الرئيسة \  تقارير  \  معهد الشرق الأوسط: هل يستطيع إبراهيم رئيسي إنقاذ علاقات إيران مع القارة السمراء؟

معهد الشرق الأوسط: هل يستطيع إبراهيم رئيسي إنقاذ علاقات إيران مع القارة السمراء؟

16.04.2022
ساسة بوست


ساسة بوست
الخميس 14/4/2022
نشر “معهد الشرق الأوسط” مقالًا للكاتب إريك لوب يستعرض فيه جهود الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لإصلاح علاقات إيران مع دول القارة الأفريقية.
يُقدِّم الباحث في برنامج إيران التابع لمعهد الشرق الأوسط لمقاله بالإشارة إلى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي (2021- حتى الآن) التقى نظيره الموزمبيقي، فيليب نيوسي، في 22 فبراير (شباط) عام 2022. وخلال الاجتماع، أعرب رئيسي عن استعداده لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والتجاري مع موزمبيق وغيرها من البلدان الأفريقية، فضلًا عن تزويدهم بقدر أكبر من نقل التكنولوجيا والمعرفة التقنية.
وأشار الكاتب إلى أن رئيسي دعا منذ بداية رئاسته إلى زيادة التعاون مع أفريقيا واعترف بقدراتها المادية والبشرية. وفي 6 أغسطس (آب) 2021، يومه الثالث في المنصب، ألقى رئيسي الرسالة نفسها أثناء اجتماعه مع رئيس الجمعية الوطنية لغينيا بيساو، سيبريانو كاساما، الذي انتقد العقوبات الأمريكية ضد إيران. وفي 24 يناير (كانون الثاني) 2022، أصدر رئيسي تصريحاتٍ مماثلة خلال اجتماعه مع وزير خارجية توجو، روبرت دوسي، الذي عارض أيضًا العقوبات.
وفي كلٍ من الاجتماعَيْن ومثل أسلافه، أدان رئيسي استغلال الغرب لموارد القارة السمراء، وزعم أن إيران كانت تعد صديقًا حقيقيًّا وشريكًا فعليًّا في مساعدتها على تحقيق الرفاه والتنمية والاستقلال والتقدم.
إيران وأفريقيا: جهود لإعادة ضبط العلاقات
ويوضح الكاتب أن اجتماعات رئيسي وتصريحاته مع المسؤولين الأفارقة، وعلى النقيض من التصور الشائع، لم تكن جزءًا من مشروع هيمنة لتوسيع النفوذ الإيراني في أفريقيا. بل شكَّل ذلك جهدًا لإعادة ضبط العلاقات مع القارة بعد أن أمضى سلفه حسن روحاني (2013-2021) ثماني سنوات في تجاهلها، في حين كان يسعى للتقارب مع الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا الغربية) وفي وقت لاحق مع الشرق (الصين وروسيا).
وحتى الآن، التقى رئيسي فقط بمسؤولين من دول ذات أهمية تجارية من المستويين الثاني والثالث من حيث التجارة الثنائية، على الرغم من أن لهم أهمية تاريخية ودبلوماسية وإستراتيجية أخرى. وبعيدًا عن التصريحات، يبقى السؤال عما إذا كان سيميز نفسه عن سلفه في الممارسة العملية من خلال إعطاء الأولوية لأفريقيا واستعادة العلاقات مع الحلفاء القدامى وكبار الشركاء التجاريين الذين قطعوا العلاقات مع إيران في عام 2016.
إهمال أفريقيا
ويلفت الكاتب إلى أن اجتماعات رئيسي وتصريحاته مع المسؤولين الأفارقة يمكن تفسيرها تفسيرًا دقيقًا، وبعيدًا عن تعزيز طموحات إيران المهيمنة والتوسعية في القارة، على أنها محاولة لإعادة العلاقات بعد أن أهملها سلفه باستمرار، ولهذا السبب، خلال اجتماعه مع رئيس البرلمان في غينيا بيساو في أغسطس 2021، أكد رئيسي أن تعزيز العلاقات سيكون أولوية في السياسة الخارجية لبلاده، وأنه “في الحكومة الجديدة، ستُفعَّل بجدية جميع إمكانات التعاون مع الدول الأفريقية”.
ومن الناحية الخطابية، لم يميز رئيسي نفسه عن روحاني؛ ففي تصريحات روحاني وخطاباته، أشار مرارًا إلى أفريقيا على أنها “أولوية قصوى” ودعا إلى تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية. ومع ذلك، فقد كرَّس جهدًا قليلًا لتنفيذ هذه السياسات في الممارسة العملية، كما يتضح من عدم قيامه بزيارات رسمية إلى أفريقيا، وانخفاض مستويات التجارة الإيرانية مع القارة.
