الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من أجل سورية لا من أجل مارسيل

من أجل سورية لا من أجل مارسيل

20.03.2014
ياسر أبو هلالة


الغد الاردنية
الاربعاء 19/3/2014
إصرار الناشطة السورية المسيحية مارسيل شحوارو على رفض ارتداء الحجاب في حلب، يُظهر أن في الشعب السوري من ما يزال مصرا على هوية الثورة الأولى، وهي "الحرية". فإصرار "جيش المجاهدين" الذي يصنف معتدلا، وساهم في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وإخراجه من حلب، إصراره على التدخل في لباس مسيحية أو مسلمة، يعني تكرار دور سرايا الدفاع التي اجتاحت دمشق في الثمانينيات، ونزعت الحجاب عنوة عن رؤوس النسوة.
في الثورة أخطاء من قبيل ما فعله جيش المجاهدين، والذي أحسن عندما تراجع عن خطئه وأفرج عن الناشطة. لكن الخطيئة هي التستر على الخطأ أو إنكاره. ولا يجوز بحال التورط بمقارنة مع النظام؛ فذاك النظام، سواء في سنوات الثورة أو قبل ذلك بعقود، حصل على سجل فريد في حقوق الإنسان، يُشعر هتلر براحة الضمير عندما يقارن نفسه به. وأن تستمر الثورة سنوات أخرى، أفضل من القبول بإعادة إنتاج القمع بصيغة "إسلامية".
توثيق الأخطاء ومعالجتها لا يعني تضخيمها والتشنيع على الثورة. فقبل"المجاهدين" في حلب، علينا أن لا ننسى أن النظام الإيراني، الداعم الأول للنظام السوري، هو من يفرض الحجاب. وعلى "المجاهدين" إدراك أن دورهم الأساسي هو استعادة سورية التي اختطفها نظام الأسد، وليس صياغة سورية جديدة.
سورية اليوم مدمرة مقسمة نازفة، ولا تحتاج مزيدا من الجروح. لقد دخل بشار الأسد التاريخ باعتباره أول حاكم يدمر بلده ويقسمه ويشرد نصف الشعب، ويصر على البقاء محتفلا بالانتصار. لا تحتاج سورية مزيدا من الجراح، خصوصا من "المجاهدين" الذين ثاروا ضد الظلم وضحوا بكل شيء. تحتاج سورية إلى نموذج، ولو في مدينة واحدة، للحرية والعدل والتنوع والتعايش. وهو ما كانت عليه سورية قبل أن يختطفها الطائفيون قبل نصف قرن.
من حيث لا يدري، خدم "جيش المجاهدين" النظام الذي لا يلعب إلا بالأوراق الطائفية منذ اليوم الأول للثورة. لقد قبل بالإفراج عن نساء وأطفال للمرة الأولى من أجل الإفراج عن الراهبات، ليثبت أنه حامي المسيحية. وفي وجه الإعلام الغربي، صرخت بثينة شعبان في جنيف "ألستم مسيحيين؟". بالفعل، تعامل كثير من الغرب مع بشار باعتباره حامي المسيحيين! مع أن مليونا منهم غادروا سورية في عهده وعهد والده الميمون قبل الثورة.
لم يتوقف نهر الدم منذ سال في درعا في آذار (مارس) 2011؛ لا في سلمية الثورة ولا في عسكرتها. ولم يتعفف النظام عن استخدام كل سلاح بيده؛ من الكيماوي إلى البراميل المتفجرة. ولا يعلم أحد بدقة حجم الكارثة؛ كم من شهيد، ويتيم، ومعوق، وما هي الآثار النفسية والاقتصادية.. أي وطن سيبنى من هذا الركام؟
"دمرها وقعد على تاليها". لن يبقى الأسد، هذا ما يقوله الإيرانيون والروس سرا. لكن ما قيمة رحيله أو بقائه بعد أن دمرت سورية؟! كتب القوم نصرهم في يبرود؛ أي نصر هذا وهو يرسم "سايكس-بيكو" طائفي عجز عنه الاستعمار الفرنسي؟ فالسنة في عرسال اللبنانية تجرعوا مرارة الهزيمة، وفي الضاحية احتفلوا بالنصر! وما بذله حزب الله في سورية خلال ثلاث سنوات، يفوق ما بذله في الصراع مع إسرائيل في ثلاثة عقود.
تغرق سورية اليوم في مستنقع طائفي، وأغرقت المنطقة فيه. وهذا انتصار النظام لا غير. والهزيمة ليست بتقدم عسكري هنا أو هناك، وإنما بهزيمة المشروع الطائفي. وهذا ليس صعبا. فعندما يمارس المسيحيون مواطنتهم في مناطق الثوار، يُهزم النظام، وعندما تُفرض الجزية أو الحجاب، يكون النظام انتصر، ولو هزم عسكريا.
لا مجال غير الرهان على استعادة سورية بعد نصف قرن من الاختطاف؛ سورية كما كانت، ناسا وأحزابا ودستورا، ولو دخلت الثورة عامها العاشر.