الرئيسة \  مشاركات  \  مع الفصائل السورية المقاتلة .. الثورة إلى أين؟

مع الفصائل السورية المقاتلة .. الثورة إلى أين؟

27.12.2014
الطاهر إبراهيم




يمر الوقت ببطء، وتوغل الثورة السورية داخل الزمن، ويشعر السوري أن الأمور تتعقد أكثر فأكثر، ويظهر مشاركون جدد في الثورة السورية. بعض هؤلاء يعرفون ماذا يريدون، البعض الآخر رأى الناس يشاركون فاندفع معهم وليس لديه هدف واضح. لا بأس أن نذكّر بما كان منذ بدء المظاهرات السلمية في15 آذار وحتى الآن. بدأت الثورة المسلحة بعد عدة أشهر. كان هدفها بسيطا تمثل بحماية المتظاهرين السلميين من رصاص عصابات بشار أسد، الذي رفض ابتداء أن يكون هناك ثورة سلمية، بل وضع بنادق كلاشنكوف على أبواب المساجد وطلب من قنواته الإعلامية أن تقوم بتصوير من يلتقط الأسلحة ليقول للعالم:انظروا هذه ليست مظاهرات سلمية، بل مقاتلون يريدون اغتصاب السلطة الشرعية بقوة السلاح.
وكما قيل "إن الثورة يفجرها مظلومون ويكتوي بنارها أبطال ويقطف ثمارها انتهازيون"، فقد رأينا آباءً كثرا للثورة السورية، وهي مازالت مظاهرات في الشوارع. تشكلت مجالس وهيئات لاستثمار هذه الثورة بعد أن يسقط النظام. ظن هؤلاء أن النظام الذي بناه حافظ أسد على مدى ثلاثة عقود فوق جبال من جماجم السوريين وأجرى أنهارا من دمائهم، سوف تسقطه مظاهرة أو مسيرة،ولم ينتبهوا إلى ما قاله بشار: الأسد أو أحرق البلد. سمع هؤلاء كلام بشار فظنوا أنه يهدد ويتوعد، ولم يعلموا أن دولا مكنت لحافظ أسد في دمشق ورعت ابنه بشار يحبو بدروب الحكم، مثل واشنطن وطهران، وستفعل ما بوسعها لتمنع انهيار هيكل الظلم والاستبداد.
نستعجل فنقول إن السوريين وقد سمعوا عن دول زعمت أنها أصدقاء للشعب السوري، فظنوا أنها سوف تهب لنجدتهم. لكن ما علموا أن قليلا منها كان مخلصا، وأن أكثر هؤلاء الأصدقاء سعى لمصادرة حق السوريين في الثورة، ولينفذ أجندته الخاصة التي كانت حاضرة معه بكل مراحل الثورة. دول قليلة تعرف أن فشل الثورة السورية يعني أن الدور سوف يأتي عليها، لكنها ما عملت كل ما يمليه عليه خوفها قبل أن يصلها الدور.
أما الفصائل المقاتلة، وما أدراك ما هذه الفصائل المقاتلة، وهنا أتكلم عن تلك التي تتبنى القتال حقيقة، لا إعلاما، فلم تدرك حتى الآن أن قوتها في توحدها. فلم تخْطٌ خطوات فعالة في طريق الوحدة، لأنها ظنت أنه بحسبها أن تتخذ قطاعا من الأرض تقاتل عنه. ونسيت أن جيش بشار وميليشيا حسن نصر الله وأبو الفضل العباس يقاتلونهم متوحدين.
لوأخذنا وادي الضيف مثلا على عدم توحد الفصائل: فإن موقعه الاستراتيجي يتحكم بالطريق بين حماة التي يسيطر عليها النظام وحلب التي تسيطر على قسم كبير منها الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة وتسيطران على الطريق الواصل بينهما. كما تخوض صقور الشام وهي أحد أركان الجبهة الإسلامية معارك فاصلة مع جيش النظام وتحاصره داخل مدينة إدلب، المدينة الوحيدة المتبقية بالمحافظة بيد جيش النظام، وتناوشه في جبل الأربعين المطل على أريحا.  
فقبل حوالي سنتين جرت محاولات عدة لتحرير وادي الضيف. أصر جمال معروف قائد جبهة ثوار سورية التي تعتبرها واشنطن جبهة معتدلة، أن يقود معركة تحرير وادي الضيف، على  أن تمده الجبهة الإسلامية المكونة من صقور الشام وأحرار الشام وغيرهما بالسلاح. وبسبب علاقته الملتبسة مع واشنطن رفضت الجبهة الإسلامية ذلك وانسحبت من وادي الضيف.
قبل نحو شهرين سعت جهة النصرة لإخراج جبهة ثوار سوريا التي يقودها جمال معروف من جبل الزاوية ومعرة النعمان على خلفية اغتياله "أبو عبد العزيز القطري" قائد جند الأقصى وهو من أصول فلسطينية، ومطلوب لواشنطن لأنه حارب في أفغانستان، ومطلوب لموسكو لأنه حارب في الشيشان. وقد تم العثور على جثمان أبو عبد العزيز القطري في بئر مهجور في "دلوزة"، قريبا من "دير سنبل" قرية جمال معروف، وكان في البئر أكثر من مائة جثة أخرى، بعضها لنساء وأطفال. وقد حدث مرافق لجمال معروف انشق عنه مؤخرا، أن ابنه خالد اغتال العميد الركن "أحمد هاشم مشيعل" القائد العسكري لجبهة ثوار سوريا.
بعد إخراج جمال معروف من جبل الزاوية ومن معرة النعمان استطاعت جبهة النصرة تحرير وادي الضيف، واشتركت مع أحرار الشام بتحرير معسكر الحامدية المجاور لوادي الضيف، وغنمت الجبهتان كميات كبيرة من السلاح والدبابات والآليات والذخيرة. وأصبح جيش النظام مضطرا لسلوك طرق التفافية خطرة بعيدة عن "تدمر" لإمداد وحداته في حلب.
بعد تحرير وادي الضيف والحامدية أصبح الهدف الأقرب للفصائل المقاتلة، إما التوجه لقتال جيش النظام وإخراجه من مدينة إدلب، ثم تصفية جيب قرية الفوعة الشيعية، أو الانضمام إلى المقاتلين في حلب وإفشال خطط النظام الذي يحاول قطع إمداد الثوار في ريف حلب.
استطرادا، فإن انشغال تنظيم الدولة في معاركه مع التحالف حجب شره عن الفصائل السورية الأخرى التي تقاتل النظام، وأعطاها وقتا لمقاتلة جيش النظام وميليشياته الشيعية التي أصابها الوهن، حتى أن عناصر حزب الله يطلقون الرصاص على أرجلهم ليتم إخلاؤهم من المعركة، هربا من القتل المؤكد برصاص الفصائل السورية المقاتلة في جبال يبرود والجرد.
يبقى أن ننوه بأن المعارضة السورية التي تنشغل بخلافاتها خارج الحدود، عليها أن تكف عن الاتصال ب"دي مستورا" الذي نفضت عنه واشنطن الغبار وهو مركون في مستودعات الأمم المتحدة وهو النسخة الثالثة بعد الأخضر الإبراهيمي وكوفي أنان،لأن الفصائل المقاتلة ترفض كل أشكال التوسط التي من شأنها أن تمد في عمر النظام وتعطيه جرعات منشطة.