الرئيسة \  تقارير  \  معهد واشنطن :الاستعداد لزحف الدبابات الروسية إلى أوكرانيا - وقَطع الطاقة عن أوروبا

معهد واشنطن :الاستعداد لزحف الدبابات الروسية إلى أوكرانيا - وقَطع الطاقة عن أوروبا

20.02.2022
سايمون هندرسون


السبت 19/2/2022
سايمون هندرسون
سايمون هندرسون هو زميل بيكر في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، ومتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج الفارسي.
على الرغم من أن الأفق العسكري الفوري لا يزال ضبابياً، قد يكون الصمود أمام أزمة الطاقة على المدى الأبعد ممكناً، وإن كان مؤلماً.
وفقاً لتكهنات "مطّلعة" في وسائل الإعلام الغربية، من المحتمل أن يكون العمل العسكري الروسي مقترناً بمجموعة من التكتيكات التي تهدف إلى إرباك حكومة أوكرانيا وحلفائها. وتشمل هذه التكتيكات الاغتيالات وعمليات الراية الكاذبة وحرب المعلومات - وكل ما قد يخطر في البال. ويُضاف إلى هذه اللائحة الأخبار الأخيرة بدءاً من الخامس عشر من شباط/فبراير، وهي: أن بعض الوحدات العسكرية الروسية أكملت مناوراتها بالقرب من الحدود [مع أوكرانيا] وهي تنسحب الآن. ولن يصعب كثيراً على المشاركين فك شيفرة ضبابية الحرب بقدر ما سيصعب عليهم حل شيفرة الفوضى الناتجة عنها، ناهيك عن معظمنا الذين سيشاهدون عن بُعد، وكل ما نرجوه هو أن يسود الأمن.
وستتضمن المكونات الأساسية الأخرى لهذا الخليط تعطيل الطاقة. فداخل أوكرانيا، يمكن توقُّع انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، سواء بسبب الأعمال التخريبية أو توخي الحذر، مما يجنب على الأرجح حدوث أعطال في البث. وفي مناطق أبعد من ذلك، في وسط وشرق أوروبا، ستكون إمدادات الكهرباء معرضة للخطر الشديد. فالغاز الطبيعي الروسي، الذي تبلغ نسبته عادةً 40 في المائة من الغاز المستخدَم في أوروبا، يصل عبر عدة خطوط أنابيب، إلا أن اثنين من أهمها يمران عبر أوكرانيا. وتعتمد كلٌ من ألمانيا وبولندا والمجر بنسبة تفوق 50 في المائة على واردات الغاز من روسيا. أما النمسا وفنلندا وليتوانيا فتعتمد عليها بنسبة 100 في المائة.
وسيشكل إيقاف تدفق الغاز الروسي سلاحاً سياسياً واضحاً لاختبار صمود النهج الموحد الذي تعتمده أوروبا في مواجهة مثل هذا العدوان الروسي. وفي جميع الاحتمالات، ستدّعي موسكو وجود أسباب فنية أكثر أهمية، بدلاً من أي أمر فاضح مثل فسخ العقد. وعلى أي حال، تنكر روسيا وجود أي نية عدائية لها تجاه أوكرانيا، وتنفي قيام أي تعزيزات عسكرية، أو تقول إنها ليست سوى التمارين الربيعية السنوية المعتادة. وقد كررت مراراً هذه اللازمة: "لسنا نحن؛ بل الأمريكيين هم الذين لديهم نوايا هجومية على ما يبدو".
والخبر السار هو أنه إذا تحقق السيناريو الأكثر سوءاً، سيكون هناك اضطراب الطاقة وستعمّ الفوضى فعلاً. لكن حسابات الطاقة ربما تتجه لصالح الولايات المتحدة. وقد كتب الخبير في مجال الطاقة دانيال يرجين في صحيفة "وول ستريت جورنال" في الخامس عشر من شباط/فبراير أن صادرات الغاز الطبيعي الأمريكي، على شكل الغاز الطبيعي المسال عالي التبريد، تجاوزت في الواقع الصادرات الروسية إلى أوروبا في كانون الثاني/يناير. ولم يكن ذلك عبارة عن سياسة متعمدة، بل حدث بالأحرى لأن المورّدين الأمريكيين رصدوا فرصة تسعير مناسبة لجني الأرباح.
إن الغاز الطبيعي المسال الأمريكي هو منتَج للتصدير. فداخل الولايات المتحدة يتدفق الغاز الطبيعي إلى الزبائن عبر خطوط الأنابيب. لكنّ واقع وجود فائض من الغاز الطبيعي، والنفط أيضاً، يعكس إنتاج أنواع الوقود المشابهة من الصخر الزيتي. وعلى غرار عدة أمور أخرى، يثير مصطلح الغاز الصخري بحدّ ذاته هذه الأيام جدلاً سياسياً في أمريكا، لكن التصورات العامة قد تتغيّر بعد أخذ جرعة إدراك لواقع تَحوُّل الحرب الباردة إلى حرب حامية.
لكن هذا ليس وقت الرضا عن النفس. ومن الضروري تعديل أجزاء متحركة أخرى. فقطر التي تُنتج الغاز الطبيعي في الخليج ستحتاج إلى إعادة توجيه بعض شحنات الناقلات التي تحتوي على الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. ولتحقيق ذلك، تريد من واشنطن استخدام نفوذها الدبلوماسي مع الزبائن الاعتياديين الذين سيُطلَب منهم الانتظار لفترة أطول للحصول على الغاز الخاص بهم. ولا بد من تكثيف إنتاج النفط، الذي يشكل مصدراً منفصلاً بل متداخلاً للطاقة، في الدول التي تتمتع بقدرة احتياطية - أي السعودية، وبدرجة أقل الإمارات العربية المتحدة. وسيتعين على هذين البلدين فسخ اتفاقات منظمة "أوبك"، فضلاً عن اتفاقات "أوبك بلس" مع روسيا، لكن مع اقتراب سعر النفط من بلوغ رقم خيالي يلامس الـ 100 دولار للبرميل الواحد، لن تُسمَع أصداء أي شكاوى مقدّمة.
من الأمور الأساسية الأخرى في المستقبل هو جعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتصرف بحكمة. وقد يشكّل ذلك تحدياً كبيراً. ويتساءل المرء ما إذا كان أي من مستشاريه قد أرشده بشأن التأثير على السمعة التي سيكتسبها عبر الجلوس على أحد طرفَي طاولة طويلة جداً مع مُحاوره، سواء كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو وزير خارجيته، سيرجي لافروف. وقد بلغ التباعد الاجتماعي حداً مثيراً للضحك.
وتكمن المشكلة في توقُّع المسار المستقبلي لهذه الأزمة، بالإضافة إلى نتيجتها، في أن جزءاً كبيراً منه يعتمد على مختلف الأوقات. فعلى المدى غير الطويل، قد تكون أزمة الطاقة مؤلمة لكن يمكن الصمود أمامها. لكن على المدى القصير، قد تزحف تلك الدبابات غرباً.
 * سايمون هندرسون هو "زميل بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.