الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معركة "المساعدات الإنسانية" وإدخالها إلى سوريا.. تأييد النظام أو الجوع للسوريين 

معركة "المساعدات الإنسانية" وإدخالها إلى سوريا.. تأييد النظام أو الجوع للسوريين 

12.06.2021
ساسة بوست


ساسة بوست 
الخميس 10/6/2021 
ينتظر أهالي إدلب بترقُّب اليوم العاشر من الشهر الحالي يوليو (تموز) 2021، يوم انتهاء تفويض إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة السورية عبر معبر باب الهوى مع تركيا، ويحتاج التفويض لتجديده مرةً أخرى من قِبل الدول الأعضاء في مجلس الأمن، وهو ما يتطلب موافقة تسعة أعضاء دون معارضة أيٍّ من الدول الخمس دائمة العضوية، روسيا والصين، وأمريكا، وفرنسا وبريطانيا؛ إذ أوضحت روسيا معارضتها لتجديد التفويض، ما يهدِّد بوقوع مأساة ومجاعة جديدة في حقِّ السوريين. 
يعيش في مناطق المعارضة السورية أكثر من 4 ملايين نسمة، نصفهم نازحون، منهم أكثر من مليون يسكنون المخيمات التي يصل بعضها القليل من المساعدات الأممية أو الدولية، ويعيش ساكنوها حالةً مأساويةً وضنكًا شديدًا، وهم الآن مهدَّدون بعدم وصول المساعدات لهم. 
"معركة" إدخال المساعدات إلى مناطق المعارضة السورية تتجدد في كل تفاوض لتجديد التفويض الأممي لإدخالها عبر المعابر الحدودية، فقد كانت المساعدات تدخل فيما سبق عبر أربعة معابر، أُغلقت جميعها وبقي منها معبر باب الهوى فقط، الذي يربط شمال إدلب بتركيا، والآن تهدد روسيا بإغلاقه بعدما أغلقت البقيَّة وهي: معبر درعا القديم مع الأردن، والذي كان يصل لمناطق المعارضة السورية قبل سقوطها في يد النظام، ومعبر اليعربية مع العراق، والذي يصلها بمناطق السيطرة الكردية تحت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، ومعبر باب السلامة مع تركيا، الذي يوصل الإمدادات لمناطق جيش النظام السوري شمال حلب، فهل تنتصر روسيا في معركتها مع أمريكا وتركيا والدول الأوروبية؟ 
ماذا تريد روسيا وأمريكا؟ 
تطالب روسيا بإغلاق جميع المعابر ونقل المساعدات الأممية عبر النظام السوري فقط، ليكون المسؤول الوحيد عن نقل هذه المساعدات إلى مستحقيها في مناطقه، وكذلك في مناطق المعارضة السورية و"قسد". 
وتقول الكاتبة الروسية مارينا بيلينكايا، في مقال رأي لها نُشر في وكالة "روسيا اليوم"، إنَّ موسكو تبني رؤيتها هذه على ثلاث حجج؛ أولها: أن الوضع الميداني الآن في مصلحة النظام، وأن إيصال المساعدات بدون موافقة دمشق خرقٌ لسيادته، والحجة الثانية: تَخوُّف موسكو من وصول المساعدات لأيدي من تعدهم "إرهابيين"، وأخيرًا، ترى موسكو أن توزيع المساعدات الأممية غير عادل، وأنَّ مناطق النظام مهمشة ولا تصلها المساعدات الغربية مثل إدلب الخارجة عن سيطرة النظام حتى الآن. 
وتطالب موسكو بأن توزِّع المساعدات بآلية مراقبة متفق عليها بين الأمم المتحدة والنظام السوري، لمنع التلاعب أو إساءة توزيع المساعدات، وتريد موسكو أن تتمكَّن دمشق من التحكم بالمساعدات الأممية حتى تكسب حاضنة شعبية أكبر، خاصةً في صفوف الموالين لها وفي ظلِّ الظروف الاقتصادية الخشنة التي تشهدها مناطق النظام. 
