الرئيسة \  تقارير  \  من أفريقيا: الجذور الحقيقية للعالم الحديث

من أفريقيا: الجذور الحقيقية للعالم الحديث

04.06.2022
أولوفيمي تايوو


أولوفيمي تايوو* – (فورين أفيرز) عدد أيار (مايو)/ حزيران (يونيو) 2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الخميس 2/6/2022
يجادل الصحفي والأكاديمي الأميركي، هوارد فرينش، بأن الزوار الأوروبيين للدول الأفريقية، كبيرة كانت أم صغيرة، غالبًا ما كانوا يتعاملون مع مضيفيهم الأفارقة على قدم المساواة ويحترمون سيادتهم، بما في ذلك في الفترة التي أدت إلى ظهور تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.
وقد يكون من الصعب رؤية هذا النوع من التفاصيل الدقيقة والتاريخية بفضل المفاهيم المتكلفة للتاريخ الأفريقي التي تحيل كل ما حدث قبل أواخر القرن التاسع عشر إلى فترة واحدة غير متمايزة لم يحدث فيها أي شيء ذي أهمية حقيقية على الإطلاق.
* *
ما تزال إفريقيا غير مفهومة جيدًا بالنسبة لبقية العالم، وكثيراً ما يتم تشويهها في المحادثات العالمية، سواء كان ذلك في عمل الباحثين الأفارقة والمتخصصين في الشأن الأفريقي، أو في تقارير الصحفيين، أو رسائل عمال الإغاثة. إنهم يميلون إلى رؤية إفريقيا على أنها استثنائية، معرّفة باختلافها نفسه.
وثمة نوع من اللاتناسُق يشكل الطريقة التي يصف بها الناس القارة -من الأفارقة وغير الأفارقة على حد سواء. على سبيل المثال، يُنظر إلى بلجيكا (بتوتراتها الدائمة بين المتحدثين بالفرنسية والمتحدثين بالفلمنكية)، وكندا (موطن حركة انفصالية كيبيكية في بعض الأحيان)، وروسيا (حيث يتم تقسيم العديد من الأقليات العرقية بصعوبة إلى جمهوريات)، على أنها اتحادات متعددة الجنسيات، أما جمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا ونيجيريا، فهي مواقع لما يُدعى “بناء الأمة”، حيث ثمة حاجة إلى تحويل قبائل متنوعة إلى أمم ودول. وهكذا، فإن ما يعد فيدرالية في أي مكان آخر يصبح قبَلية في إفريقيا.
بل إن أفريقيا، حتى كمفهوم جغرافي، تظل إشكالية. غالبًا ما يتم تقسيم القارة بين شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، وهو تمييز يعود إلى القرن التاسع عشر ويتجذر في المعتقدات العنصرية حول الاختلافات بين المجموعات في المناطق الشمالية ذات الغالبية العربية وتلك الموجودة في ما كان يسمى آنذاك “أفريقيا السوداء”.
وعلى سبيل المثال، أطلق الفيلسوف الألماني، جورج هيجل، على الجزء الشمالي من القارة اسم “إفريقيا الأوروبية” من أجل تطويع الإرث الثقافي لمصر وجذبه إلى أوروبا بينما ينفي أن إفريقيا كانت في أي وقت على الإطلاق جزءًا من حركة التاريخ. ويعمل الاستخدام المستمر لهذا التمييز على إدامة التفريع غير المبرر للقارة في الخيال العالمي.
تمكنت إفريقيا أيضًا من الوجود خارج الزمن. إنها القارة الوحيدة التي يكتفي الباحثون والمثقفون باختزال تاريخها إلى ثلاث فترات فقط: فترة طويلة هي ما قبل الاستعمار؛ وفترة استعمارية قصيرة نسبيًا؛ وفترة ما بعد الاستعمار المستمرة إلى الآن. ونتيجة لذلك، يدور الجزء الساحق من التاريخ الأفريقي حول الفتح الأوروبي لمعظم أنحاء القارة في أواخر القرن التاسع عشر.
ولك أن تقارن هذا الفهم للماضي الأفريقي بما يماثله في أوروبا. هناك، يقسم العلماء والباحثون التاريخ الأوروبي إلى مجموعة كبيرة من الفترات، من العصور القديمة الكلاسيكية، إلى ما تسمى العصور المظلمة، والعصور الوسطى، وعصر النهضة وما إلى ذلك. لا أحد يعمد إلى تحقيب تاريخ أوروبا ببساطة من حيث علاقته الاستعمار.
