الرئيسة \  واحة اللقاء  \  منعطف خطير في سوريا

منعطف خطير في سوريا

22.09.2015
العزب الطيب الطاهر



الشرق القطرية
الاثنين 21/9/2015
تواجه الأزمة السورية في المرحلة الراهنة منعطفا خطيرا, على نحو يدفع بها إما إلى مرافئ التوصل إلى تسوية سياسية, أو يدخلها نحو المزيد من سفك الدماء حتى يتمكن, أحد أطرافها من حسم الموقف لصالحه, وهو ما لا تبدو له ثمة إشارات في الأفق, ولعل أبرز تجليات هذه المرحلة يتمثل فيما يلي:
أولا: التقاطع بين التحركين الروسي من ناحية, والأمريكي من ناحية أخرى, ووصول الأمر إلى حد التلويح بالقوة العسكرية, وهو ما أخذ منحى عمليا في قيام موسكو بإرسال أفراد من جيشها إلى اللاذقية معقل الرئيس بشار الأسد, وإنشاء قاعدة عسكرية, فضلا عن عتاد عسكري ضخم من أسلحة ثقيلة بل وتمدد هذه المساعدات إلى تخوم العاصمة دمشق, للحيلولة دون سقوطها لاسيما مع تقدم من قبل بعض تنظيمات المعارضة المسلحة باتجاهها, والهدف المعلن من قبل روسيا هو منع التنظيمات الإرهابية من الاستيلاء على سوريا, بوضوح منع سقوط نظام بشار الأسد, التي تتحمل روسيا إلى جانب إيران عبء وكلفة حمايته, والمحافظة عليه سواء من الناحية اللوجيستية أو العسكرية أو الاقتصادية..
وفي المقابل فإن الولايات المتحدة ترفض هذا التدخل العسكري المباشر من قبل روسيا, وتراه تجاوزا للخطوط الحمراء المتفق عليها بين الدولتين اللتين تتصدران المشهد العالمي الراهن, وترى واشنطن أن موسكو عبر هذا التدخل تسهم في استمرار الصراع الدموي في سوريا, وتغلق أمامه أبواب الحل السياسي على أساس أنه يوفر لحكم الرئيس بشار الأسد أرضية الشعور بالقوة والرغبة الشديدة في الاستمرار في الحكم, وهو ما بدا واضحا في تصريحاته الأخيرة التي تحدث فيها, بشكل قاطع أنه لا يقبل أي تدخل خارجي لدفعه إلى التخلي عن السلطة, فذلك مرهون بإرادة الشعب السوري فحسب, على حد تعبيره..
وفي منظور واشنطن فإن هذا النظام فقد أي صدقية أو شرعية له, وهو ما يحظى بتأييد من دول أوربية كبرى مثل بريطانيا وفرنسا.
ثانيا: ثمة تناقض واضح بين مواقف الأطراف الإقليمية المؤثرة في مسار الأزمة السورية, فبينما ترفض أغلب دول مجلس التعاون الخليجي, وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية مسألة بقاء الأسد في معادلة المستقبل بالنسبة لسوريا, فإن إيران والعراق يرفضان تماما إزاحة بشار, بينما يتسم الموقف المصري برؤية تتجاوز الأشخاص أو الانحياز لطرف دون آخر, بقدر انحيازها إلى حل سياسي من شأنه أن يحافظ على الدولة السورية بمؤسساتها وهياكلها, وبمشاركة كافة الأطراف وهو ما عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا, حتى لا يتم إعادة إنتاج تجارب مريرة ما زالت ملامحها مستمرة في كل من العراق وليبيا وربما اليمن إلى حد ما.
ثالثا:على الرغم من كل التناقضات في المواقف الإقليمية والدولية حيال منهجية التعامل مع الأزمة السورية, فإن ثمة توافقا على أهمية أخذ زمام المبادرة في القضاء على التنظيمات الإرهابية, التي باتت فاعلا رئيسيا في الأزمة, لاسيما بعد سيطرة تنظيم "داعش" على أكثر من مساحة البلاد, والواضح أن التدخل الروسي العسكري الأخير اتكأ على هذا العامل, بينما الولايات المتحدة شكلت قبل أكثر من عام تحالفا دوليا لمحاربة التنظيم, عن طريق الضربات الجوية ثم تحركت باتجاه حشد الجماعات المسلحة التي توصف بالمعتدلة لمحاربة "داعش", وإن ثبت مؤخرا أن واشنطن لم تكن جادة فيما يتعلق بتدريب عناصر منها, وفق اعترافات رئيس الأركان الأمريكي الذي أقر بأن من تم تدريبهم أعداد محدودة, فضلا عن رفض بعض الجماعات الانخراط في أعمال عسكرية تخصص لمحاربة داعش فحسب, وهو ما ينبئ عن أن جهود محاربة هذا التنظيم لم تـأخذ منحى حاسما باتحاه القضاء عليه والحد من انتشاره, ولم تفض حتى الآن إلا إلى المزيد من تمدد هذا التنظيم عسكريا وجغرافيا, وبالتالي فإن المرحلة المقبلة تتطلب تكثيفا لجهود الإقليم والعالم لمحاربة الإرهاب, وهو ما دفع دولة كبرى كفرنسا إلى الانخراط في معادلة شن الضربات الجوية ضد داعش في سوريا بالذات.
