الرئيسة \  واحة اللقاء  \  منطق القوة الروسي

منطق القوة الروسي

15.10.2015
د. خالص جلبي



الاتحاد
الاربعاء 14/10/2015
"بولينا شيري بزوفا" لاجئة الآن في فنلندا مع زوجها في مكان مجهول، لكنها منحت مراسل مجلة "در شبيجل" الألمانية في أكتوبر المنصرم مقابلة أطلعته خلالها على كتابها الذي تعده للنشر، والذي تتطرق فيه لحرب الشيشان التي كانت بداية صعود نجم الرئيس بوتين.
"بولينا" كانت طفلة تؤرخ للأحداث يومها، ويعتبر كتابها "يوميات بولينا"، الأشد إثارة وكشفاً لأبعاد الحرب المذكورة، بعد كتاب "يوميات آن فرانك" اليهودية في ظل النظام النازي.
وتؤرخ "يوميات بولينا" لحرب هي الأعنف منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، كما أرخت الطفلة الهولندية "آن فرانك" لظلمات العصر النازي. والتشابه بين مذكرات المرأتين هو مقدار الدمار الذي تعرض له الإنسان في الحربين، مما يستدعي تسمية بولينا "آن فرانك الشيشانية".
وحتى نفهم ما يحدث في سوريا خريف 2015، ينبغي أن نفهم ما حدث في تسعينيات القرن المنصرم حين بدأ بوريس يلتسين حربه الأولى على الشيشان، لتنتهي بهزيمة ساحقة لقواته، ثم يأتي بوتين ويشن حرباً جديدة من نوع مختلف، تعود ذكرياتها إلى الأذهان حالياً بمناسبة تدخله في سوريا.
وحسب "بولينا"، قامت خطة بوتين في الشيشان على سياسة الأرض المحروقة، وتقسيم المناطق إلى مربعات يتم هدمها بالكامل، ثم دخول قوات خاصة تمشط وتقضي على كل شيء حي.
كانت روسيا إلى حين تعمل خلف الستار، والآن جاءت علناً لإنقاذ "نيرون الشام". في لقاء مع إحدى قنوات التلفزيون مؤخراً قال الخبير الروسي: "نحن لا نخالف أي قانون ولا نعبأ بأي قانون حين نقرر استخدام أية قنابل".
قانون التاريخ، كما كان غاندي يكرر، أنه للحق وليس للطغيان، وإلا كان التاريخ عبثاً والكون فوضى. قال قوم عاد لنبي الله هود: "من أشد منا قوة؟". لكن خبراء الاستراتيجيات يعلمون اليوم أن عهد القوة والتسلح والمغامرات العسكرية قد ولى، وأن التجارب على الفئران السورية سيكون ثمنها غالياً.
نهاية الإمبراطورية البريطانية كانت في أفغانستان، والاتحاد السوفييتي لم ينهزم فقط، بل انفلق وتشظى وأصبح في ذمة التاريخ، وكان لديه طائرات سوخوي 34 المتطورة جداً وأسلحة كثيرة كافية لتدمير العالم كله.
يقول هربرت جورج ويلز، المؤرخ البريطاني إن من يمسك الشعوب بيد من حديد يحول تلك الشعوب إلى حديد. وقد استفدت من الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر‏ في نقله قوانين البيولوجيا والفيزياء إلى علم النفس والمجتمع والتاريخ. النموذج على ذلك كان التجربة العثمانية في اللقاح، والتي نقلها عنهم البريطانيون في القرن السابع عشر (تجارب ليستر)، حين كانوا يأخذون جدري البقر فيخدشون به أذرعة الأطفال فينجون من الجدري. طريقة اللقاح هذه تقوم على فكرة بسيطة لكنها عبقرية، وهي تعريف الجسم على الجرثوم أو الفيروس الغازي فيهاجمه ويقضي عليه. هذا المفهوم يمكن نقله بين سوريا وقاذفات القنابل الروسية.
منطق القوة في سوريا قد يكون تعويضاً عن ليبيا القذافي، أو كما كان مسيلمة الكذاب يكرر: نصف الأرض لنا ونصفها لقريش لكن قريشاً قوم يعتدون. أما سوريا فنصفها لأميركا ونصفها لروسيا. وهو أمر مضحك وقد أضحك رسول الرحمة فأجاب مسيلمة بقول الله تعالى: "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين".
وخلاصة القول، كما أوضحت بولينا، أن القوة والحرب والأذى لم تزد المشكلة إلا تعقيداً واستعصاءً على الحل. وهنا يحضرني التعبير القرآني الجميل: "وهم ينهون عنه وينأون عنه".