أما إفريقيا على الناحية الأخرى، فهي الأرض التي نسيها الزمن، والتي جُرَّت إلى مسيرة التاريخ فقط من خلال مواجهتها مع أوروبا.
والنتيجة التي لا يمكن إنكارها لهذه الطريقة في التفكير هي المحو شبه الكامل لأفريقيا؛ لحياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية؛ لمساهماتها الفكرية؛ وسِيَر مفكريها من سجلات التاريخ العالمي. والتحدي المتمثل في استعادة إفريقيا من هذا الوجود المُسكَت هو الذي يدفع كتاب “مولودة في السواد” Born in Blackness، الكتاب الأحدث للكاتب والصحفي هوارد فرينش (1).
وهو كتاب يجمع بين أدوات التحقيق والوصف التي تتوفر لمراسل صحفي محنك كثير الترحال، والمؤهلات العلمية لأكاديمي يعمل داخل الأرشيفات.
ويستكشف الكتاب العلاقات المعقدة بين الأفارقة والأوروبيين في القرون التي سبقت فرض الكولنيالية الرسمية على القارة في نهاية القرن التاسع عشر، رافضًا الكثير من الأفكار السائدة حول هذه الفترة. وبعمله ذلك، يهدف فرينش إلى تحقيق شيء أكبر من مجرد إلقاء ضوء على ماضي إفريقيا: إنه يوضح في هذا التوليف الرائع أن إفريقيا لم تكن أبدًا هامشية بالنسبة لصناعة الأحداث العالمية؛ إنها، بالأحرى، هي المكان الذي نشأ فيه العالم الحديث.
أفريقيا في المركز
تلعب إفريقيا دورًا محدودًا فقط في القصة التقليدية عن نشوء العالم الحديث. فقد دفعت الحاجة إلى إيجاد طرق تجارية بديلة إلى آسيا رحلات الاكتشاف الأوروبية في القرن الخامس عشر وما بعده. ووجد الأوروبيون الأميركتين بالصدفة، ويتكشف تطور العصر الحديث من هناك: الإبادة الجماعية للشعوب الأصلية، وتوسع الاستعمار الاستيطاني، وتطور تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، وصعود الرأسمالية والثورة الصناعية التي خلقتها، والإمبريالية التي حولت أوروبا إلى قوة اقتصادية عالمية. ولا تدخل الأحداث التي جرت في إفريقيا في هذه الرواية حتى نمو تجارة الرقيق، وبعد ذلك تظهر القارة صامتة فقط، كمصدر للهيئات التي تم وضعها قيد العمل من أجل تكوين ثروة هائلة.
يسعى فرينش إلى تفكيك هذه الرواية وقلبها رأساً على عقب. لم تكن إفريقيا مجرد ساحة للسيطرة الأوروبية أو عرضًا جانبيًا في دراما الإمبراطوريات البحرية الناشئة والشبكات العالمية، بل كانت في الحقيقة مركزًا لقصة أكثر تعقيدًا.
يكتب فرينش: “لم يكن الدافع الأول لـ’عصر الاستكشاف‘ هو توق أوروبا إلى تشبيك العلاقات مع آسيا، كما تعلم الكثيرون منا في المدرسة الابتدائية”، وإنما كان، بالأحرى، رغبتها التي بعُمر قرون في إقامة علاقات تجارية مع السود الأغنياء بطريقة أسطورية في مجتمعات مختبئة في مكان ما في قلب ’أحلك‘ مناطق غرب إفريقيا”. وقد أبحرت البعثات الاستكشافية البرتغالية والإسبانية على طول ساحل غرب إفريقيا في القرن الخامس عشر بحثًا عن الذهب. وبعملها ذلك، قامت بتفكيك بعض الأساطير التي كانت تحبط الاستكشاف، ووصل المستكشفون إلى رأس الرجاء الصالح في العام 1488.
وقد اعتمد كل من كريستوفر كولومبوس وبارتولوميو دياس، إذا ذكرنا اثنين فقط على سبيل المثال لا الحصر من أشهر بحارة أيبيريا، على المعرفة والمهارات التي تراكمت في هذه الرحلات لإطلاق رحلاتهما إلى الأميركتين.
يذكِّر فرينش القراء بأن إفريقيا لم تكن معزولة في أي وقت من الأوقات عن بقية العالم، وإنما ظهرت بوفرة في الخيال الأوروبي كمكان للثروات العظيمة.
وقد تعاظمت أسطورتها من خلال قصة الحج غير العادي (والمفرط في الإسراف) لمانسا موسى، ملك مالي الذي سافر إلى مكة في العام 1324 في قافلة محملة بالذهب ومكونة من 60.000 شخص، الذين وزعوا الهبات في كل محطة مروا بها على طول الطريق.
