الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معركة الحاضنة الشعبية في سورية

معركة الحاضنة الشعبية في سورية

06.08.2013
إبراهيم الأصيل

القدس العربي
الثلاثاء 6/8/2013
منذ عدة أيام وفي احدى مدن ريف ادلب، حمل أحد الناشطين الاعلاميين كاميرته وخرج ليصور مكان غارة جوية، ورغم أنه اعتاد فعل ذلك لأكثر من عام إلا أنها المرة الأولى التي يخرج بها أحد أبناء المنطقة المتضررين ويهاجمه متهماً إياه أن تصويره هو أحد أسباب الغارة. لهذه الحادثة الصغيرة ومثيلاتها دلالة مهمة على المحك الذي تمر به الثورة السورية، وجرس انذار أن الحاضنة الشعبية تمر بتبدلات جديدة لا يمكن التنبؤ بمستقبلها اذا تركت الأمور تمضي بمسارها العفوي.
رغم كل حماقاته، بقي النظام يقظاً لأهمية الحاضنة الشعبية، أو على الأقل، اعتمدت استراتيجيته على ضرب الحاضنة الشعبية للثورة، بهدف أن تنفض هذه الحاضنة عن الثورة وتتخلى عنها، حتى لو لم تعد لمظلته، فعنفه المفرط قطع أي احتمال للعودة. في الواقع، يسعى النظام باستمرار لاثبات أنه أفضل الحلول السيئة الموجودة، وأنه الشيطان الوحيد القادر على ادارة الدولة في المناطق التي لم تخرج عن سيطرته.
ومن هذا المنطلق فهو لا يسعى بالضرورة لاقنــــاع الســــوريين بأنه مهتم بهم، ولكنه يبذل جهده لاقناعهم أنه الوحيد القادر على الحفاظ على الحد الأدنى من الدولة، والمصدر الوحيد للحياة، وإن كانت تحــــت ظـــروف غـــير انسانية إطلاقاً، هو لا يحاول اقناعك بأنه صادق، ولكن يسخر كل قدراته الأمنــية والإعلامية لاقناعك بأن الجميع كاذبون أيضاً. بمعنى آخر لا يكترث النظام السوري إن كان السوريون يدينــــون بالولاء له أم لا، ولكنه يسعى لأن يضمن خوفهم من سواه، وأن يحطم البوصلة ويضرب المــــكونات الاجتماعية ببعضها ويعمق الصدوع في البنية الاجــتماعية ليصبح هو الطرف الأقوى في الساحة، وبهذا يضمن استمراره في ما تبقى من المدن السورية، ويطيل عمر الأزمة ويثبت للمجتمع الدولي أنه لن تقوم قائمة للدولة السورية إلا بوجوده.
تمر المكونات الاجتماعية الحاضنة للثورة بظروف اقتصادية ومعيشية صعبة جداً، بالاضافة لتغول بعض الكتائب المتطرفة في حياة الناس ومحاولتها فرض نمط من الحياة لم يعتده السوريون يوماً، كل ما سبق بالاضافة لعوامل داخلية وخارجية أخرى كان سبباً لعجز الثورة عن تقديم مثال ناجح في المناطق المحررة، وهذا أدى بدوره لأن تكون أهلية أي بديل للنظام محل تساؤل وشك لدى الكثيرين.
يتمحور السؤال الجوهري حول كيفية مواجهة أسباب انحسار الحاضنة الشعبية ولم شمل الناس حول الثورة، ويبرز الحراك المدني كأحد أهم اللاعبين القادرين على توسيع الحاضنة الشعبية وتعزيزها، هو الذي أوجدها، وهي بدورها مهدت لحاضنة شعبية لمقاتلي الثورة المسلحين، وهذه الحقيقة يجب أن تبقى ماثلة أمام مكونات الثورة سواءً المدنية منها أو العسكرية، وأن تذكر التشكيلات السياسية المعارضة، بالاضافة للقوى المدنية للثورة أن على كاهلها مسؤولية جمة وتاريخية في المناطق المحررة خصوصاً، من الرقة إلى ريف ادلب والقسم المحرر من مدينة حلب وريفها والمناطق الأخرى، واستمرار الثورة يقتضي حكماً تقديم نموذج ناجح بما فيه الكفاية ليغري المناطق التي ما زالت تحت سيطرة النظام، وعلى المكونات العسكرية أيضاً ادراك هذا الأمر، وأن عليهم مسؤولية حماية الناشطين المدنيين والصحافيين من قبضة المتطرفين، لأن الانتهاكات والتضييق الذي يتعرض له الناشطون من بعض الكتائب المتطرفة يصيب الثورة في مقتل، وستكون نتيجته عجزا مدنيا وتنمويا، أما التعرض للناشطين فهو خط أحمر وجريمة بحق الثورة لا يمكن أن يبررها أي سبب، وإن تهاون الثوار فيها، مدنيين أو عسكريين، سينعكس ذلك سلباً على الجميع ويضعف الثورة من عمقها.
من القضايا الشائكة والحساسة في المناطق المحررة تعامل الأجسام الإدارية الثورية مع الشرائح التي لم تنخرط في الثورة سابقاً، فترفض بعض المجالس المحلية اشراك الشرائح الرمادية التي بقيت صامتة خلال العامين الماضيين في عملها. ادارة البلاد ليس جائزة أو غنيمة، بل مسؤولية الجميع، واشراك الجميع دليل نضج وطني ويضمن توسيع القاعدة الشعبية للثورة السورية، ويعزز من فرص الاستقرار واعادة بناء السلم الأهلي في وطنٍ لم يبخل أبناؤه بشيءٍ ليروه حراً ويعيشون حياةً كريمة في كنفه.
يدرك الكثير من الناشطين أهمية معادلة الحاضنة والقاعدة الشعبية والمتغيرات فيها، وطور بعضهم استراتيجياته لتتضمن نشاطات وفعاليات لا تهدف إلا لتمتين العلاقة مع المجتمعات المحلية، وهذا التوجه يؤتي أكله اذا تحول لتوجه استراتيجي عام للحراك الثوري في المناطق المحررة، ويتطلب هذا دعماً من التشكيلات السياسية المعارضة وتوجيهاً من مثقفي الثورة ومفكريها، فتوسيع القاعدة والحاضنة الشعبية يعني تضييق الخناق على النظام، وذلك هو أقصر طريق نحو اسقاطه ونحو تحقيق أهداف الثورة بالحرية والعدالة والكرامة.
 
‘ باحث سوري في مركز الشرق للبحوث