الرئيسة \  مشاركات  \  منظمات المجتمع المدني بسوريا ..الحاجة الملحّة لملء الفراغ

منظمات المجتمع المدني بسوريا ..الحاجة الملحّة لملء الفراغ

26.09.2013
علي الرشيد




قبل يومين بالضبط وجّه صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) نداءً يحذّر فيه العالم من تعرض ثلاثة ملايين طفل - ما بين لاجئ و نازح- في سوريا لكارثة إنسانية، ومن عواقب استمرار العنف على الأطفال الموجودين داخل سوريا، والذين هم بحاجة ماسّة للمأوى واللقاحات الطبية والمياه الصالحة للشرب والعلاج النفسي، والعودة إلى مقاعد الدراسة.
والحقيقة أن هذا النداء قد يصحّ أن يوجّه من الأمم المتحدة ومن المنظمات الإنسانية الدولية أيضا للتحذير من تعرض ملايين أخريين من السوريين من الشيوخ والنساء وحتى الرجال لنفس المصير، بسبب تفاقم معاناة المجتمع السوري نتيجة الظروف القاسية التي يتعرضون لها، والتي لم تعد خافية على أحد، ليصل عدد من يحتاجون للعون إلى  سبعة أو ثمانية ملايين شخصن، وهو ما يشكّل ثلث التعداد الإجمالي للسوريين في الداخل والشتات.
أهمية تحذير اليونسيف يكتسب أهمية خاصة لعدة أسباب أهمها: أن هذه الشريحة ( الأطفال) قد تكون الأكثر تعرضا للأذى البدني والنفسي والجسدي بحكم السنّ، والأكثر تأثيرا على حاضر ومستقبل الوطن، باعتبارها عدّة الحاضر والمعوّل الذي تعقد عليها الآمال في إعادة إعماره وصياغة مشروعه القادم . إضافة إلى أنه يلفت الانتباه للوقوف إلى جانب شعب ـ على الأقل في الجانب الإنساني ـ  كيلا لا تنسى معاناته الكبيرة ، وبخاصة بعد أن تخلّى العالم عن حمايته وتركه وحيدا في مواجهة نظام إجرامي لايرحم.
لكن الأهم والذي على صلة بالأمر هو التنبيه إلى التقصير الحاصل من قبل السوريين ( الشعب ) في جانب منظمات المجتمع المدني، سواء على صعيد الاهتمام والتبني، أو على صعيد البنية والإشكاليات التي تعاني منها ، والدور المنتظر منها في الواقع الراهن أوالمستقبليّ. ..على اعتبار أنه : " ماحكّ جلدك مثل ظفرك" ، ولعل السبب الرئيس للتقصير الحاصل هو انشغال السوريين بالهمّين السياسي والعسكري المتصل بحراك الثورة السورية، وعدم الإدراك الكافي لأهمية الدور المنوط بهذه المنظمات وتأثيراته، وقلة الخبرة وندرة الكوادر التي على صلة بذلك إن لم نقل إنعدامها أحيانا. 
ثمة فراغ كبير في هذا الجانب لعدة أسباب أولها : تعاظم دور منظمات المجتمع المدني والجمعيات الطوعية أو ما يسمى بالقطاع الثالث، حتى في المجتمعات المستقرة والمتقدمة، كمكمّل لدور القطاعين الحكومي والخاص ، وبالتالي فإن الحاجة إليها أكبر دونما شك في مجتمع عانى من التضييق عليها ـ ولا يزال ـ ، من قبل نظام ديكتاتوري في عهدي الأب والابن، لعدة عقود، لخشيته من التكتلات الأهلية والنقابية، وذلك من أجل إشراك الجميع تنمية المجتمع . وثانيها : الحاجة الماسة إليها في وقتنا الحالي وللسنوات القادمة التي تمتد على الاقل لعقد من الزمن، بعد الانتصار على الطاغية ، إسهاما في إغاثة المتضررين،  وخصوصا النازحين واللاجئين ، وتلبية لاحتياجاتهم الأساسية في مجالات الغذاء والمأوى والدواء والعلاج والتعليم ، وتوفير مصادر زرق كريمة لبعضهم ـ على الأقل ـ كي يعتمدوا على نفسهم معيشيا. ولإعادة إعمار البنى التحتية ومواجهة الدمار الكبير الذي تعرضت له على كافة المستويات أيضا، ومتابعة الجوانب الحقوقية المتعلقة بالظلم والجرائم التي تعرض لها الناس من تعذيب وخطف ومجازر إبادة وغيرها.
منظمات المجتمع المدني السورية حاليا موزّعة بين الداخل السوري والخارج ، وهي مهمة في الحالتين ، نظرا لأن الأولى على تماس مباشر مع النازحين والمتضررين وأقرب إليهم ضمن حدود سوريا، فيما الأخرى تتمتع بحرية التحرك في الخارج ودول اللجوء لخدمة اللاجئين فضلا عن الوصول للمناطق المحررة والتحرك فيها ، وعقد الشراكات مع منظمات دولية، واستقطاب الدعم منها لمشاريعها، والتنسيق معها والإفادة من تجاربها أيضا .
واقع الحال يشير إلى أن هذه المنظمات السورية في الداخل والخارج تعاني من ثغرات كبيرة من عدة زوايا، لعل من أهمها : النقص الكمي الواضح في عددها،   قياسا بالحاجة الكبير إليها، والتركيز على  إطفاء الحرائق الناجمة عن الأزمة، وضعف برامجها وكيفية الصياغة الفنية اللازمة لذلك ، وقلة خبرة كوادرها ، وغياب رؤية وخطط الكثير منها ، وضعف التنسيق فيما بينها سواء في الداخل والخارج أو بين الطرفين ، أو عدم الدراية بكيفية بناء شراكاتها والتشبيك مع المنظمات الدولية، وكيفية تسويق ودعم مشروعاتها .
المطلوب من الناشطين الشباب في إطار الثورة السورية إعطاء هذا الجانب أهمية أكبر في حجم حراكهم ، وتأسيس مزيد من هذه المنظمات المحترفة في المجالات الإنسانية والاجتماعية والحقوقية ، ذلك لأن خدمة الناس وسد عوزهم وقضاء حاجتهم مقدم على أشياء كثيرة وخصوصا مع طول أمد الأزمة، والمطلوب من المؤسسات الإنسانية الخليجية والإقليمية والدولية أن لا تقتصر في نشاطها على تنفيذ المشاريع الخدمية والرعائية للمتضررين فقط ، بل يفترض بها الالتفات لمساعدة هذه المنظمات السورية الناشئة في  التأسيس والتطوير ونقل الخبرات ، وتوفير البرامج التدريبية اللازمة لكوادرها ، والعمل على إقامة المؤتمرات والورش التي تناقش واقع هذه المنظمات والإشكاليات التي تعاني منها والتحديات التي تواجهها ، والمساعدة في إيجاد الحلول اللازمة لها .