(من الواضح أنه ترك ثروة كبيرة في القاهرة لدرجة أن تجارها اضطروا إلى مواجهة التضخم الذي تلا ذلك لأكثر من عقد). وقد سك البرتغاليون الذهب في إلمينا، على الساحل الجنوبي لغانا الحديثة، وفي العام 1471 وخلال عقد من الزمن قاموا ببناء الحصن الذي ما يزال قائماً حتى اليوم.
يعتمد فرينش على مواد رائعة من العديد من المحفوظات في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، يسلط الضوء على الاكتشاف الاستثنائي لمنشور للتعليم المسيحي بلغة البانتو التي يتحدث بها الكيمبوندو في ليما في القرن السابع عشر، وهو ما يوفر مقياساً للدور النشط الذي لعبه الأفارقة في غزو وتحويل أميركا اللاتينية، والأكثر من ذلك، أنه علامة على “التهجين” creolization -خلط الثقافات والهويات وخلق ثقافات جديدة- التي يعتبرها فرينش من أعمدة العالم الحديث.
وغالباً ما تكون التفاصيل التي يضمِّنها كاشفة موحية، مثل سرد كيفية قيام البحارة البرتغاليين بشق طريقهم شرقًا على طول الساحل الأفريقي والتعامل مع التشكيلات السياسية الأفريقية المعقدة، مثل مملكتي بنين والكونغو. ويوضح استحضارُ فرينش الدقيق لمثل هذه الأحداث بوضوح كبير غيابها الصارخ عن السرد التاريخي التقليدي.
تكشف ديناميات هذه التفاعلات بين الأفارقة وشركائهم التجاريين الأوروبيين عن العديد من الأخطاء في أنماط التفكير السائدة، بما في ذلك فكرة أن الأفارقة كانوا ضحايا بشكل أساسي في هذه المواجهات -وهي وجهة نظر روجها مؤيدو إنهاء الاستعمار الذين يتصورون أن علاقات إفريقيا مع أوروبا كانت واقعة في شرَك التبعية والخضوع إلى الأبد.
على العكس تمامًا، يجادل فرينش بأن الزوار الأوروبيين للدول الأفريقية، كبيرة كانت أم صغيرة، غالبًا ما كانوا يتعاملون مع مضيفيهم الأفارقة على قدم المساواة ويحترمون سيادتهم، بما في ذلك في الفترة التي أدت إلى ظهور تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. وقد يكون من الصعب رؤية هذا النوع من التفاصيل الدقيقة والتاريخية بفضل المفاهيم المتكلفة للتاريخ الأفريقي التي تحيل كل ما حدث قبل أواخر القرن التاسع عشر إلى فترة واحدة غير متمايزة لم يحدث فيها أي شيء ذي أهمية حقيقية على الإطلاق.
من أسواق الرقيق إلى المقاهي
لم تكن إفريقيا مجرد شرارة لإطلاق “عصر الاستكشاف” في أوروبا -وهو مصطلح حميد بطريقة مدهشة للرحلات التي أدت إلى الإبادة الجماعية والغزو والاستعباد. ويطرح فرينش ادعاءً أكثر طموحًا، مع ذلك: يمكن للمؤرخين أن يجدوا في هذه التفاعلات الأوروبية المبكرة مع إفريقيا أسس العالم الحديث.
لقد “ولدت الحداثة في السواد”. ويُظهر فرينش أن جميع المؤسسات والممارسات تقريبًا التي ترمز إلى الاقتصاد الحديث، ومصادر ثروة أوروبا وأميركا الشمالية، وظهور أشكال ثقافية أصلية ضرورية جدًا للحياة الحديثة -في مجالات متنوعة مثل الدين، والموسيقا، والفلسفة، والطعام- يمكن إرجاعها كلها إلى سوابق في إفريقيا وإلى العلاقات المبكرة بين الأفارقة والأوروبيين.
على سبيل المثال، استخدم البرتغاليون جزيرة “ساو تومي” São Tomé منذ بداية القرن السادس عشر تقريبًا لتطوير النموذج الأولي لاقتصاد المزارع الذي انتشر لاحقًا عبر الأميركتين.
وكانت هذه جزيرة غير مأهولة سرعان ما أصبحت قاعدة لبعثات جلب العبيد في المناطق الداخلية من غرب إفريقيا. ثم استخدمت البرتغال الجزيرة كمكبّ للمدانين وغيرهم من غير المرغوب فيهم، بمن في ذلك اليهود، الذين انضموا إلى العبيد الأفارقة في العمل في مزارع قصب السكر ومصانعه الجديدة.
