الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ملك سعودي جديد.. الإقليم والأزمة السوريّة

ملك سعودي جديد.. الإقليم والأزمة السوريّة

04.02.2015
أنيس الوهيبي



العربي الجديد
الثلاثاء 3-2-2015
جاء ارتقاء سلمان بن عبد العزيز سدة العرش السعودي، في لحظة مهمة للأزمة السورية، تركزت فيها الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية من أجل رسم مسار حل لها. وعلى الرغم من غموض السياسات الإقليمية، وبروز مخاطر جدية على الأمن السعودي، في اليمن والبحرين، أو مع زيادة حدة الضغوط الأميركية بدعوى حقوق الإنسان، فإن المشهد العام في المنطقة يوحي بوجود سباق بين القوى الدولية والإقليمية لخطب ود المملكة.
ارتقى سلمان العرش السعودي، بينما عادت البرودة والشك إلى العلاقات بين واشنطن والرياض، فنفضُ واشنطن يديها من الأزمة السورية، وتركها لجهود الأمم المتحدة وروسيا ومصر، وأداء التحالف الدولي الذي سمح بترسيخ النفوذ الإيراني في العراق وسورية، وتفاقم الأزمة اليمنية، بالترافق مع تسارع المفاوضات بين واشنطن وطهران، ذلك كله أقلق القادة السعوديين بشدة، وأقنعهم بضرورة تغيير تكتيكاتهم الإقليمية. وجاءت وفاة عبد الله لتؤجل تنفيذ بعضها.
وأدرك الرئيس الأميركي، باراك أوباما، متأخراً أهمية التغيير الذي ينطوي عليه تسلّم سلمان دفّة الحكم في الرياض، وحساسية السياق الإقليمي والدولي الذي تمت به عملية الانتقال السعودي. استمر أوباما في برنامج زيارته إلى الهند، وكأن شيئاً لم يكن، إلا أنه قرر، لاحقاً، اختصار الزيارة والتوجه إلى الرياض على رأس وفد كبير ضم مسؤولين حاليين وسابقين، تطمئن لهم السعودية.
واللافت أن الكرملين لم يتحرك لتحسين علاقاته بالسعودية، وتركها تعاني من الجمود والتوتر. فعوض أن يستغل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الفرصة لزيارة الرياض، وإجراء مباحثات مع القادة الجدد، اكتفى بإرسال رئيس وزرائه، ديمتري ميدفيديف، المكلّف بالشؤون الاقتصادية، للتعزية بالملك الراحل. وعنى ذلك أنه مهتم بالتباحث حول قضايا اقتصادية، من دون، أو قبل، الخوض في أيّ من الملفات السياسية المتشابكة بين موسكو والرياض.
وفي البداية، مال الإيرانيون، تحت تأثير اعتقادهم بأن الرياض هي مَن تقف وراء انخفاض أسعار النفط العالمي، إلى تشديد الضغوط على السعوديين، وتصعيد تهديداتهم الكلامية. ترافقت هذه التهديدات مع مناورات أجرتها طهران في الخليج العربي، وعقب أسابيع جعل الحوثيون الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، يضطر إلى الاستقالة.
وعندما اقتنع مسؤولون إيرانيون أن التعاون مع الرياض من أجل رفع أسعار النفط العالمية قد يكون أجدى من الضغط عليها، حاولوا التقارب مع السعودية، إلا أن وفاة الملك عبد الله قلبت الأوضاع. وربما ضغط مسؤولون في الحكومة الإيرانية، من أجل زيارة الرئيس حسن روحاني العاصمة السعودية لتقديم واجب العزاء، إلا أن قرار طهران النهائي كان تكليف وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، بالمهمة، وإرسال رسالة تهنئة من روحاني إلى الملك سلمان. وقد ضيّع هذا الترتيب على الإيرانيين فرصة سانحة للحوار مع القادة الجدد في السعودية.
في المقابل، تبدو العلاقات بين القاهرة والرياض قوية ومتماسكة. فالعاصمتان كانتا متفقتين على قتال المتطرفين، ومحاصرة جماعة الإخوان المسلمين في مصر والدول العربية. واختار الملك الراحل مصر شريكاً إقليمياً لبلاده.
وأثمر التفاهم السعودي ـ المصري حول سورية عن تحرك الرياض باتجاه مواقف القاهرة المفضّلة لبقاء مؤسسات الدولة والجيش، من أجل مواجهة التطرف، بالاشتراك مع "الجيش الحر". ولاحقاً، شاركت شخصيات في الائتلاف السوري، قريبة من السعودية، في أعمال مؤتمر للمعارضة في العاصمة المصرية، على الرغم من منع مصر شخصيات من الوفد الذي أرسله رئيس الائتلاف، خالد الخوجة، إلى المؤتمر، من الدخول إلى أراضيها. ولا تزال غير واضحة التأثيرات التي سيتركها وصول قيادة جديدة إلى سدة الحكم في السعودية على التفاهمات بين القاهرة والرياض.