وعلى الطرف الآخر تصرُّ كلٌ من أمريكا وتركيا والدول الأوروبية على ضرورة إدخال المساعدات الأممية عبر المعابر الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وتضغط لتجديد التفويض الأممي لإدخالها من معبر باب الهوى، وتطالب بفتح معبري اليعربية وباب السلامة أيضًا، وترفض هذه الدول رؤية موسكو لإيصال المساعدات عبر النظام السوري، معتبرين أن الأخير يعمل على تقييد العمل الإنساني. 
هل النظام السوري أهل للمهمة؟ 
قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها عام 2019 إنَّ النظام السوري وضعَ "إطارًا سياسيًّا وقانونيًّا يسمح له باستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار لتمويل فظائعه، وإعلاء مصالحه، ومعاقبة من يُنظر إليهم على أنهم معارضون، وإفادة الموالين" له، ونُشر هذا التقرير بعنوان: "سياسات الحكومة السورية لاستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار". 
وأكدت المنظمة تلاعب النظام السوري بتوزيع المساعدات الإنسانية بطريقة تصبُّ في مصلحته مباشرةً بعيدًا عن إيصالها للسوريين المحتاجين، وقال التقرير إنَّ تأثير المنظمات الإنسانية محدودٌ في التفاوض مع النظام، ويتم إجبارها على طلب موافقته لتنفيذ أي مشروع، وغالبًا ما تُرفض المشاريع لأسباب غامضة وتعسفية، ثم يعود النظام بمقترحات لمشاريعه الخاصة، التي توافق المنظمات على بعضها في النهاية. 
وأكدت عدة دراسات وتقارير صحفية انخراط "الأمانة السورية للتنمية"، ومديرتها أسماء الأسد زوجة بشار الأسد، في مشاريع عديدة تدعمها الأمم المتحدة بملايين الدولارات، وغالبية هذه المشاريع يُعاد توجيه منافعها للموالين للنظام، وفي المناطق الخاضعة لسيطرته فقط، وتُحرم مناطق أخرى استعاد النظام السيطرة عليها بعد 2018 من المساعدات، مثل درعا والقنيطرة، وريف دمشق، وحمص، من العديد من هذه المشاريع. 
ومن هنا تتخوف أمريكا والدول الأوروبية من أن تسليم ملف المساعدات للنظام السوري كما تريد روسيا، ستكون له آثار خطيرة لا على الذين يعيشون في مناطقه فقط؛ بل أيضًا على السكان في مناطق المعارضة في إدلب، فبحسب تقديرات الأمم المتحدة، يعتمد على المساعدات الأممية أغلبية السكان في هذه المناطق، وعددهم يصل إلى قرابة ثلاثة ملايين نسمة. 
وفي حال سُلِّمت المساعدات للنظام السوري سيكون لذلك أثرٌ واضح في الحالة الاقتصادية في مناطق المعارضة؛ إذ تعتمد غالبية المنظمات الإنسانية هناك على الدعم المقدم من الأمم المتحدة، لتمويل مشاريع كبيرة توفر العمل للآلاف، وقد يحرم النظام هذه المنظمات من الدعم الذي كانت تتلقاه؛ ما سيرفع نسب البطالة، ومن ثم سيؤدِّي لحركة نزوح كبيرة خارج الحدود، باتجاه تركيا ومنها إلى أوروبا. 
بين الدعارة والمخدرات أو الانضمام للميليشيات.. كيف ضاقت فرص العمل على سكان سوريا؟ 
وقدرت الأمم المتحدة حاجة سوريا لعام 2021 بأكثر من 10 مليارات دولار، منها 4.2 مليارات للاستجابة في سوريا، وما تبقى يذهب للاجئين السوريين في دول الجوار واللجوء، وإذا وُضعت مشاريع هذه المليارات الأربع تحت سيطرة النظام فيستفيد منها بدعم اقتصاده المتهاوي، وسيوفِّر من خلالها العملة الصعبة التي يحتاجها لدعم عملياته العسكرية والتسليح. 
