الرئيسة \  تقارير  \  منطقة حظر الطيران لن توقف القتال في أوكرانيا

منطقة حظر الطيران لن توقف القتال في أوكرانيا

30.03.2022
برايان فينوكين و أولغا أوليكر


خدمة “نيويورك تايمز”
الشرق الاوسط
الثلاثاء 29/3/2022
أعرب رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، في قمة حلف “الناتو” هذا الأسبوع، عن أسفه إزاء فشل الولايات المتحدة وحلفائها في المساعدة في فرض “منطقة حظر الطيران بأي شكل من الأشكال” فوق بلاده. ويأتي هذا في أعقاب مناشداته السابقة فرض منطقة حظر الطيران من قبل الحلف أو الولايات المتحدة. فقد واصلت إدارة بايدن وقيادة الحلف بأسرها رفض المقترحات بفرض منطقة حظر الطيران فوق أوكرانيا، وهم محقون في ذلك.
على الرغم من شدة هذه الحرب، فإن منطقة الحظر الجوي المفروضة من قبل الولايات المتحدة أو حلف “الناتو” فوق أوكرانيا ليست السبيل لوقفها. ستكون لها فوائد إنسانية غير واضحة مع زيادة خطر الحرب بين أكبر قوتين نوويتين في العالم، الولايات المتحدة وروسيا، بدلاً من تخفيضها.
أثار بوتين مراراً، من خلال الخطابات والتدريبات، شبح الدمار المؤكد المتبادل منذ بداية هذه الأزمة. وإذا وقعت مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، وإذا استخدمت روسيا الأسلحة النووية، فإن حتى تفجير ما يسمى الأسلحة النووية الأقل قدرة من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة، ويثير على الأرجح رداً من حلف “الناتو”. وقد يتصاعد الصراع بسرعة مخيفة. وتشير محاكاة أجريت عام 2019 في جامعة برينستون إلى أن المقصود من إطلاق طلقة تحذير من موسكو قد يؤدي، في غضون ساعات، إلى إشعال حرب نووية شاملة تسفر عن سقوط أكثر من 90 مليون ضحية.
بدلاً من المخاطرة بتحقيق تأثير حقيقي ضئيل، اختارت الدول الغربية المسار الأكثر حكمة لدعم أوكرانيا بأكبر قدر ممكن من الفاعلية من دون التورط المباشر.
الهدف من منطقة حظر الطيران منع الطائرات الروسية من قصف المدنيين. ويتطلب تحقيق ذلك التهديد بإسقاط الطائرات الروسية إذا دخلت المنطقة المحظورة. وفرض منطقة حظر الطيران قد يعني أيضاً تدمير الطائرات الروسية بمهاجمتها على الأرض، علاوة على مهاجمة المطارات وغير ذلك من مرافق الدعم الأساسية.
فضلاً على ذلك، فإن طائرات حلف “الناتو” سوف تضطر على الأرجح إلى قمع الدفاعات الجوية الروسية لحماية أطقم طائراتها. ويشمل ذلك غارات جوية إضافية من “الناتو” على القوات الروسية على الأرض، مثل صواريخ أرض - جو ووحدات الرادار. ونظراً إلى مدى بعض الصواريخ الروسية أرض - جو، مثل “إس - 400”، يمكن أن تكون بعض الدفاعات التي تغطي أوكرانيا موجودة في روسيا. وبالتالي، فإن إخمادها قد يتطلب من حلف “الناتو” مهاجمة القوات الروسية على الأراضي الروسية. ويصدق كل هذا حتى على ما يسمى منطقة حظر الطيران “المحدودة”، والتي لا تغطي سوى أجزاء من أوكرانيا، وهي الفكرة التي أيدها عدد من المسؤولين الأميركيين السابقين. ولم يكن مفاجئاً أن يقول الرئيس بوتين إنه سيعتبر أي محاولة أميركية لفرض منطقة حظر الطيران فوق أوكرانيا بمثابة جر الولايات المتحدة وحلفائها في حلف “الناتو” إلى الصراع.
إن أي حرب بين روسيا وحلف “الناتو” سوف يصعب كثيراً أن تبقى محدودة. ونظراً للتفوق الغربي التقليدي والحديث عن تغيير النظام في روسيا من أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، يمكن بسهولة النظر إلى الحرب باعتبارها تهديداً وجودياً لموسكو. وفي هذه الحالة، وتماشياً مع العقيدة الروسية، فليس من المستحيل أن يصدر الكرملين الضوء الأخضر لاستخدام الأسلحة النووية، بما في ذلك ضد القواعد الجوية التي تدعم أي منطقة لحظر الطيران. وحتى لو رأى المسؤولون أن سيناريو الكابوس ليس النتيجة الأكثر ترجيحاً للتحرك الغربي المباشر، فإنه يفرض مخاطر كارثية لا يمكن إغفالها.