وقبل وفاة الملك عبد الله، كانت أنقرة تتحسس الطريق، وتجس النبض، لتحقيق تقارب مع الرياض. وسرَّعت تركيا من خطواتها عقب المصالحة القطرية ـ السعودية، والاتصالات القطرية ـ المصرية التي رعاها الملك الراحل. وذهبت الحكومة التركية بعيداً في هذا الصدد عندما أرسلت عدة إشاراتٍ، تكشف عن استعدادها للاعتراف بالحكم المصري القائم، الأمر الذي سبق أن اشترطته الرياض على الدوحة لإتمام المصالحة الخليجية.
وجاءت مسارعة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى السفر إلى الرياض، فور إعلان وفاة عبد الله، ومشاركته في الجنازة، أقوى إيماءة تصدر عن أنقرة نحو السعودية. وقد يكون
"سلمان بن عبد العزيز سيكون أكثر تطرفاً حيال تحديد مصالح المملكة والإصرار على تحقيقها، ولو كان نتيجة ذلك إعادة النظر في بعض سياسات الملك عبد الله. ويمكن التنبؤ بأن المرونة والاعتماد على النفس في تحقيق المصالح ستغدوان سمة حكم العهد السعودي الجديد"
في أذهان المسؤولين الأتراك، أو القطريين، وضع اتفاق لتقاسم العمل مع السعوديين. وبموجبه، تدعم كلّ من أنقرة والدوحة الرياض في التعامل مع أزمات البحرين واليمن ومصر، مع مراعاة المصالح التركية والقطرية. وفي مقابل ذلك، تفّوض السعودية تركيا وقطر في التعامل مع الأزمة السورية، بشرط مراعاة المصالح السعودية في سورية، خصوصاً شرق البلاد وجنوبها. واتفاق كهذا ربما تفسره الولايات المتحدة وروسيا وإيران ومصر على أنه موجّه ضدها. وإذا ما تم، فقد يكون من نتائجه: أولاً، انسحاب الرياض من التفاهم مع مصر حول الأزمة السورية، ودعمها الشروط التي وضعتها أنقرة للانضمام إلى التحالف الدولي الذي يواجه داعش في سورية. ثانياً، تقوية الائتلاف، وربما نقل عمله وحكومته المؤقتة إلى داخل الأراضي السورية.
وسط هذه الضغوط والإغراءات المتناقضة، لا تزال السعودية تبحث عن اتجاه لدبلوماسيتها المشلولة، بسبب عملية انتقال السلطة، ومرض وزير الخارجية، سعود الفيصل، وضخامة التغييرات المحلية والإقليمية والدولية المتسارعة. مع ذلك، يمكن استقراء المسار المستقبلي للسياسة الخارجية السعودية، فالملك سلمان لا يبدي تعلقاً بالرؤى القومية التي طالما عبّر عنها الملك الراحل، كما أنه، وهو مفتاح سر آل سعود أكثر من خمسة عقود، سيكون أكثر تطرفاً حيال تحديد مصالح المملكة والإصرار على تحقيقها، ولو كان نتيجة ذلك إعادة النظر في بعض سياسات الملك عبد الله. ويمكن التنبؤ بأن المرونة والاعتماد على النفس في تحقيق المصالح ستغدوان سمة حكم العهد السعودي الجديد.
ومن أجل توسيع خياراته الإقليمية، وإضفاء شيء من المرونة على حركة المملكة، قد يعمد سلمان إلى رد التحية لأنقرة، بالترافق مع تحصين المواقع الدفاعية للمملكة على الحدود مع العراق واليمن، على الأقل في المرحلة الأولى.
تحت وطأة انخفاض أسعار النفط، سيواجه سلمان قيوداً على تقديم المساعدات لمصر. وقد يدفعه هذا الوضع إلى الضغط على المصريين، صداقةً، من أجل إحداث انفراجة سياسية تسفر عن تحسن الأوضاع الاقتصادية، بما يخفف الحمل عن كاهل الموازنة السعودية.
وبالنسبة لإيران، يبدو أن سلمان يدرك أنه سيكون العاهل السعودي الذي اختاره القدر ليواجه الاتفاق الأميركي ـ الإيراني، وتداعياته على النفوذ السعودي في المنطقة، كما يدرك، أيضاً، أن عهده بزغ وطهران قد حققت أوسع نفوذ لها في المنطقة، منذ إعلان ثورتها الإسلامية. وسيراقب سلمان المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، وربما يختار إطلاق حوار رفيع المستوى مع إيران، قبل يونيو/ حزيران المقبل، وهو الموعد المقرر للتوصل إلى الاتفاق الشامل بين إيران ومجموعة (خمسة زائد واحد) بشأن البرنامج النووي الإيراني.
ولا يتوقع حدوث تغيير عميق على العلاقات بين واشنطن والرياض في السنة المقبلة، لجهة المشاركة السعودية في التحالف ضد داعش، أو لدورها في تدريب "معتدلين سوريين" لقتال التنظيم الجهادي، ويعود ذلك إلى ثبات محمد بن نايف في وزارة الداخلية، وتعيينه ولياً لولي العهد. ويبقى احتمال استمرار السياسة السعودية الراهنة حيال سورية مرجحاً، نتيجة محافظة بن نايف، المشرف على الملف السوري، على منصبه. مع ذلك، سيرتبط موقف سلمان النهائي من الأزمة في سورية بعلاقاته مع تركيا ومصر وإيران.