الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مكاسب "الحياد" الإسرائيلي في سورية

مكاسب "الحياد" الإسرائيلي في سورية

02.12.2015
د. أحمد جميل عزم



الغد الاردنية
الثلاثاء 1/12/2015
لا مانع لدى إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، أن تهب روسيا لنجدة نظام بشار الأسد في سورية، ويمكن تنسيق الموضوع بسهولة، ومن دون حساسيات أو خوف من العواقب. هذا هو المشهد الواضح الآن تماماً في المنطقة؛ فبينما تتوتر العلاقة التركية الروسية على خلفية خرق روسيا للمجال الجوي التركي، وإسقاط طائرة روسية، يوم 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، هناك آلية واضحة تمنع حدوث ذلك في الحالة الإسرائيلية. وبحسب ما أعلن وزير الحرب الإسرائيلي موشيه يعالون، فقد دخلت طائرة روسية المجال الجوي "الإسرائيلي"، مؤخرا، وتم الاتصال بها وفق آلية اتصال متفق عليها سلفا، وخرجت.
هذا الدخول والخروج السلس، كما يؤكد يعالون قبل أيام، هو نتاج للتفاهمات التي أبرمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والقادة العسكريون الإسرائيليون، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ وبفضل "قناة الاتصال" التي فتحت بين البلدين "لمنع سوء الفهم" أثناء النشاطات الروسية في سورية. وأوضح يعالون أنّ روسيا تخبر الإسرائيليين عندما تكون عملياتها قريبة منهم.
يوضح الموقف الإسرائيلي البراغماتي متناهي المرونة في موضوع التدخل الروسي في سورية، رغم أنّ الإسرائيليين لا يتركون فرصة عادة للاعتراض على أي نشاط قريب من فلسطين، أنّ مسألة سقوط نظام بشار الأسد، ليست موضوع أولوية بالنسبة للإسرائيليين، وأنّ التعايش مع وجود هذا النظام ممكن جداً، كما كان دائماً. فعندما كان الإسرائيليون يحتلون جنوب لبنان، كان الجيش السوري ناشطا ويعمل في لبنان، وكان جزءاً من الحرب الأهلية، وجزءاً من الحرب على المخيمات الفلسطينية، ولم يكن هناك حتى مجرد تكهنات بأن الجيشين السوري والإسرائيلي قد يصطدمان. وكان المفهوم أنّ هناك ترتيبات ضمنية، على الأقل، توضح الخطوط الحمر بينهما.
مع التوتر التركي الروسي، سيزداد الحافز الإسرائيلي للتعامل بمرونة وتغاض وتساهل مع الروس وما يفعلونه في سورية. فالعقوبات الاقتصادية الروسية التي أعلنها الرئيس الروسي بوتين بحق تركيا، إذا ما طبقت فعلا، فإنّها قد تنفع الاقتصاد الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن للإسرائيليين توقع أن يحصلوا على نصيب من الأربعة ملايين سائح روسي يزورون تركيا سنوياً. بل إنّ إسرائيل تجد نفسها في سلة واحدة مع إيران، حليف نظام الأسد الأساسي، كمستفيد محتمل من الخلاف التركي الروسي. فمثلا، أعلن وزير الزراعة الروسي ألكساندر تكتشيف، أنّ بلاده قد توقف استيراد الخضار من تركيا وتستبدل ذلك بالاستيراد من إيران وإسرائيل والمغرب، وإن برر الوزير الخطوة بأسباب "صحية" وليس سياسية، ولكن توقيت التصريح بعد التوتر الراهن، يجعل من الصعب تقبل التبرير الصحي للاستبدال المحتمل، علماً أن استيراد روسيا من الخضار التركية يبلغ نحو 350 مليون دولار سنوياً.
هذا فضلا، طبعاً، عن أنّ التوتر بين موسكو وأنقرة، يعني أنّ الاتراك لديهم توتر آخر لينشغلوا به، بعيداً عن خطابهم التصعيدي ضد السياسات الإسرائيلية، وسيجعل موقف تركيا أقل قوة في الجدل مع نتنياهو وحكومته، وهو الجدل الذي حصل على خلفية اعتداءات الإسرائيليين في غزة، وبسبب اعتداءاتهم على أسطول الإغاثة والسفينة التركية المساهمة فيه والمتجهة لغزة، "مافي مرمرا"، العام 2010. وبحسب تحليل في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، فقد تتحسن العلاقات التركية الإسرائيلية الآن، بسبب الترتيبات الروسية الجديدة.
نادرا ما يكون الإسرائيليون على الحياد في موضوع. والموقف مما يحدث في سورية، وزعم الحياد، هو نوع مما قد يسمى علميّاً "الحياد الإيجابي"؛ أي الحياد المؤثر في الأحداث، والمستفيد منها. فعدا عن أن الحرب الأهلية تستنزف سورية والسوريين، فإنّ حربا بالوكالة محتملة بين تركيا وروسيا في سورية، من نوع دعم الأتراك الآن للجيش الحر والتركمان، مقابل التدخل الروسي والدعم الموجه لنظام الأسد، يمكن أن تبدو مفيدة للإسرائيليين، وسيجري تسهيل المهمة الروسية بما في ذلك داخل المجال الجوي للطائرات وأنظمة الدفاع الإسرائيلية، مع توقع الاستفادة من الطرفين التركي والروسي، على السواء، اقتصاديا وسياسياً.