وفي سياق الحديث عن أهلية النظام لتوزيع المساعدات الإنسانية بشكلٍ عادل، لننظر في ناطق سيطرة "قسد"، فبعد إغلاق معبر اليعربية الذي كان شريان الحياة بالنسبة لمناطقه، أصبحت دمشق هي المسؤولة عن إيصال المساعدات، ولكن وحسب عمال إغاثة قالوا لـ"هيومن رايتس ووتش" إنَّ الإمدادات الطبية التي وصلت من دمشق صارت أقل بكثير من الكمية التي دخلت من معبر اليعربية سابقًا. 
وفي محافظة درعا أيضًا، والتي استعاد النظام سيطرته عليها في 2018، لا يسمح النظام بإيصال المساعدات الأممية الى مناطق المصالحة مثل درعا البلد، أو بصرى الشام، وطفس، والكرك الشرقي، والكثير من المدن والبلدات الأخرى، خاصةً أن المحافظة وقَّعت على مصالحة مع روسيا أعطت بعض مناطقها ما يشبه الحكم الذاتي، ولذا يطبق النظام سياسات عقابية ضد أهالي هذه البلدات بسبب معارضتهم وخروجهم في مظاهرات ضده، وتتكرر الحالة نفسها في مناطق أخرى خاصةً بالغوطة الشرقية بريف دمشق؛ إذ لا يتلقى سكان هذه المناطق المساعدات التي يحتاجونها بينما تصلُ للموالين للنظام بشكلٍ مستمر ودون توقف، خاصةً مناطق الموالين على الساحل السوري وحمص وحماة. 
تواصلنا في "ساسة بوست" مع أحد سكان مدينة نوى بريف درعا، وقال إن النظام السوري وزَّع عبر الهلال الأحمر مساعدات عديدة على المواطنين في المدينة وفي بلدات أخرى، وهي عبارة عن سِلال غذائية تعطى بشكل انتقائي لعددٍ من العائلات المعروفة بولائها للنظام، وأكد أن آخر مرة وزِّعت فيها هذه المساعدات في مدينته كانت قبل سنة تقريبًا. 
أمريكا بايدن تعود للمناورة 
على عكس إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي ساعدت سياساتها في منع وصول المساعدات الإنسانية عبر معبري اليعربية وباب السلامة، يبدو أن إدارة بايدن مُصرة على تشغيل المعابر الثلاثة من جديد. ويقول السيناتور الأمريكي كريس ميرفي، العضو في لجنة العلاقات الخارجية، إنَّه "عندما رفض وزير الخارجية السابق مايك بومبيو العمل شخصيًّا على قضية تجديد قرار الأمم المتحدة العام الماضي، استغلت روسيا الفجوة وأزالت نقطتي عبور حدوديتين تستخدمان لإدخال المساعدات الإنسانية" إلى سوريا، ويضيف: "يسعدني أنَّ وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكن أوضحَ أن هذا سيكون أولوية قصوى في المجلس، وأن الوفد الأمريكي سيعمل مع حلفائنا لإعادة تلك المعابر الحدودية. لا ينبغي أن تكون المساعدات الإنسانية قضية سياسية". 
ويبدو أن واشنطن تضغط لإبقاء معبر باب الهوى مفتوحًا في وجه المساعدات الأممية، وكان ذلك أكثر وضوحًا في زيارة للمعبر الجمعة الماضية قامت بها ليندا توماس جرينفيلد، السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، ودعت فيها لتمديد التفويض الأممي بتسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود. 
وَوجَّه رؤساء من لجان العلاقات الخارجية في مجلس النواب والشيوخ الأمريكي، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، رسالةً إلى وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، للضغطِ على روسيا لفتح المعابر وإيصال المعدات إلى سوريا، مؤكدين أن النظام السوري يعمل على عرقلة تسليم المساعدات بطرق غير موثوقة وخطيرة، وطالبوا بأن يجري تجديد قرار مجلس الأمن "رقم 2533" الخاص بالمساعدات العابرة من الحدود في سوريا، كما طالبوا بتوسيعه ليشمل إعادة فتح معبري باب السلام واليعربية. 
تركيا تدخل على الخط 
وصلَ إلى موسكو وفد تركي رفيع المستوى، يرأسه سادات أونال، نائب وزير الخارجية، لبحث فتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، ومن المقرر أن يلتقي الوفد مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، ووزير الخارجية سيرجي لافروف. 