وإذا نحينا مخاطر التصعيد جانباً، فإن مناطق حظر الطيران في حد ذاتها لا تتصدى إلا للتهديدات الجوية فقط. فهي لا تفعل شيئاً لحماية المدنيين من التهديدات البرية مثل الصواريخ والمدفعية. فقد تسببت القنابل التي ألقتها الطائرات الحربية في بعض الوفيات.
وحتى الضربات التي تأتي من الطائرات قد تأتي من طائرات بعيدة، وليس من طائرات محلقة في الجو: فقد أطلق وابل صواريخ كروز ضد القاعدة العسكرية الأوكرانية في يافوريف من طائرات لم تغادر المجال الجوي الروسي قط. إن منطقة حظر الطيران لن توقف مثل هذه التهديدات. وعندما يتضح أن مثل هذه المنطقة ليست كافية، كما حدث في البوسنة عام 1995، قد تشعر الولايات المتحدة قريباً بالضغط لتوسيع عمليتها العسكرية لضرب أهداف إضافية على الأرض، ما يزيد من اندلاع الصراع.
والواقع أن التجارب السابقة تعزز الحاجة إلى الحذر. فمنذ تسعينات القرن العشرين فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها مناطق حظر طيران في شمال وجنوب العراق والبوسنة وليبيا. ولم تكن الولايات المتحدة تحاول في أي من هذه الحالات فرض منطقة حظر جوي على جيش بقدرات الجيش الروسي، أو على جيش يتمتع بالقدرة على الانتقام بأسلحة نووية. وعلاوة على ذلك، كانت نتائج كل هذه الجهود متباينة عندما يتعلق الأمر بحماية المدنيين.
ففي عام 1995، وحتى مع سريان منطقة حظر الطيران التي فرضها حلف “الناتو”، ارتكبت القوات الصربية إبادة جماعية ضد مسلمي البوسنة في سريبرينتسا، وقتلت عشرات المدنيين في هجوم بقذائف الهاون على سوق ماركال في سراييفو. وبعد فشل منطقة حظر الطيران في منع مثل هذا الرعب، وسع حلف “الناتو” نطاق تدخله في البوسنة، حيث نفذ ضربات إضافية على التهديدات البرية للمدنيين مثل مدفعية صرب البوسنة ومستودعات الأسلحة. ويمكن أن يحدث وضع مماثل في أوكرانيا - فقط مع ازدياد خطر التصعيد.
هذا لا يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف “الناتو” لا ينبغي أن يساعدوا أوكرانيا في “إغلاق السماء” بوسائل أخرى. منذ بداية الحرب، ألحقت الدفاعات الجوية الأوكرانية أضراراً جسيمة بالطائرات الروسية. وعلى الرغم من صعوبة التحقق، وفقاً لأوكرانيا، فإن قواتها قد دمرت 101 مقاتلة و124 مروحية روسية بدءاً من 23 مارس (آذار). وهي مستعدة لأن تكون أكثر فتكاً: وبعد خطاب زيلينسكي أمام الكونغرس الأميركي، أعلن البيت الأبيض تقديم مساعدات أمنية إضافية لأوكرانيا بقيمة 800 مليون دولار - إضافة إلى الأسلحة المضادة للدبابات، والمضادة للطائرات التي سبق تقديمها، بما في ذلك 800 منظومة “ستينغر” المحمولة كتفاً والمضادة للطائرات، والطائرات المسيّرة القادرة على المراقبة وشن الهجمات على أهداف مثل المدفعية الروسية.
كما ورد أيضاً أنها تستكشف ما إذا كان الحلفاء الأوروبيون قادرين على نقل صواريخ أرض - جو سوفياتية الصنع من طراز “إس - 300” إلى أوكرانيا، أم لا.
من المهم الاعتراف بأهمية التدابير التي اتخذتها الولايات المتحدة وغيرها للمساعدة في الدفاع عن أوكرانيا. إن عمليات نقل الأسلحة العلنية إلى أوكرانيا - أي الأسلحة التي يقصد بها قتل القوات الروسية - هي في حد ذاتها خطوة مهمة وربما تصعيدية. وحتى الآن، لا يبدو أن ذلك قد تجاوز الخطوط الحمراء لموسكو للانتقام العسكري من الولايات المتحدة.
إن محاولة حرمان روسيا من القوة الجوية في الصراع سوف تشكل مقامرة بالغة الخطورة ذات مردود غير مؤكد. ويتعين على إدارة بايدن أن تظل حازمة في رفض مثل هذه المقترحات، والتي رغم تقديمها باعتبارها تدابير تتخذ نصف الجهد لتجنب الحرب المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، فإنها في الواقع تعادل تلك الحرب على وجه التحديد. ويتعين على الولايات المتحدة وحلفائها في حلف “الناتو” الاستمرار في مساعدة أوكرانيا. ولكن يتعين عليهم أيضاً الاضطلاع بدورهم في تجنب تصعيد ذلك الصراع، لأن تكاليف ذلك قد تكون هائلة.