رابعا: هناك قناعة عربية قوية بضرورة الحل السياسي للأزمة السورية, وهو ما تجسد في اجتماعات الدورة الــ144 لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية يوم الأحد قبل الماضي, إلا أن الطرف العربي لا يمتلك الآليات التي من شأنها أن تدفع إلى بلورته -أي الحل السياسي - على أرض الواقع السوري..
وفي هذا السياق فإن الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية ودي ميستورا (والذي تحدث لوزراء الخارجية العرب في جلسة خاصة), توافقا خلال المباحثات التي عقدت بينهما في اليوم التالي للاجتماع الوزاري العربي على أن الفرصة الوحيدة المتاحة حاليا للتوصل لحل سياسي في سوريا تتمثل في تنفيذ بيان جنيف 1 الصادر في 2012, وتقوم خطة منظور المبعوث الأممي في هذا الشأن, على تشكيل مجموعة اتصال تهدف إلى إيجاد مستقبل للشعب السوري، تهدف بشكل أساسي إلى مكافحة الإرهاب, وهي عملية لا يمكن أن تتم بكفاءة من دون التوصل إلى حل سياسي وتشكيل مجموعة اتصال ثانية تركز على وضع الأسس التي من شأنها, الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية, لتجنب ما حدث من انهيار لها في ليبيا والعراق والصومال، بالإضافة إلى مناقشة المسائل الأمنية والعسكرية من قبل السوريين أنفسهم, باعتبار أن ذلك شأن يخصهم وحدهم فحسب, ولا تختلف رؤية الأمين العام للجامعة العريبة كثيرا عن هذا الطرح, فهو يشدد على أهمية بلورة خطة تحرك مشتركة مع الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة السورية، خاصة أن المعالجات المطروحة للأزمة السورية لا تزال عاجزة عن وقف نزيف الدماء والدمار في سوريا, فالشعب السوري تتواصل معاناته ومآسيه, نتيجة استمرار هذه الأزمة, ما يستوجب صياغة رؤية عربية فعالة قادرة على التعامل مع مختلف أبعاد وتعقيدات الأزمة السورية, بالتشاور والتنسيق مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بمجرياتها, حتى يتمكن مجلس الأمن الدولي من الاضطلاع بمسؤولياته السياسية والأخلاقية تجاه هذه الأزمة، وحتى يتمكن "دي ميستورا" من إحراز التقدم المنشود في الخطة التي طرحها لتنفيذ مقررات مؤتمر جنيف ١.
رابعا: تفاقم أزمة اللاجئين السوريين, بفعل عدم توافق المجتمع الدولي على آليات محددة للتعامل معها بصورة إنسانية كريمة إلى حد قيام دولة مثل هنجاريا أو المجر سابقا, باتخاذ إجراءات تتعارض مع قواعد حقوق الإنسان ضد مجموعات اللاجئين الذين جاءوا إلى أراضيها للمرور وليس للإقامة, فضلا عن التصريحات, التي اتسمت بعنصرية مقيتة أدلى بها رئيس وزرائها اليميني, وفي مواجهة ذلك أبدى الجانب العربي التزاما ثابتا, تجلى بوضوح في قرار جماعي من وزراء خارجيتها في الاجتماع الأخير بالترحيب باستقبال الأشقاء العرب من الدول التي تعاني من مآسي النزاعات المسلحة وتقديم كل أشكال الدعم لهم وفقا لأسس الأخوة وبما تمليه واجباتها ومسؤولياتها السياسية والأخلاقية تجاه أزمة اللاجئين والنازحين, وذلك يفتح طاقة أمل لاستيعاب المزيد من أعداد اللاجئين السوريين الأكثر معاناة من بين فئات اللاجئين العرب في المرحلة الراهنة بدلا من المراهنة على الدول الأوربية وغيرها من دول العالم لتفتح لهم أبوابها.