الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من أجل الذين بقوا أحياء في سورية

من أجل الذين بقوا أحياء في سورية

31.08.2013
ياسر أبو هلالة



الغد الاردنية
الخميس 29/8/2013
"بعدني عايشة"؛ شاهدنا فرحها بالحياة بعد ضرب عائلتها بالكيماوي، ولا نعلم من بقي حياً معها. هي محظوظة، ومن استشهدوا بالكيماوي محظوظون أيضا؛ فهم مثل أي عائلة فقيرة نسيت المدفأة في الشتاء، ومات أفرادها مسترخين بفعل ثاني أكسيد الكربون. أين عذاباتهم من عذابات أيقونة الثورة حمزة الخطيب، وثامر الشرع، وغيرهما آلاف الأطفال الذين عُذبوا واغتصبوا وذاقوا الأهوال قبل قتلهم، أو ظلوا أحياء يحملون جروحا غائرة في النفوس والأجسام؟
من أجلهم، من أجل من بقوا أحياء: بلا تردد نعم للضربات العسكرية للنظام السوري. لا يمكن تحقيق التكافؤ العسكري بين شعب أعزل، ونظام مدعوم من إيران وروسيا. يكفي مئة ألف ليثبت الشعب السوري العظيم أنه قام بأعظم الثورات وأشجعها وأطولها عمرا. من هو الشعب الذي صبر على مثل هذه الأهوال؟ بلا رطانة أيديولوجية ولا مزاودات، لا توجد طريق غير التدخل العسكري على شاكلة ما حصل في البلقان وليبيا.
أين القوات الأميركية التي تحتل ليبيا؟ أين القواعد العسكرية لحلف "الناتو"؟ كفى كذبا! لقد ارتاح الشعب الليبي العظيم من كابوس جثم على صدره أربعين عاما، ولولا المجتمع الدولي الذي ساند تضحيات أبنائه، لبقي القذافي وأنجاله وأحفاده من بعده، تماما مثل كوريا الشمالية. الشعب السوري لا يريد استبدال الاحتلال بالاستبداد؛ هو يريد الحرية، وهو يواجه استبدادا واحتلالا إيرانيين وروسيين. وما فعله بشار بالشعب السوري يفوق ما فعله أي احتلال في العالم.
من يتباكون اليوم على سورية، عليهم أن يتذكروا أنها بُنيت بعرق أبنائها، وأن من دمرها هو الأسرة الأسدية المافوية؛ لقد سُلبت سورية وسُرقت قبل أن تدمر. لقد دمر بشار الإنسان أولا، وامتهنه وسامه سوء العذاب، وخيره بين التشريد والموت والسجن؛ بين أن يكون قاتلا في جيشه أو مقتولا مع الشعب في الشوارع، سلما أو في المعارك حربا. قبل الأسرة الأسدية ونظام البعث، كان السوري أفضل تاجر، وأفضل صناعي، وأفضل فلاح، وأفضل مقاتل. في معرض باريس في الثلاثينيات، كان الغراوي يعرض الشكولاته على الفرنسيين، وفي العام ذاته كانت سورية تصدر المقاتلين إلى فلسطين؛ كان عزالدين القسام يخوض المعارك مع الفلسطينيين. السوريون هم من فضلوا الوحدة مع مصر على الديمقراطية؛ حلوا برلمانهم وأحزابهم، وحملوا سيارة عبدالناصر على الأكتاف، و"البعث" هو من حقق الانفصال.
في 18 آذار (مارس) 2011، عندما سال الدم الطاهر في درعا، لم يكن في المظاهرة قطعة سلاح، ولم يطلب المتظاهرون التدخل الدولي؛ طالبوا بالحرية، ورفعوا شعار السلمية وإسقاط المحافظ ومدير الأمن السياسي. هذه المطالب البسيطة كان بإمكان بشار أن يلبيها. عشرات الوساطات كان يمكن أن تحقن الدم وتحقق الإصلاح وتحافظ على سورية، لكن الغرور قاده إلى تنفيذ شعاره "الأسد أو نحرق البلد"؛ وقد وعد فأوفى.
يؤمل أن ينتهي التدخل بأسرع وقت وبأقل خسائر، وأن يطوي صفحة هذا النظام الإجرامي. وبعد أن باعته روسيا وانسحبت، بقيت إيران التي ستكرر فعلة روسيا. فبعيدا عن الزعيق الثوري، لدى إيران ما تخسره إن دخلت في مواجهة مع أميركا، وهي لن تضحي بحضورها ونفوذها في المنطقة. تخسر سورية، ويظل عندها لبنان والعراق، وتعمل على إقامة دويلة علوية.
مهما كانت خسائر التدخل الدولي، تظل أقل مما خسره الشعب السوري خلال أكثر من عامين بدون تدخل، وما كان سيخسره لو ظل هذا الوحش البشري طليقا. بعيدا عن أي مواقف، سأفكر لحظة بدء العمليات العسكرية كما لو كانت الطفلة الناجية من القصف الكيماوي التي قالت "بعدني عايشة"، هي ابنتي؛ سأفكر في مئة ألف شهيد، ومثلهم من المعتقلين والمفقودين. لن أفكر بجنود أمامهم الخيار أن ينشقوا، لكنهم أصروا على أن يواصلوا قتل شعبهم.
yaser.hilila@alghad.jo