وسيناقش الوفد التركي ملف معبر باب الهوى في محاولة لإقناع الروس بعدم استخدام حق النقض، "الفيتو"، في مجلس الأمن الدولي، لتعطيل قرار تمديد آلية إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود. 
وطالبت أنقرة سابقًا بدخول المساعدات الدولية عبر معبر تل أبيض الحدودي أيضًا، وذلك بعد عمليتها العسكرية المسمَّاة "نبع السلام"، والتي سيطرت فيها تركيا على مساحات واسعة في شمال شرق سوريا في الحسكة والرقة. 
من يكسب معركة المعابر؟ 
عدَّ النظام السوري نقاش فتح المعابر بأنه "معركة"، حسب وصف بسام صباغ، مندوب النظام الدائم في الأمم المتحدة، وأشار إلى أن الكثير من النقاشات تدور في كواليس مجلس الأمن، وتوحي بأن التفاوض حول هذه المسألة سيُصبح علنيًّا قريبًا. 
وأشار الصباغ إلى أن "الروس حريصون على المصالح السورية، واحترام سيادة واستقلال الأراضي السورية"، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن النقاشات تدور بين الدول المؤثرة في سوريا، أما الأطراف السورية على الأرض، مثل النظام، و"قسد" والمعارضة، فلا صوتَ لهم هنا. 
ومع إصرار روسيا على إغلاق جميع المعابر في وجه المساعدات الأممية، يبدو أن حجم الضغوط التي تمارسها أمريكا والدول والأوربية وتركيا على موسكو كبير، ومن غير المرجح أن تنجح روسيا في إغلاق معبر باب الهوى. 
وفي حديث لمحمد حلاج مع "ساسة بوست"، وهو مدير منظمة "منسقو استجابة سوريا"، وهي منظمة مدنية مستقلة تجمع مختصين بالعمل الإنساني في سوريا، يقولُ إن "رغبة روسيا بدخول المساعدات عبر النظام لن تتم وهذا أمر صعب جدًّا، خاصةً مع التحركات الدبلوماسية الدائرة في مجلس الأمن من الجانب الأمريكي والتركي والروسي، وأتصور أن يمدِّد دخول المساعدات لستة أشهر إضافية، فمفاوضات السنة الماضية شاهدة على ذلك، إذ شهدت أربع جولات نقاش حتى تمت الموافقة على معبر باب الهوى". 
أما فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان، فيقول لـ"ساسة بوست" إن "المفاوضات مستمرة في موضوع المعابر، ولا يمكن معرفة أين وصلت، وعلى ماذا اتفقت الأطراف، ولكن لا أعتقد أن المعابر ستُغلق، وعلى الأقل سيبقى معبر باب الهوى يعمل ويتم تمديد إدخال المساعدات عبره". 
ولكن كما فعلت روسيا في مفاوضاتها السابقة في سوريا: لا شيء بالمجان، فما الذي ستأخذه مقابل امتناعها عن استخدام الفيتو بمجلس الأمن؟ يقدمُ تقرير خاص لموقع "المونيتور" جوابًا محتملًا لهذا السؤال؛ إذ ينقل عن مصادر في إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، قرارها بعدم تمديد إعفاء من العقوبات الأمريكية بحق شركة النفط الأمريكية "دلتا كريسنت إنرجي"، التي تنشط في شمال شرقي سوريا، وكان هذا الإعفاء قد أعطته إدارة ترامب، ويشير مصدرٌ تحدَّث مع "المونيتور" إلى أنَّ وقف الإعفاء قد يكون "حافزًا لروسيا لتخفيف معارضة السماح للأمم المتحدة بتمرير مساعدة شمال شرقي سوريا عبر العراق". 
في كلِّ الأحوال، تظلُّ روسيا الرابح الأكبر في معركة المساعدات والمعابر، ويظلُّ الشعب السوري على كامل التراب في معاناة السعي والكد لتحصيل لقمة العيش والدواء، ويتساءل كيف ستكون المفاوضات عند مناقشة الحل السياسي ومصير الأسد وعودة اللاجئين إذن مستقبلًا بين كل هذه القوى الدولية والإقليمية؟