الرئيسة \  مشاركات  \  منبّه خطر مع بدء عام دراسي جديد

منبّه خطر مع بدء عام دراسي جديد

09.09.2015
علي الرشيد




هاهو عام دراسي جديد يبدأ ، قد يعني للكثيرين من الآباء والأمهات فرحة بدخول أطفالهم الصغارعالم التعلم والمعرفة لأول مرة، أو بمواصلة أبنائهم لهذه الرحلة التي يرون أنها معبرا لابد من اجتيازه لرسم مستقبل زاهر لهم ، وقد يمثل لآخرين الاستعداد لتوفير المستلزمات المطلوبة وتهيئة الظروف المناسبة والأجواء الملائمةللعملية التعليمية، والاستيقاظ المبكر لتوصيلأبنائهم والعودة بهم ظهرا .
لكن بداية هذا العام قد تحمل لدى الكثيرين من الآباء والمربين والمنظمات المعنية بالطفولة معاني أخرى مُفزِعَة ومؤلمة بآن واحد، وتحتاج من أمتنا والخيرين فيها إلى مراجعة حقيقية، وإجراءات فاعلة وحلول جديّة لمعالجتها، والتخفيف من وطأتها على حاضر ومستقبل مجتمعاتنا وأمتنا .
أخطر هذه الأمور  التحذير أو منبه الخطر الذي أطلقته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أن 13.4 مليون طفل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا يرتادون المدرسة، نتيجة الأزمات الحاصلة في غير بلد عربي، من أصل 34 مليونا هم عدد الأطفال في سن الدراسة، وهو ما يمثل نسبة 40% من عدد أطفال المنطقة.
وبحسب التقرير؛ فإن: 2,4 مليون طفل في سوريا و3 ملايين طفل في العراق ومليوني طفل في ليبيا و3,1 مليون طفل في السودان إضافة إلى 2,9 مليون طفل في اليمن لا يرتادون المدارس. وأن " 8850 مدرسة في العراق وسوريا واليمن وليبيا دمرت أو تضررت بحيث لا يمكن استخدامها".
هذه الأرقام تنذر بكارثة حقيقية، وتهدد جيلا كاملا في المنطقة، وتجعل النظام التربوي والتعليمي يدفع ثمنا باهظا.
لن أتكلم عن واجب الأنظمة العربية إزاء هذا الموضوع لأنني لست متفائلا حيالها وهذا ينطبق على غالبيتها الكبيرة منها، وإنما سأكتفي بالإشارة إلى واجب المؤسسات الإنسانية والتربوية والأسر على النحو التالي:
ـ وضع الجانب التربوي والتعليمي في صدارة اهتمامات الجمعيات الخيرية وخططها ، بمعنى أن لا تستنزف جهودها وما يصلها من تبرعات في المشاريع الإغاثية المتمثلة بالطعام والشراب والطرود الغذائية أو المساعدات والأنشطة الموسمية فحسب، كما لا ينبغي أن تركّز على مشاريع تعليمية جزئية صغيرة كالحقيبة المدرسية على سبيل المثال لا الحصر ـ على أهميتها ـ ، وإنّماعلى المشروعات الاستراتيجية التي تتصل بتوفير المناهج التعليمية والكتب المدرسية الورقية والالكترونية، وتوفير مقاعد الدراسة وتسيير وتشغيل المدارس، بما في ذلك تكاليف المعلمين وتدريبهم وتطوير قدراتهم ، والتوسع في كفالة طلاب العلم وتوفير المنح الخاصة بهم، لأن كثيرا من الآباء لا يملكون توفير المصاريف المدرسية لهم، والعمل على تخصيص حافلات تعليمية مجهّزة، يمكن من خلالها الوصول  إلى المجاميع الطلابية الذين لا يتوفر لها مدرسة أو معلمون، وقناة تلفزيونية تعليمية ، يمكن عبرها التعلّم عن بعد، في ظل تدمير المدارس ونزوج المعلمين بسبب الظروف الأمنية والمعيشية.
ـ تبني المدارس والمعاهد لاسيما في الدول الخليجية لحملات تبرعات وأنشطة ومبادرات داعمة للعمل الإنساني لصالح الدول العربية التي تشهد ظروفا استثنائية كالحروب والحصار والفقر الشديد، بالتعاون مع مؤسسات خيرية، بحيث تقوم كل مدرسة بإنجاز مشروع مهم كبناء مدرسة أو تشغيلها ، أو كفالة مجموعة من المعلمين أو الطلبة، وفائدة هذا التوجه أنه أولا تربوي ليستشعر الأطفال ماهم فيه من نِعَم، وليتعلّمواكيفية شكرها ، وثانيا سلوكي بحيث يجسدوا الشعورالإيماني بالتكافل مع إخوانهم العرب والمسلمين عمليا ، وثالثا تطوعي يعلم الأطفال منذ نعومة أظفارهم كيف يقتطعون أجزاء من مصروفهم ووقتهم لمثل هذه الأعمال الجليلة التي ترفع مقام من يسعى فيها في الدنيا والآخرة، ويمكن أن يشارك أطفال المدرسة في وضع حجر الأساس أو تدشين وافتتاح المدارس وغيرها من المشاريع عند بدء العمل فيها أو بعد الانتهاء منها، حتى يتحسسوا عن قرب مدى الحاجة إلى ما قدّموه، وليتذوقوا حلاوة العمل الإنساني، ويقدموا الدعم المعنوي لأقرانهم أيضا.
أعرف أن مثل هذه المبادرات والحملات تمت بالفعل على مستوى بعض المدارس، ولكن نريد لها أن تتوسع كميا ونوعيا، نظرا لتزايد الحاجة الميدانية لها، والتفكير في الإبداع في هذا المجال، على مستوى اختيار المشاريع أو تسويقها على مستوى المدرسة والبيئة المجتمعية المحيطة بها. ونفس التحرك يفترض أن يتم مستوى الأسر الصغيرة والممتده، كأن تتبنى كل واحدة تمويل مشروع أو مشاريع بحسب مقدرتها وعدد أفرادها، وتعمل على التنافس بين أفرادها لإنجازه أو إنجازها بأزمنة قياسية ( التسويق والتنفيذ).
ثمة أمور كثيرة يقرع بدء العام الدراسي ناقوس خطرها على مستوى مدخلات ومخرجات التعليم في دولنا العربية، ولكن ربما انشغلنا بالأهم عن المهم ، ويكفي أن أقول أنه عندما يترقّب الطلبة اليوم الدراسي الأول بلهفة وشوق وفرح ، وعندما تحين ساعة الانصراف دون أن يسارعوا إلى الخروج من أسوار المدرسة، وعندما ينتهي وقت الحصة ويصرّ الطلبة على معلميهم أن يواصلوا الإعطاء، دون أن يأبهوا لقرع جرس الراحة أو الانصراف، عندها ستكون الأمة على عتبة تغيير حقيقي في مسارها، لأنها بدأت تتلذذ بمذاق المعرفة، وهذا لن يتحقق إلا إذا أصلحنا أنظمتنا التربوية على مستوى المناهج وطرق التعليم وإعادة الاعتبار للمعلم، والحديث في هذا الجانب ذو شجون.