الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مقال للبائعين والصامتين عن اليرموك

مقال للبائعين والصامتين عن اليرموك

06.02.2014
أنس حسونة


القدس العربي
الاربعاء 5/2/2014
المفقود في مخيم اليرموك، ليس الدواء، ولا الغذاء، ولا شهداء الجوع. المفقود في مخيم اليرموك هو نحن. ليس فقط في اليرموك بل في كل شبر من أرض سوريا، المفقود نحن وهم والكل.
إذا لم ير أحد ما يحدث في مخيم اليرموك، فعليه أن يبصر على الأقل ما يحدث له عندما يجلس لثماني ساعات بلا طعام، هل ستخبره معدته بأنه جاع بعد أم لم يفعل؟ وليتصور حينها أنه فقد شهيته للطعام لمدة أسبوع، أسبوعين، شهر، شهرين.. لن يقدر على فعل ذلك. فالأمر فوق استطاعة البشر، لذلك في اليرموك، لوحدهم هم البشر الباقون على وجه هذه المخروبة.
لن أسأل عن العالم، والحكومات، والرؤساء فأنا أعرف أين هم، وجميعنا يعرف أين هم. فالثمانمئة دولار ثمن ليلة واحدة في فندق رخيص في مدينة مونترو- سويسرا، لحضور مؤتمر جنيف لأكثر من 1000 شخص ما بين صحافي يبحث عن تصريح من هنا أو هنا. أو سياسي قذر وأيضاً لا يملك قرار. القرار هو الإستمرار في الحرب في سوريا، والثمانمئة دولار التي صرفت للصحافي والسياسي فهذه تطعم 100 جائع في اليرموك.
يقول أحد الناشطين في مخيم اليرموك:
ما سيحدث لمخيم اليرموك مع مرور الايام القادمة، سيتضاعف عدد الوفيات بشكل كبير بسبب انتشار مرض التهاب الكبد، نتيجة تناول لحم القطط، ‘يعني باليوم يلي كان يموت فيه خمسة راح يموت في عشرة و15. العدوى ستكون عن طريق الملابس، الشراب، الطعام، التنفس، اللمس والمصيبة انه لا يوجد دواء داخل مخيم اليرموك لعلاج المرض، المصيبة الأكبر ان المرض يتفشى بسرعة. سبب ظهور المرض بالوقت هاد: أكل لحم البسس والعلاج المطلوب: فتح الزفت تاع أول المخيم اللي بقهر: خليكوا صامتين وساكتين . بعد أسبوع بكون نصنا مقبور.’
هل استطيع أن أقول أكثر عن اليرموك؟ من يستطيع أن يصف العظام البائسات من الجوع؟ من يستطيع أن يصف قلب أم تحطم على أطفالها الجوعى الموتى؟ من يستطيع فعل هذا؟ أي أديب؟ أي شاعر قد يفعل ذلك سيكون شاعراً متاجراً بهذه الدماء؟ وأنا الآن أتاجر، أنا الآن أكتب عن اليرموك.. هذه كارثة بحد ذاتها، اليرموك يستشهد من الجوع وأنا وغيري نكتب عنه. ولا نملك سوى الكتابة، أو ربما قذف أحد البائعين لليرموك بالشتائم.
لن أكتب عن اليرموك، بل سأكتب عن البائعين، وسأقول أن أمر إسقاط هؤلاء، هو أمر حتمي، وهو واجب وطني، بحكم الموت، والجوع، والحصار، والمواقف المخزية لهم. والمتاجرة بأرواح الشهداء في اليرموك.
كل فصيل فلسطيني، ارتضى لنفسه أن يدخل في لعبة الأحلاف، والتناقضات الدولية الحاصلة على الأرض السورية اليوم، وبالجملة، ارتضى لنفسه أن يكون اليرموك من ضمن ما شملته هذه اللعبة. هو فصيل ساقط وطنياً بكل المعايير، وساقط سياسيا بكل المعايير، لأنه لم يقم بواجباته السياسية كممثل شرعي لهؤلاء وكحركة مقاومة تنتمي لهؤلاء وكفصيل سياسي ينتمي لهؤلاء.
إذا أردنا أن نسترجع هويتنا الفلسطينية، وأن ننتمي لها، وبالمناسبة من أراد هويته الفلسطينية فهي اليرموك، اليرموك الآن هو الهوية ومن أراد هوية عربية ثورية مليئة بالدماء ومليئة بالحرية فهي سوريا. من أراد أن يفعل ذلك، فعليه أن يفعل أمرين أن يمضي ما مضى الشعب السوري فيه الا وهو الحرية حتى النهاية.
ولن أنزل إلى مستوى النقاشات في داعش والنصرة، والتي إذا أراد أحد أن يتحدث فيها فهو من جماعة الوزير المجدلاني، وقد قال طلبة بيرزيت للمجدلاني ما كان يجب ذلك وحسموا أمر طبيعة النقاش معه.
في نهاية هذا المقال الدنيء، الذي لا يرقى ولا في حرفٍ منه إلى تضحيات الشعب السوري وإلى شهداء الجوع في اليرموك، سأقتبس ما قاله مظفر النواب: ‘ كافر من يحج بدون سلاح’. وأقول ‘كافر من يعمل، من يدرس، من يكتب، من يأكل، من يشرب، من يضحك، من يعيش، دون أن يكون شهداء الجوع ماثلين حاضرين في ذهنه وفي صحن طعامه وفي كراسته وفي مكتبه وفي عمله وفي إذاعته.. حينها فقط قد يستطيع التوقف عن الطعام وعن العمل وعن الدراسة وعن الشراب ويبدأ بالبحث، عن طريقة يسقط فيها نظامه ويشفى من عاره.
إلى القيادة الفلسطينية، البائعة للمخيم، إما الرحيل، أو الرحيل، عاجلاً أم آجلاً.