وعلى الرغم من خطابه الإيجابي، أهمل روحاني أفريقيا وأعطى الأولوية لتحقيق انفراجة والتقارب مع الغرب، وبلغ ذلك ذروته بتوقيع خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، وتخفيف العقوبات الجزئي الذي رافقها في عام 2016. وقد انعكس إهمال روحاني لأفريقيا في عدم قيامه بزيارات رسمية إلى القارة، في حين أنه زار أكثر من 55 دولة مختلفة في أوروبا وآسيا وأمريكا حتى عام 2020.
وأشار الكاتب إلى أن روحاني، وعلى عكس أسلافه، وجَّه اهتمامه حصريًّا إلى الشرق واستمر في إهمال أفريقيا والجنوب بهدف الالتفاف على العقوبات وتخفيف الضغط، ولم يسافر روحاني أبدًا إلى أفريقيا ونادرًا ما دعا مسؤوليها لزيارة إيران.
وأضاف الكاتب أن عدم اهتمام روحاني بأفريقيا كان أيضًا انعكاسًا لانخفاض مستويات التجارة الإيرانية مع القارة، وخلال فترة رئاسته بين عامي 2014 و2018، وصلت تجارة إيران مع أفريقيا جنوب الصحراء إلى أدنى مستوياتها بنسبة 0.19% في عام 2015 بوصفها نسبة مئوية من إجمالي تجارتها، ولم تتجاوز أبدًا 1%، حتى بعد توقيع خطة العمل المشتركة الشاملة وتخفيف العقوبات اللاحقة.
وعلى النقيض من ذلك، وفي عهد الرئيس الأسبق، محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، بلغت التجارة ذروتها عند 4.54% في عام 2007 وظلت نسبتها تزيد على 1.5%، قبل أن تنخفض إلى 0.31% في عامه الأخير في المنصب عام 2013. ونتج هذا الانخفاض من فرض الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عقوباتٍ صارمة في العام السابق على قطاعي النفط والمصارف في إيران بسبب برنامجها النووي.
وأشار الكاتب إلى توقُّف نشاط المقر الأفريقي في وزارة الخارجية الإيرانية تقريبًا في عهد روحاني، وهو المقر الذي أنشأه أحمدي نجاد في عام 2005 لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا. كذلك استدعت طهران بعض المستشارين التجاريين الإيرانيين في السفارات في القارة والمكلفين بزيادة التجارة الإيرانية للعودة للوطن.
وردًّا على الإهمال الإيراني والتعاون العسكري السعودي والمساعدات الاقتصادية خلال الحرب الأهلية اليمنية (2014- حتى الآن)، قطع حلفاء طهران القدامى وكبار الشركاء التجاريين في القرن الأفريقي وأماكن أخرى في القارة، بما في ذلك السودان وجيبوتي والصومال، علاقاتهم مع إيران في عام 2016.
إبراهيم رئيسي: إعادة ترتيب أولويات أفريقيا
وتطرَّق الكاتب إلى أن رئيسي من المحتمل أنه يطمح إلى إعادة العلاقات بين إيران وأفريقيا على خلفية إهمال بلاده لأفريقيا وفقدان الحلفاء القدامى وكبار الشركاء التجاريين في القارة في عهد روحاني. وحتى الآن، يبدو أن هذا الجهد قد حقَّق تقدمًا محدودًا، إذ التقى رئيسي بمسؤولين أفارقة من دول ذات أهمية تجارية من الدرجة الثانية والثالثة فقط من أجل التجارة الثنائية، وهي موزمبيق وتوجو وغينيا بيساو، وليس دول ذات أهمية من الدرجة الأولى مثل السودان وجيبوتي والصومال، وكلها قطعت العلاقات مع إيران في عهد روحاني.
ومن حيث تجارة إيران مع هذه الدول بوصفها نسبة مئوية من إجمالي تجارتها مع أفريقيا جنوب الصحراء بين 1979 و2018، احتل السودان المرتبة الثالثة (3.53%)، وجاءت جيبوتي في المرتبة السادسة (1.09%)، والصومال في المرتبة الثامنة (0.61%). وعلى النقيض من ذلك، احتلت توجو المرتبة 16 (0.15%)، واحتلت موزمبيق المرتبة 17 (0.13%)، واحتلت غينيا بيساو المرتبة 37 (0.01%).
وعلى الرغم من أن موزمبيق وتوجو وغينيا بيساو يمثلون أهمية أقل بوصفهم شركاء تجاريين، فإن لهم أهمية تاريخية ويوفرون قيمة إستراتيجية، ذلك أن موزمبيق ليست شريكًا تجاريًّا رئيسًا، لكنها قد تصبح كذلك مرةً أخرى في المستقبل. وخلال فترة حكم بهلوي بين عامي 1963 و1978، كانت موزمبيق تاسع أكبر شريك تجاري لإيران في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكانت تمثل 3.63% من إجمالي متوسط تجارتها السنوية مع القارة، وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، كانت موزمبيق حليفًا مهمًّا للجمهورية الإسلامية.
