الرئيسة \  واحة اللقاء  \  منعطف جديد في سوريا

منعطف جديد في سوريا

04.09.2016
د. محمد نور الدين


الشرق القطرية
السبت 3/9/2016
ليست عملية "درع الفرات" التي تقوم بها تركيا منذ 24 آب/ أغسطس حدثا عابرا في الأزمة السورية. فقد عرفت الحرب هناك العديد من المحطات المفصلية التي كانت تعدل من مسارها في هذا الاتجاه أو ذاك.
من ذلك مثلا تشكيل قوات الحماية الكردية والإعلان عن السيطرة على منطقة شمال سوريا ومن ثم إعلان "فيدرالية روجافا - شمال سوريا".
ومن تلك المحطات التدخل العسكري الروسي في نهاية سبتمبر 2015 وما تلاه من تعديل في موازين القوى.
ومن ذلك إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية في 24 نوفمبر من العام نفسه وتدهور العلاقات التركية - الروسية.
عملية درع الفرات التي تستهدف أكثر من عصفور بعملية واحدة هي أيضا من المحطات المفصلية في الحرب السورية.
كانت تركيا منذ بدء الأزمة في سوريا وتدهور العلاقات مع دمشق تسعى إلى امتلاك أوراق ضغط تساعد على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد. وتحول مطلب إسقاط الأسد إلى العنوان الرئيسي لخطاب حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان.
ومن أوراق القوة التي كانت تركيا تسعى إلى امتلاكها في سوريا إقامة منطقة عازلة أو آمنة تستخدم مقرا ومنطلقا لتشديد الضغط العسكري على النظام السوري وحلفائه.
لكن هذا الهدف لم يتحقق على امتداد الأزمة بسبب معارضة روسيا وإيران والنظام من جهة ولعدم وجود ضوء أخضر أمريكي للعملية.
تباينت أولويات الولايات المتحدة وتركيا في سوريا فحصل التباين الذي لم يكن عابرا.
وقفت الولايات المتحدة وراء هدف أول، من زاويتها، وهو استهداف تنظيم داعش في الحرب ضد الإرهاب. لكن أنقرة كانت تقول إن محاربة الأسد هي الأولوية ولو كانت هناك خطة في هذا الاتجاه لشاركت في التحالف الدولي الذي تشكل في جدة لمحاربة الإرهاب.
بقيت تركيا خارج هذا التحالف. لكن مسارات الحرب في سوريا كانت تأخذ أشكالا جديدة خارج مسألة محاربة داعش.
كانت القوة الكردية الصاعدة في سوريا تحقق إنجازات ميدانية على الأرض في الشمال السوري من عين العرب/كوباني إلى تل أبيض وأخيرا عبور الفرات غربا وصولا إلى منبج.
كان قد تبين أن من بين أسباب اعتراض الولايات المتحدة على إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري هو تمهيد الطريق أمام ترسيخ الحالة الكيانية الكردية في الشمال بعيدا عن أي تواجد تركي عسكري في الداخل السوري. مثل هذا الوجود كان ليعرقل هذا الهدف.
لكن حدثين مهمين غيّرا من مسار الحرب السورية لكن في اتجاهات غير ممكن التنبؤ بنهاياتها منذ الآن.
الأول هو عبور القوات الكردية نهر الفرات غربا والسيطرة على مدينة منبج ومحيطها وتحريرها من سيطرة "داعش".
هذا التطور أحرج تركيا وأقلقها وأغضبها ودفع بها إلى التهديد بالتدخل إذا لم يتوقف الأكراد وإذا لم ينسحبوا إلى شرق الفرات.
التطور الثاني هو الانقلاب الذي حصل في تركيا وفشل الأمر الذي أدخل العلاقات التركية - الأمريكية في توتر غير مسبوق. وهو ما دفع الرئيس التركي نفسه ورئيس وزرائه إلى اتهام أمريكا بالتورط في الانقلاب فضلا عن حماية المتهم بتدبيره فتح الله جولن المقيم في أمريكا.
وجدت الولايات المتحدة نفسها في وضع حرج وغير قادرة على تفسير موقفها المتردد في إدانة الانقلاب. وانتابها أيضا قلق من تنامي العلاقات بين تركيا وكل من روسيا وإيران ومن بعض المرونة في الموقف التركي من الرئيس السوري.
ربما كانت المعادلة الأمريكية أن تُوقف مسار العلاقات التركية المستجدة وأن تطوي جزئيا ملف الصلة بالانقلاب العسكري بإعطاء تركيا فرصة التدخل في سوريا وبتغطية جوية من التحالف الدولي فتحقق أنقرة العديد من أهدافها وفي مقدمها منع الأكراد من استكمال كوريدورهم الكردي. هذا هدف يتحقق الآن وإن لم ينجز بعد بالكامل. ذلك أن الامتحان الحقيقي هو في الموقف من وضع مدينة منبج ودعوة تركيا للأكراد للانسحاب منها.
لكن كل هذا قد يجعل التدخل التركي يكون محطة في اتجاه آخر وهو تورط تركيا في الحرب السورية خصوصا في ضوء المواقف التي بدأت تعترض على هذا الوجود وتحذر من تماديه سواء من جانب روسيا وإيران أو من جانب الولايات المتحدة نفسها ومن جانب الاتحاد الأوروبي ولاسيَّما فرنسا، خصوصا أن وجهة التطورات مفتوحة في كل الاتجاهات ومفتوحة على كل الاحتمالات.