وأصبحت ساو تومي فيما بعد سوقًا للعبيد كان يوفر العمالة لمناجم الذهب في إلمينا، ولاحقًا للأميركتين. وقد بُني النموذج الاقتصادي الذي أنتج ثروة الدول الرائدة في العصر الحديث في أوروبا الغربية والأميركتين، على الاستغلال المفرط للعمالة الأفريقية، أولاً في إفريقيا، والذي “سرعان ما انتشر بعد ذلك إلى العالم الجديد، مع كل اللاإنسانية الوحشية البشعة المتأصلة فيه”.
وفي أماكن أخرى، مكَّن استغلال العمالة السوداء تطوير أشكال ثقافية ما تزال منتشرة وقوية حتى اليوم. لم تنتج العبودية الأساس المادي لثروة العصر الحديث فحسب؛ كانت أيضًا جزءًا لا يتجزأ من إنتاج القهوة والسكر.
وفقًا لفرينش، فتح أول مقهى في أوروبا الغربية أبوابه في العام 1650 في أكسفورد. وجذب “توفر المشروبات الساخنة والمحلاة والمحفزة” الناس إلى المقاهي في جميع أنحاء أوروبا وساعد على بناء ثقافة الحوار والنقاش التي من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى “المجال العام الحديث”.
ما مِن شك في أن كتاب فرينش مغيِّر للقواعد. لكنه يعاني في الحقيقة من بعض الإغفالات المؤسفة. كان الدافع الرئيسي لعمل فرينش هو استعادة الوكالة الأفريقية والدور الذي لعبته القارة في سرديات أصول الحداثة.
ولذلك، من المدهش، بل المنطوي على مفارقة، أنه لا يستفيد من المساهمات الفكرية للمفكرين الأفارقة في الجدل الدائر حول الحداثة التي يستكشفها. وباستثناء الحُكام الذين جعلهم حاملين معياريين للواء الوكالة الأفريقية، يتخطى فرينش الكيفية التي استجاب بها المثقفون الأفارقة للغزو والاستعمار الأوروبيين.
ومع ذلك، تصبح المفارقة أعمق بالنظر إلى الدور الأساسي الذي لعبه غرب إفريقيا، بما في ذلك غانا الحديثة، في إنتاج بعض الاستجابات الفلسفية والسياسية الأكثر أهمية للحداثة، مثل “دستور كونفدرالية فانت” (2)، الصادر في العام 1871، والذي يصنف كواحد من الجهود المبكرة في وضع دستور ليبرالي خارج أوروبا والولايات المتحدة. ويستحق دستور جمهورية ليبيريا أن يولى اهتمامًا جادًا، نظرًا لاعتماده شبه الكامل للمبادئ التأسيسية لدستور الولايات المتحدة -التي تم تبنيها كإدانة لفشل الدولة الأصلي في الوفاء بمُثُلها عندما يتعلق الأمر بمواطنيها السود.
كان بإمكان فرينش أيضًا استكشاف كتابات القرن التاسع عشر للكاتب السيراليوني جيمس أفريكانوس بيل هورتون، والمفكر الليبيري إدوارد ويلموت بلايدن، والكاهن الأميركي الأسود ألكسندر كروميل، الذين سعوا جميعًا إلى إصلاح المجتمعات الأفريقية وإعادة تشكيلها وأدانوا المستعمرين الأوروبيين على نفاقهم المتمثل في حرمان الأفارقة من العقيدة الأساسية للعصر: حق البشر في أن يكونوا مؤلفي حيواتهم الخاصة وألا يُحكموا من دون موافقتهم.
وقدمت كتاباتهم مطالب وأطروحات جريئة وعالمية، وأظهرت كيف خلقت الحداثة، ليس فقط على أيدي الأوروبيين ولكن على أيدي الأفارقة أيضًا.
لعل أعظم مساهمة يقدمها كتاب فرينش هو الكيفية التي يبرز بها هذه النقطة بالذات. ربما تكمن بعض أسس العالم الحديث في “النهضة” و”الإصلاح” الأوروبيين، لكن هذا العالم لم ينبثق ببساطة كقماشة واحدة كاملة من أوروبا.