وفي عام 1986، قام الرئيس خامنئي بجولة شملت موزمبيق وثلاث دول أخرى في شرق أفريقيا (تنزانيا وأنجولا وزيمبابوي) للحصول على دعم دبلوماسي خلال الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، وتقديم المساعدة التنموية من خلال وزارة جهاد البناء، وتسويق المعدات العسكرية الإيرانية والسلع المصنَّعة الأخرى. وخلال رئاسة أحمدي نجاد بين عامي 2008 و2009، أرسلت وزارة الجهاد الزراعي الإيرانية مندوبين إلى موزمبيق و12 دولة أفريقية أخرى لتقديم مساعدات زراعية وتنموية.
وفي حين أن توجو ليست أيضًا شريكًا تجاريًّا كبيرًا، فهي شريك طويل الأمد، ويقال إنها بدأت التجارة مع إيران في وقت مبكر من عام 1966. وعلاوةً على ذلك، تتمتع توجو بأهمية إستراتيجية أخرى أيضًا، بوصفها مصدرًا محتملًا لليورانيوم لبرنامج إيران النووي. وبصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بين عامي 2012 و2013، كان بإمكان توجو التصويت ضد القرارات التي تدين البرنامج وتزيد العقوبات ضد إيران، حتى لو كانت هذه النتيجة نادرًا ما تؤتي ثمارها، وفي الوقت نفسه، صوتت توجو، بوصفها عضوًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد قراراتٍ تشجب سجل طهران في مجال حقوق الإنسان بين عامي 2006 و2014.
وكما هو الحال مع توجو، سعَت إيران للحصول على دعم دبلوماسي من غينيا بيساو في المؤسسات الإقليمية والمتعددة الأطراف، من بينها حركة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي. وقرب نهاية رئاسة أحمدي نجاد بين عامي 2012 و2013، وربما وسيلةً لتعزيز الدعم من غينيا بيساو في هذه المؤسسات، عقدت إيران محادثات ثنائية ووقعت اتفاقيات تعاون معها في مجالات الأمن، والتعدين، والصحة، والطب، والزراعة، والهندسة، والكهرباء والطاقة، والتكنولوجيا والتنمية. وكذلك استكشف كلا البلدين توسيع التعاون بين القطاعين الخاصين، والغرف التجارية، والمرافق القنصلية.
رئيسي ودروس مهمة
وفي خاتمة مقاله يقول الكاتب إن التواصل الدبلوماسي الذي أطلقه رئيسي مع أفريقيا يمكن تفسيره تفسيرًا صحيحًا على أنه محاولة لإعادة العلاقات مع القارة التي أهملها سلفه كثيرًا، وليس جزءًا من مشروع مهيمن وتوسُّعي.
ويتكهن الكاتب بأن رئيسي قد يعطي الأولوية لأفريقيا نظرًا إلى أنه زار جنوب أفريقيا ودول أفريقية أخرى وقت أن كان مرشحًا رئاسيًّا في مايو (أيار) 2017، على عكس روحاني طوال فترة رئاسته بأكملها. وفي نظام دولي يبدو أنه ليس لديه صداقات أو عداوات دائمة، سيحدد الوقت أيضًا مدى إمكانية رئيسي استعادة العلاقات مع الحلفاء القدامى وكبار الشركاء التجاريين في القارة، الذين قطعوا العلاقات بسبب إهمال سلفه والتعاون والمساعدة السعوديين. وسيتطلب تحقيق هدف من هذا القبيل، إلى جانب توقيع اتفاق نووي جديد وتخفيض العقوبات الاقتصادية، من رئيسي أن يُظهر لهؤلاء الحلفاء والشركاء أنه يمكن أن يقدم لهم فوائد دبلوماسية وتجارية ملموسة.
كذلك يمكن أن يتعلم رئيسي درسَيْن من أحمدي نجاد، الذي واجه انتكاسات في غامبيا والسنغال ودول أفريقية أخرى على الرغم من سعيه للتقارب معهم، ويتمثل الدرس الأول في التخفيف من حدة الخطاب المعادي للإمبريالية لمنح هذه البلدان المرونة الدبلوماسية ورأس المال الجيوسياسي لمتابعة علاقات أوثق مع إيران، ويمكن لهذه الدول أن تفعل ذلك دون تنفير الغرب والمخاطرة بفقدان مساعداته واستثماراته وتجارته، حتى مع تجاوز الصين للولايات المتحدة بوصفها أكبر شريك تجاري لأفريقيا منذ عام 2009.
والثاني هو تنفيذ مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية الأخرى، ودفعهم بحذر إلى ما هو أبعد من طاولة المفاوضات مع مراعاة الاحتياجات والقيود المالية والاقتصادية والتكنولوجية لإيران. وبعد إبداء آمال كبيرة خلال رئاسة أحمدي نجاد، أصيبت بعض الدول الأفريقية بخيبة أمل من وعود إيران الجوفاء والالتزامات التي لم تفِ بها، والتي تنطوي على التعاون في التجارة والعلوم والطاقة والصحة والبنية التحتية، وهي نتيجة تفاقمت بسبب إهمال روحاني لهذه البلدان وغيرها.