الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ملامح التخبط الاستراتيجي الأميركي في الشرق الأوسط

ملامح التخبط الاستراتيجي الأميركي في الشرق الأوسط

07.02.2018
علي حسين باكير


العرب
الثلاثاء 6/2/2018
تعيش الولايات المتحدة حالة غير مسبوقة من التخبّط في الشرق الأوسط، مصحوبة بتراجع مهول في نفوذها وفي قدرتها على التأثير في الأحداث بالشكل الذي تريده. لا يرجع ذلك إلى وجود نقص في قدرات الولايات المتحدة السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، وإنما في الاستخدام الخاطئ لها بشكل غالباً ما ينتهي بكوارث مستدامة وغير قابلة للإصلاح، وهو الأمر الذي يدخل واشنطن في دوامة الأفعال الخاطئة والنتائج المدمّرة في المنطقة.
هناك أربعة مؤشرات على الأقل عن هذا الوضع، لعل أبرزها مؤخراً ازدياد حدّة الخلاف بين حلفاء وشركاء الولايات المتحدة في المنطقة، وتطوّر النزاعات الكامنة بينهم إلى صراع مباشر، أو بالوكالة، لأسباب غالباً ما ترتبط بسياسات واشنطن تحديداً، كما هو الحال بالنسبة إلى الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق، السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، تركيا والميليشيات الكردية.. إلخ.
هذه الصراعات تعني أنّ واشنطن غير قادرة على إدارة علاقات حلفائها معها بالشكل الذي يحفظ مصلحة الجميع، لا بل إنّ الولايات المتحدة أصبحت في كثير من الأحيان جزءاً من المشكلة، فهي مع تراجع دورها ترى أن افتعال المشاكل أو إبقاء العلاقة مع طرفين متناقضين يساعدها على استعادة جزء من أهميتها المفقودة، لكن لذلك أثمان باهظة، كفقدان الثقة بها وبدورها، والبحث عن بدائل إقليمية ودولية.
الترويج الأميركي المتزايد لعمليات الفدرلة واللامركزية في المنطقة هو مؤشر إضافي، لا يجدر بنا النظر إلى هذا العامل على أنه يأتي في سياق نشر الديمقراطية وتعزيز الحريات، كما يعتقد البضع، وإنما هو نتيجة لفشل واشنطن المتكرر في فهم التعقيدات الموجودة داخل بلدان المنطقة، أو مع بعضها البعض، فضلاً عن عدم قدرتها على تشخيص التطورات بالشكل الصحيح، واقتراح الحلول المناسبة لها، وهو ما ينجم عنه فقدان القدرة على التأثير، ما يدفع الجانب الأميركي إلى محاولات التجزئة والتقسيم لتسهيل فهم الوحدات بشكل منفصل، ولتسهيل التعامل معها أيضاً. فكلما تجزّأت الآحاد، أصبح من الممكن فرض الإملاءات عليها بشكل أقل تكلفة، وربطها أمنّياً بشكل أكثر عمقاً. المؤشر الثالث يكمن في الاستعانة بخدمات أطراف تتناقض استراتيجياً مع مصالح أميركا وحلفائها في المنطقة. في هذا السياق، لوحظ في السنوات القليلة الماضية، توطيد واشنطن لعلاقات مع مثل هذه الأطراف، وذلك لتعويض النقص أو التراجع في الدور الأميركي، بالإضافة إلى التناقض المتزايد بين واشنطن وشركائها في المنطقة. إدارة الرئيس السابق أوباما تحالفت بشكل غير مباشر مع الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق واليمن، وغضّت الطرف عنها في سوريا لبنان. أما إدارة ترمب فقد استكملت تطوير علاقاتها مع ميليشيات كردية مصنّفة جماعة إرهابية في الولايات المتحدة نفسها، فضلاً عن دول الناتو والاتحاد الأوروبي. أما المؤشر الرابع، فهو ما يمكن تسميته بمتلازمة الفشل الأميركي في التدخل. الغالبية العظمى من التدخلات الأميركية في المنطقة فشلت فشلاً ذريعاً لأسباب كثيرة، لعل أهمها تجاهل واشنطن النصائح التي تأتيها من المنطقة، واعتمادها على مبررات أيديولوجية تتناقض مع المعطيات الموضوعية لضمان مصالح أميركا وحلفائها، فضلاً عن التوقيت الخاطئ، أو المبرر الخاطئ للتدخّل، أو عدم التدخّل، كما هو الحال في نموذجي العراق وسوريا. عندما ترتكب واشنطن أخطاء فادحة في المنطقة تحاول تصحيحها بالقوة العسكرية، وهو ما ينجم عنه كوارث غير قابلة للإصلاح، وندخل في حلقة مفرغة من السياسات الخاطئة والتدخلات الخاطئة.;