زالا يدفعان "بالمحدلة" الآيلة لعقد جنيف2، ولا يزالان يجدان الوقت الكافي لعقد اللقاءات الجانبية في هذا الاتجاه.
كل هذا العرض يظل، على أهميته وضرورة أخذه بالاعتبار، اقل اهمية من مسألة هي من البساطة بمكان ألا وهي مدى قدرة المجتمع العربي والدولي وخاصة موسكو وواشنطن على تليين مواقف المعارضة السورية والى اي حد هي قادرة فعلياً على تقديم تنازلات لانجاح عقد جنيف2. فمن دون حضور مثلثها الرئيسي، ألا وهو الائتلاف الوطني والمجلس الوطني والجيش السوري الحر لا يملك الابراهيمي اية فرصة حقيقية لعقده. فعلى المعارضة السورية الفعلية، التي قدم امامها الشعب السوري كمًّا قل نظيره في التاريخ من البذل والتضحيات, والتي تنطق باسمه ان تشد أزرها وتتمسك بمواقفها المبدئية، لتدخل الى اروقة المؤتمر ثابتة قوية لتخوض معركة المفاوضات.