الرئيسة \  مشاركات  \  معركة دمشق تحسم في القاهرة

معركة دمشق تحسم في القاهرة

12.08.2013
د. محمد أحمد الزعبي



معركة دمشق تحسم في القاهرةمعركة دمشق تحسم في القاهرةمعركة دمشق تحسم في القاهرةمعركة دمشق تحسم في القاهرةمعركة دمشق تحسم في القاهرةمعركة دمشق ت
كنت قد كتبت هذه المقالة المتواضعة في يناير 2012 ، بيد
أنني ولأسباب مختلفة لم أنشرها . إن مستجدات ماجرى
ويجري في مصر وفي سورية هذه الأيام ، كان وراء رغبتي
في أن يقرأ بعض المهتمين رأياً مختلفاً .
1. ينتمي كل من الحراكين الشعبيين في كل من القاهرة ودمشق إلى مابات معروفاً بـ " الربيع العربي " .
إن هذه التسمية لاتخلو من مضمون واقعي ، تلتقي على صعيده الظواهر الاجتماعية مع الظواهر الطبيعية من حيث أسبقية فصل الشتاء البارد والقاسي ، وأحياناً القاتل ، لفصل الربيع من جهة ، ومن حيث انطواء فصل الشتاء ، على المطر ، أي الماء الذي قال فيه تعالى ، " وجعلنا من الماء كل شيء حي " من جهة ثانية ، تماماً كما هي الحال في المجتمعات ، حيث تنضج ثورات الشعوب في رحم أنظمة الاستبداد والفساد ( أنظمة الزمهرير ) على قاعدة : النقيض يفرز النقيض .
 
2. إن الطرفين الأساسيين المتناقضين في كل من سورية ومصر هما : الشعب من جهة ، والنظام المستبد الفاسد من جهة أخرى . إن استبداد وفساد أكثر من ثلاثة عقود من حكم حسني مبارك في مصر ، وأكثر من أربعة عقود من حكم عائلة الأسد في سورية ، كانت كافية ، بما هي عقود مرة وقاسية على الشعب في كلا البلدين ، لكي ينبلج صبح القاهرة في 25 يناير 2011 ، وصبح دمشق في 18 آذار 2011 ، عن ربيع عربي جديد ، بغض النظر عن غلبة اللون الأحمر على واحاته الديموقراطية في هذه المرحلة الانتقالية من عمر هذا الربيع.
 
3. تقوم الأنظمة السياسية في العالم الثالث عامة ، والوطن العربي خاصة ، على عمود فقري عادة مايتكون من طبقة / فئة مهيمنة عليا ، تعتمد على عصبية ما ( إثنية ، دينية ، طبقية ، قبلية ، طائفية ) وعلى عدد من المثقفين المدنيين والعسكريين والدينيين ( مثقفي وعلماء السلطان ) في الحفاظ على السلطة ، وفي إدارة شؤون الحكم . وهي ( الأنظمة المعنية ) بحكم ارتكازها على هذه الأعمدة الثلاثة المتناقضة والنقيضة ــ غالباً ــ لمبدأ المواطنة المتساوية والديموقراطية وصندوق الاقتراع ، لاتجد أمامها إلاً أن تحيط نفسها بحزم/ أسيجة من الأزلام والمحاسيب والأقارب والمرتزقة من المدنيين والعسكريين ، وبالتالي الانغماس الكامل ( الظاهر والباطن ) في كل من الفساد والاستبداد . إن أنظمة الفساد والاستبداد ، إنما تجسد هنا ، فصل الزمهرير الذي تحمل قساوته في رحمها ، نقيضها الموضوعي ، ألا وهو " فصل الربيع " ، فصل وصول انظمة الاستبداد والفساد ، إلى نهايتها المحتومة ، مزبلة التاريخ .
 
4. إننا إذن في البلدان النامية عامة ، وفي وطننا العربي خاصة ، أمام هرم إجتماعي سياسي ، يقبع في قمته الضيقة ، حاكم محاط بعدد من الأسيجة الأمنية ، من الذين بات يطلق عليهم في مصر " البلطجية " وفي سورية " الشبيحة " . بينما تقبع في قاعدته العريضه جماهير الكادحين والمستضعفين والمحرومين .
وإذا كان بعض " المثقفين " في كلا البلدين ، بمن فيهم بعض " رجال الدين " ، لا يحمل عصا البلطجة أو الشبيحة ، إلاّ أنه يحمل عملياً قلم الحبرو/ أوالرصاص الذي يمكن أن يخدم ذلك الحاكم ، أكثر من عصا البلاطجة أو الشبيحة .
إن تاريخ حركة التحرر الوطني في كافة المجتمعات التي تعاني من آفتي الاستبداد والفساد ، إنما يشير إلى أن التناقض بين قمة الهرم الاجتماعي الضيقة ، وقاعدته العريضة ، هو " التناقض الرئيسي " ، بينما يعتبر التناقض بين الفئات التي تتموضع على السفوح المتوسطة لهذا الهرم ، وكذلك بينها وبين من فوقها ومن تحتها ،" تناقضاً ثانوياً " ، وهو مانراه ونسمعه ونلمسه ، في موقف كل من " هيئة التنسيق " في سورية ، و " جبهة الإنقاذ " في مصر ، هذه الأيام .
 هذا ويشيرالواقع الملموس لمكونات مثلث الهرم الإجتماعي ( القمة ، القاعدة ، السفوح الوسطى ) في الوطن العربي عامة ، وفي بلدان الربيع العربي خاصة ، إلى التداخل والتشابك بين هذه المكونات الثلاثة ، وذلك نتيجة للتداخل بين الإنقسامين : العمودي (القبلي ، الديني ، الطائفي ، الجهوي ،القومي ) ، والأفقي ( الطبقي ) في هذا الهرم الإجتماعي ، ولذلك فإننا نجد الكثيرين من فئة " الأفندية " من ذوي الياقات البيضاء والصفراء ، وأيضاً من المعممين ( رجال الدين ) ، ممن يدعون الإنتماء إلى "الربيع العربي" ( الميادين ) يقولون شيئاً ، ويفعلون شيئاً آخر، دون أن يرف لهم جفن !! . ترى هل يمكن ان نطلق على هذا الصراع " صراع القلم مع المنجل ، صراع الأفندية مع البسطاء ؟ " لست أدري .
 