على سبيل المثال، تطلب الأمر من الثورة الهايتية، التي بلغت ذروتها بطرد الفرنسيين من هايتي في العام 1804، توضيح أن قيم الحرية، والمساواة والأخوة، هي قيم عالمية حقًا ولا يحدها العرق. ولم يكن الأفارقة والشتات الأفريقي متفرجين، وإنما كانوا عناصر أساسية في صنع العالم الحديث.
في السنوات الأخيرة، قام عدد متزايد من السياسيين وغيرهم في أوروبا وأميركا الشمالية (غالبًا من اليمين المعادي للمهاجرين) بإعادة إنتاج الخطاب القديم للقرن التاسع عشر المتمثل في الإشادة بالفضائل الاستثنائية المفترضة لـ”الحضارة الغربية” والحط من قدر ثقافات الأماكن الأخرى.
ويرى هؤلاء الحداثة على أنها الإرث الشرعي الحصري لمجتمعاتهم، بينما يصورون إفريقيا على أنها تقليدية -أو حتى “متخلفة”.
وبطريقتهم الخاصة، يرى منظرو إنهاء الاستعمار المناهضون للعنصرية العالم أيضًا من منظور ثنائي: كان الأفارقة ضحايا دائمين لجشع الأوروبيين، وما يزالون كذلك.
ويقدم فرينش وجهة نظر مختلفة تمامًا: أظهرت قرون من التفاعلات بين الأفارقة والأوروبيين أن الحداثة لا تنتمي إلى ثقافة معينة؛ إنها ميراث بشري. ولا يعيد كتاب فرينش صياغة التاريخ الأفريقي بقدر ما يسعى إلى إعادة تأطير التاريخ العالمي، والكيفية التي يتخيل بها الناس مكانهم في العالم.
*أولوفيمي تايوو Olúfẹ́mi Táíwò: أستاذ الفكر السياسي الأفريقي ورئيس مركز الدراسات والبحوث الأفريقية بجامعة كورنيل. وهو مؤلف الكتاب القادم “ضد إنهاء الاستعمار: أخذ الوكالة الأفريقية على محمل الجد” Against Decolonisation: Taking African Agency Seriously.
*نشرت هذه المراجعة تحت عنوان: Out of Africa: The Real Roots of the Modern World
هوامش المترجم:       
(1) هوارد وارنج فرينش Howard Waring French: (من مواليد 14 تشرين الأول/ أكتوبر 1957). صحفي ومؤلف ومصور أميركي، وكذلك أستاذ منذ العام 2008 في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا. قبل عودته إلى المجال الأكاديمي، كان مراسلًا صحفياً أجنبيًا قديمًا وكاتبًا بارزًا في صحيفة “نيويورك تايمز”. كتابه الأخير بعنوان: “مولودة في السواد: أفريقيا، الأفارقة، وصناعة العالم الحديث، من العام 1471 وحتى الحرب العالمية الثانية” Born in Blackness: Africa, Africans, and the Making of the Modern World, 1471 to the Second World War (منشورات ليفرايت، 2021).
(3) اتحاد (كونفدرالية) فانتي Fante confederacy: هو مجموعة تاريخية من الدول في ما يعرف الآن بجنوب غانا.
نشأ في أواخر القرن السابع عشر عندما استقر شعب فانتي من مانكسيم المكتظة بالسكان، شمال شرق كيب كوست، في مناطق شاغرة قريبة. وشكلت ممالك فانتي الناتجة اتحادًا كونفدرالياً برئاسة ملك كبير (البرافو) وكاهن كبير.
وامتد الاتحاد من نهر برا في الغرب إلى منطقة غا (مركزها في أكرا) في الشرق. وإلى الجنوب كان ساحل المحيط الأطلسي، الذي تنتشر فيه الحصون التجارية الهولندية والبريطانية. وإلى الشمال كانت إمبراطورية أسانتي المتوسعة.
قام شعب فانتي، كوسطاء في التجارة الأسانتية الأوروبية، بتخفيض قيمة ذهب أسانتي قبل بيعه إلى البريطانيين والهولنديين، وسيطروا على تدفق الأسلحة النارية الأوروبية إلى أسانتي.
وبعد عقود من العداء، قام ملك أسانتي، أوسي بونسو، بغزو اتحاد فانتي (1806-1824)، وتمكن من الوصول المباشر إلى الساحل. وبعد وفاته ، تراجعت قوة أسانتي، وفي العام 1831، تفاوض المسؤول البريطاني عن “كيب كوست”، جورج ماكلين، على معاهدة تنص على استقلال فانتي واستخدام أسانتي للطرق التجارية إلى الساحل. وبناء على ذلك، وسعت بريطانيا محمية غير رسمية في الجنوب. (موسوعة بريتانيكا)