الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مقاربات سياسية لسوريا.. هل نضجت الأمور؟

مقاربات سياسية لسوريا.. هل نضجت الأمور؟

13.01.2015
العزب الطيب الطاهر



الشرق القطرية
الاثنين 12-1-2015
بلغت الأزمة السورية مداها من القتل وسفك الدماء وتدمير البنية التحتية والتاريخية والتراثية للوطن، والذي يوشك على الدخول في منطقة إهدار الإمكانية والتلاشي، إن لم تنتبه نخبه السياسية، سواء المصرة على البقاء في دائرة السلطة والحكم والتحكم، أو التي تقيم بخانة المعارضة في انتظار اللحظة التاريخية لإزاحة "النظام" والذي بدوره يبدي تمسكا بقبضته، ومع ذلك، فإن كلا الطرفين باتا في وضعية يمكن وصفها بالضجر والملل والسأم - والتعبير للدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية – جراء عجز أحدهما عن حسم الصراع لصالحه وفي الوقت نفسه تفاقم الكلفة الناتجة عنه، لاسيَّما على صعيد البشر بعد أن تجاوزت أعداد القتلى المائتي ألف شخص مع عشرات الألوف من المصابين والمفقودين والمعوقين، فضلا عن تزايد مخيف في أعداد اللاجئين بالخارج والنازحين بالداخل والتي تتراوح بين 12 و13 مليون سوري يكابدون عذابات المنافي والترحيل والبؤس في المطارات والموانئ ومنافذ الدخول والتي يعاملون فيها بصورة تتنافى مع القواعد الإنسانية، فضلا عن رداءة العيش في خيام بالمناطق الحدودية بدول الجوار، لا تمتلك القدرة على الصمود في مواجهة موجات الصقيع والعواصف الثلجية التي حاصرتها وعذبت قاطنيها وبعضهم -خاصة من الأطفال وكبار السن - لقي حتفه من فرط برودة استثنائية تفرض سطوتها دون قلب.
ويمكن القول، نسبيا، إن هذا الشعور بالضجر والسأم والملل هو الذي دفع الطرفين: النظام والمعارضة، إلى الاقتناع بأن الخيار المتاح أمامهما هو الحل السياسي ولا خيار غيره، وهو ما حرصت كل الأطراف الإقليمية والدولية الضالعة في الأزمة والمتحالفة معهما، على تأكيده في الآونة الأخيرة على نحو تجلى بوضوح في كل الطروحات التي خرجت من عواصم هذه الأطراف بما في ذلك الجامعة العربية، الأمر الذي انعكس في إبداء الطرفين قدرا من الرضا والقبول للتعامل مع المبادرة الروسية التي تدعو إلى الحوار بينهما، وإن بدت بعض التباينات الشكلية، لاسيَّما أن موسكو وجهت دعوات إلى قيادات من المعارضة بصورة شخصية، وهو ما دفع إلى استياء قيادة الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية، وهو ما ينبغي عليها أن تصححه، بحيث تتعامل معه، باعتباره رقما مهما في معادلة المعارضة والذي يحظى باعتراف إقليمي ودولي واسع، وذلك حتى تتسم مبادرتها بالموضوعية والحيادية، حتى وإن كانت هي الحليف الأكثر دعما لدمشق إلى جانب إيران، عسكريا وسياسيا واقتصاديا، مما وفر للنظام الاستمرار حتى الآن، رغم خسارته مساحات شاسعة من البلاد، وخضوعها في الفترة الأخيرة لقبضة تنظيم داعش وجبهة النصرة، والتي تشير تقارير إلى سيطرتهما على مساحة تصل إلى حوالي 35 في المائة من مساحة سوريا، بينما تسيطر المعارضة التي توصف بالمعتدلة وفي مقدمتها الجيش الحر، على نسبة تقترب من 25 في المائة من البلاد.
وفي هذا السياق، فقد أبدت الحكومة السورية موافقتها على الانخراط في حوار موسكو المرتقب، في حين بدأت أطراف المعارضة - باستثناء داعش وأخواتها – استعداداتها لهذا الحوار، عبر عقد جلسات وورش عمل لبلورة وثيقة موحدة، تعبر عن معارضة الخارج التي يمثلها الائتلاف الوطني ومعارضة الداخل التي تجسدها هيئة التنسيق الوطنية، وبعضها عقد في القاهرة ثم في دبي وإسطنبول مؤخرا، وتشير المعلومات المتاحة إلى التوافق على أغلب بنود هذه الوثيقة الموحدة، والتي تعتمد على بنود الأطروحة التي قدمها الائتلاف لمؤتمر جنيف 2 وتتكون من 24 بندا وخارطة طريق أعدتها هيئة التنسيق.
وتمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أهم ما تم التوافق عليه:
أولا: تشكيل هيئة حكم من ممثلين للنظام وممثلين للمعارضة، خلال الفترة التي ستعقب الاتفاق على إنهاء الصراع الدموي، والدخول في الحل السياسي في مؤتمر موسكو، إن قدر له الانعقاد أو في مؤتمر جنيف 3 وهو ما تحاول دوائر إقليمية ودولية باتجاهه كبديل للعاصمة الروسية، وتكون مهمة هذه الهيئة الإشراف على وقف كامل لإطلاق النار من خلال اتخاذ إجراءات فورية، لوقف العنف العسكري وحماية المدنيين وإرساء قواعد الاستقرار مع الاستعانة بمراقبين دوليين.
ثانيا: تشكيل حكومة انتقالية قد تأخذ شكل حكومة وحدة وطنية، لإدارة شؤون البلاد خلال الفترة الانتقالية المقرر لها ثلاث سنوات، وتتكون من الطرفين، تتولى القيام بعدد من الإجراءات، من بينها إعلان وقف الدستور الحالي وتكليف لجنة من الخبراء الدستوريين والقانونيين لوضع لائحة دستورية مؤقتة للمرحلة الانتقالية، ريثما يتم إعداد وإقرار دستور ديمقراطي جديد ودائم، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في أحداث العنف التي رافقت اندلاع التظاهرات السلمية التي انطلقت في مارس من العام 2011، والكشف عن قتلة المتظاهرين ورجال الجيش ومحاكمتهم، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، فضلا عن متابعة الأحوال اليومية للمواطنين والبدء في ترميم ما تعرض للتدمير والتخريب.
ثالثا: لا تفريط في الجيش السوري العربي، والتمسك ببقائه، مجسدا المؤسسة العسكرية الوطنية، غير أن ذلك سيتطلب العمل على إعادة هيكلته وبنائه على أسس مغايرة لما كان عليها.
رابعا: إعادة المؤسسة الأمنية بطريقة احترافية، وبمنأى عن الأطر التي كانت تحكمها، بحيث تكون معبرة عن التوجهات الديمقراطية الجديدة وتضم كافة شرائح المجتمع السوري.
خامسا: التأكيد على عدم إعادة تكرار تجربتي العراق وليبيا في سوريا، من خلال تجنب المحاصصة السياسية بالذات، والإبقاء على مؤسسات الدولة لتكون النواة التي تنطلق منها عملية إعادة البناء الجديدة بمشاركة كافة القوى الحية للمجتمع.
ولحسم بعض جوانب التباينات فإن القاهرة - والتي تحظى برضا طرفي الأزمة السورية الحكم والمعارضة - ستستضيف حوارا تحت رعاية مصر لمختلف رموز المعارضة السورية بكل أطيافها، وبمشاركة فاعلة من شباب الحراك الثوري بالداخل - قد يعقد في النصف الثاني من يناير الجاري - لتوفير المزيد من مساحات التوافق فيما بينها، على الرؤى الموحدة قد يأخذ ما يتم الاتفاق عليه مسمى إعلان القاهرة وذلك، قبل التوجه إلى موسكو في حوار مبدئي في الأسبوع الأخير- ووفق ما هو متاح من معلومات - فإن أهم قضية خلافية تتعلق بموقع الرئيس السوري بشار الأسد في المعادلة السياسية القادمة وهو ما قد ينطوي على خطر استمرار حالة انقسام المعارضة.
إن الثورة السورية تواجه في المرحلة الراهنة، تحدي البقاء سعيا لتحقيق أهدافها التي تنسجم مع طموحات الشعب السوري، الذي دفع وحده ثمن تحديه لسلطة النظام، الذي بادر باللجوء إلى العنف المفرط في قوته، عبر استخدام كل أسلحة الجيش، برا وجوا، وأبدع نوعا جديدا من آليات القتل ضد شعبه، والذي يتمثل في البراميل المتفجرة ، التي تدك بها طائراته التي كان من المفترض أن توجه إلى العدو الحقيقي الذي ما زال محتلا للجولان منذ العام 1967، منازل وممتلكات هذا الشعب. وإذا كان الخيار العسكري لم يسهم في إنجاز هذه الأهداف خلال السنوات الأربع المنصرمة، لأسباب تتعلق أساسا بعجز المجتمع الدولي عن التدخل بفعالية من خلال ممارسة ضغوط - كان قادرا على ممارستها ضد نظام بشار الأسد، وانتهاج قواه المؤثرة لسياسات نفعية أبقت على الأزمة مشتعلة، دون أن يقدم العون الذي كان بوسعه أن يغير المعادلات على الأرض، خاصة على الصعيد اللوجستي للمعارضة الحقيقية، فضلا عن إصرار كل من روسيا وإيران على تقديم كل ما من شأنه الإبقاء على النظام، لأسباب تتصل بالصراع والنفوذ الدولي والإقليمي، فإن مقاربات سياسية باتت من الضرورة بمكان، حتى لا يقفز على الثورة وأهدافها تنظيمات وجماعات رفعت راية الإسلام، لتحقيق أهداف لا تنسجم مع تطلعات الشعب السوري الصابر والمثابر.