5. تمثل فئة "الشباب " ( بالمعنى العمري ) حالة خاصة في مجتمعات العالم الثالث ، ومنها مجتمعنا العربي من حيث أن أغلب المدارس والجامعات هي مؤسسات رسمية تابعة للدولة ، لأن الأنظمة الديكتاتورية ، تحاول أن تمسك بيدها كل مفاصل المجتمع ، ومنه مفصل التعليم ، ولهذا كان التعليم الحكومي ، إما مجانياً أو بأقساط مقبولة نسبياً ، الأمر الذي معه يمكن للمرء أن يجد على مقعد دراسي واحد ثلاثة تلاميذ ، أو ثلاثة طلبة ينتمون إلى الفئات الثلاث التي سبق أن اشرنا إليها ، وبالتالي فإن علاقتهم مع بعضهم بعضاً لابد وأن تختلف عن علاقة آبائهم وأمهاتهم ( كبار السن ) بعضهم مع بعض ، ولا سيما أنهم الثلاثة ( الأبناء ) يتلقون نفس الثقافة من نفس المعلم . إن هذه الخاصية الشبابية هي التي تقف وراء دور الشباب الفاعل في ثورات الربيع العربي ، ولاسيما في مصر وسورية ، وهو دور أقرب إلى مبادئ الديموقراطية والعدالة الاجتماعية والحداثة ، وبالتالي المبادئ والمواقف الثورية من آبائهم وأمهاتهم . بيد أن مفهومهم لهذه المبادئ قد لايكون واضحاً ولا محدداً بل ولا واحداً ، ودون أن نستبعد ــ بطبيعة الحال ــ أثر البيئة الأسرية والمجتمعية عليهم بسلبياتها وإيجابياتها ، ولعل هذا هو ماقدم ويقدم الذريعة لبعض كبار السن من السياسيين ، أو ممن تضررت مصالحهم الخاصة ، ولاسيما المصالح الاقتصادية ، لاتهام شباب ثورات الربيع العربي بعدم النضج وعدم الكفاءة السياسية والفكرية ، ملوحين بضرورة تجاوزهم ، وتجاوز ميادينهم وجمعهم ( بضم الجيم ) ، وإعادة المياه إلى مجاريها ، وبالتالي إعادة "حليمة إلى عادتها القديمة !! " .
 
6. إن ماجرى ويجري في كل من سورية ومصر منذ أكثر من سنتين ، لايعدو ــ بنظرنا ــ أن يكون ، صراعاً سياسياً وإقتصادياً ، بين قمة الهرم الإجتماعي والسياسي الضيقة ( فئة الذئاب المسعورة ) ، وقاعدته الشعبية العريضة ، ( فئة المستضعفين من الفقراء والأميين) ، في الوقت الذي تضع فيه شريحة عريضة من المثقفين ومن الفئات المتوسطة المختلفة ، من عسكريين ومدنيين ، رجل ( بكسر الراء ) عند القمة وأخرى عند القاعدة ، لسانها مع القاعدة وسيوفها مع القمة .
إن الموقف السلبي من ثورات الربيع العربي ، وبالتالي من الشباب الذين قادوا وفجروا هذه الثورات ، ولاسيما في مصر وسورية ، إنما ينطوي ــ من وجهة نظرنا ــ على بعد سياسي واجتماعي مسكوت عنه ، هو أخطر من كل مانقرؤه ، وما نسمعه ، ومانشاهده في كافة وسائل الإعلام . ويتمثل هذا الموقف بالتحالف الضمني ، وأحياناً العلني ، بين من يملك "المصنع والمدفع" خارج الحدود ، وبين من يملك "البترودولار" داخل الحدود ، وذلك لوضع حد نهائي للصراع العربي الصهيوني حول فلسطين وبيت المقدس .
إن الموقف السلبي من ثورات الربيع العربي عامة ، وثورتي مصر وسورية خاصة ، إنما هو موقف ضد الديموقراطية ، وضد نداء الحرية والكرامة في ساحات وفي ميادين البلدين ، وبالتالي ضد حقوق الإنسان . والله أعلم.