الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معركة الرقة ومشروع التقسيم

معركة الرقة ومشروع التقسيم

31.05.2016
محمد كعوش


الرأي الاردنية
الاثنين 30-5-2016
عندما دعت انقرة الى اقامة منطقة عازلة ، أو منطقة آمنة ، أو فرض حظر جوي فوق المنطقة الشمالية في سوريا ، لم تكن تعلم ان الاجندة التركية ستصطدم مع المشروع الأميركي ، او ستتعارض مع المصالح الروسية في سوريا.
ولكن التطورات الاخيرة في الشمال السوري ، وفي مقدمتها معركة الرقة وريفها ، فتحت ملف الخلافات بين الاطراف المعنية ، أو بين اللاعبين داخل الساحة السورية ، وكشفت عن بعض التفاصيل والنوايا. الرئيس اردوغان الذي يريد تعديل الدستور واقامة نظام رئاسي في تركيا  يسعى الى انهاء دولة اتاتورك العلمانية قبل بلوغها المئوية الاولى ، واعلان قيام دولة أردوغان ( تركيا الإسلامية ) وهو يخشى من انتفاضة علمانية تعيق تحقيق مشروعه السلطاني وتمنح الاكراد فرصة تاريخية للمطالبة بالانفصال او الحكم الذاتي ، وبالتالي تساهم في تفكيك الدولة.
لذلك قام اردوغان وحكومته بدعم التنظيمات المسلحة المشتبكة مع الوحدات الكردية في المنطقة الحدودية مع سوريا ، وأمر بشن حرب مفتوحة ضد حزب العمال الكردستاني ، وتشمل " وحدات حماية الشعب الكردي  في الشمال السوري ، وهو التنظيم المسلح الذي تدعمه واشنطن ، ويقاتل تحت اشراف خبراء من الجيش الاميركي ، وهو الامر الذي عمق الخلافات بين انقرة وواشنطن.
الثابت أن الهدنة التي تمت بتوافق اميركي–روسي في منطقة حلب ، كانت فرصة ذهبية للتنظيمات المسلحة لالتقاط انفاسها ، واعادة ترتيب اوضاعها وتعزيز قواتها بالسلاح والرجال والعتاد ، والتحول من حالة الدفاع الى حالة الهجوم في اكثر من منطقة ، خصوصا بعد توقف غارات الطائرات الروسية. ومن التنظيمات التي استفادت من الهدنة " وحدات حماية الشعب الكردي التي عززت قواتها بوصول خبراء من الجيش الاميركي ، وحققت نجاحات ميدانية غيرت الواقع على الارض ، واعلنت الزحف باتجاه الرقة ، معلنة نواياها بضم الرقة الى الاقليم الفديرالي ، وهو بداية مشروع التقسيم في سوريا.
وفي الوقت الذي نشرت فيه صورا اظهرت الجنود الاميركيين وهم يقاتلون الى جانب المسلحين الاكراد في شمال سوريا ، اعلن الناطق باسم الخارجية الاميركية عن استمرار دعم الاكراد ، تحت عنوان قتال "داعش"، ولكن الهدف الحقيقي هو الوصول الى حدود ثابتة آمنة لاقامة اقليم الفديرالية ، أو حدود الحكم الذاتي في ما سيسمى " اقليم كردستان " في شمال سوريا ، على غرار اقليم كردستان في شمال العراق ، تمهيدا لتقسيم سوريا ارضا وشعبا على قاعدة عرقية وطائفية ، ولكن هذا المشروع اصطدم برفض العشائر العربية في الشمال السوري ، كما ترفضه الدولة والمعارضة ايضا.
ولكن ما نخشاه اليوم هو ان تكون القوات الاميركية المحدودة العدد  التي ظهرت في شمال سوريا ، هي مجرد طلائع لقوات اخرى هدفها التدخل العسكري الجوي والبري ، وجر قوات حلف الناتو للمشاركة في الحرب بسوريا ، تحت شعار قتال داعش والقضاء على الارهاب ، خصوصا أن امين عام حلف الناتو تطرق مؤخرا استعداد قواته للتدخل العسكري من اجل نشر الاستقرار في الدول المجاورة لدول الحلف ، رغم ان الحكومة التركية تحذر من استمرار دعم المسلحين الاكراد الذين يهددون مشروع اردوغان.
لذلك يعتقد المراقبون ان معركة الرقة معركة مفصلية لها علاقة بصياغة مستقبل سوريا الدولة ، بعد تقاطع المصالح الدولية ، أو تشابكها حول المسالة السورية. وفي خضم هذه التطورات هناك من يسال عن الموقف الروسي ، ودور موسكو في مواجهة هذه المستجدات العسكرية والسياسية ، التي تلقي بظلالها على الجهود الدبلوماسية الساعية الى استئناف المفاوضات السياسية في جنيف.
ولكن ، رغم كثرة الحديث عن تثبيت الهدنة في ظل التوافق الاميركي الروسي التي انهارت ، صدرت تصريحات عن مصادر روسية مهمة تلوّح باقتراب عودة تحليق الطائرات الروسية في الاجواء السورية ، وهي خطوة مهمة قد تحدث تغييرات ميدانية تساعد على تغيير المعادلة من جديد بشكل يساعد على العودة الى حل سياسي أو حسم عسكري ، وهذا هو الحل.