الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من أفغانستان إلى الشام.. القيصر لم يتعلم شيئاً

من أفغانستان إلى الشام.. القيصر لم يتعلم شيئاً

17.08.2016
د. أحمد موفق زيدان


العرب القطرية
الثلاثاء 16/8/2016
عشت التجربة الأفغانية بتفاصيلها، فكنت مؤرخاً للحظتها كصحافي، لكن يبدو أن ذاكرة الروس كأسلافهم السوفييت والقياصرة من قبل مثقوبة، فأول درس أفغاني كان على الروس أن يتعلموه من تجربة كلفتهم 15 ألف قتيل وتمزيق بلدهم، أن الأرض لأصحابها الحقيقيين. لم ينفع بوتن من سبقه قوة وجبروت السوفييت، ولا مدد حلف وارسو، ولم ينفعه قربٌ جغرافيٌ متصلٌ بأفغانستان يُسهل عليه الحركة بخلاف الشام البعيدة عنه، ولم ينفعه حزب شيوعي عقائدي أفغاني عريق، فكيف ينفعه من هو دون ذلك بكثير في الشام.
اليوم وبعد أن انكمش الاتحاد السوفيتي إلى 15 دولة ممزقة ومفتتة، واقتصاد منهار، يظن قيصر الكرملين أن بمقدوره كبت شعب شامي صمد في وجه آلة حرب احتلال داخلية مخيفة، استكلبت مليشيات طائفية مجرمة ومعها قوة إقليمية أشد إجراماً كإيران، لإعادة الشاميين إلى قمقم الاستبداد، لكن ست سنوات لم تكن كافية، ويبدو أنها لم تكن كافية ليتعلم منها الاحتلال.
سيفيثلانا الكسيفيتش الفائز بجائزة نوبل للآداب كتب أخيراً كتابه "أصوات روسية من حرب منسية" عن المآسي التي أفرزتها حرب أفغانستان ولم يتعافَ منها الاتحاد السوفيتي بكبره الجغرافي والديمجرافي رغم مرور ثلاثة عقود على الهزيمة، فكيف بالمآسي التي ستجرها الشام على دولة تشكل عُشر ما كان يشكله الاتحاد السوفيتي جغرافية وديمجرافية وسياسة ومالاً يومها.
الدب الروسي لا يعرف إلا تكسير كل من يقف في طريقه، ولا يعرف المناورة، فكيف إن كان زعيمه لاعب جودو وكاراتيه، لا يعرف إلا الضربة القاضية للخصم أو ينتظرها منه، لكن نسي أو تناسى دائماً أن أجواء الشام لا تناسبه، ولذا لا بد أن ينكفئ مجدداً كما هي سيرته الأولى إلى سيبريا، فإن كانت أفغانستان قد تكفلت بتقليم أظافره فإن الشام لن تقبل بأقل من تقطيع أطرافه وليس حتى أطراف أصابعه.
بدأ بوتن من حيث انتهى جورباتشوف فقد استخدم القوات الخاصة المعروفة ب"السبيتناز" فور غزوه الشام، وهو ما لم يفعله السوفييت إلا في معارك جاجي على الحدود مع باكستان أواخر عام 1985.
ظن القيصر أنه استفرد بالحلبة السورية، ولا يدري أن غريمته أميركا جرّته إليها، وهو ما لم يخفهِ نظيره أوباما حين حذره من أول يوم دخلت فيه قواته سوريا أنه يتوجه إلى الوحل السوري، وهو ما ذكرنا بما قاله زبيجينو بريجنسكي مستشار الرئيس الأميركي كارتر يوم الغزو السوفيتي لأفغانستان أنهم كانوا يجرون القدم السوفيتية إليها.
راهنت موسكو أيام الغزو لأفغانستان على العنصر "الأقلوي" ولذا فقد أطاحت مباشرة بالرئيسين طراقي وأمين البشتونيين ونصبت بابرك كارمل عميلاً لها من العرقية الطاجيكية، لكنها عرقية مجاهدة قاتلت وأحبطت مخططات موسكو، ثم راهنت على الأوزبك والهزارة، ولكن كل ذلك لم ينفعها، ومن يريد أن يعرف صحة ذلك فلينظر إلى النفوذ الروسي الصفري اليوم في أفغانستان.
يتكرر اليوم المشهد الأفغاني في حلبته الشامية، فالأميركيون والغربيون يحذرون من التقسيم كما حذروا من قبل في أفغانستان، بينما المصلحة الروسية إبقاء الدول متماسكة، للتأثير عليها كدول بدل محميات فمصلحتها بوجود دول حليفة لها متماسكة للتأثير عليه، أو لخشيتها من أن تنسحب عدوى التقسيم إلى حزامها الرخو.
مأزق السياسة الروسية كما هي الأميركية وغيرهما أنهما لا يزالان حبيسي الماضي بالتعاطي مع الشعوب والدول، من خلال سياسة احتواء الدول، لكن الزمن تغير كثيراً، فلا أحد قادر على احتواء شعوب انتفضت وتمردت وأدركت طريقها، واستعدت للتضحية بنصفها وربما بأكثر من ذلك ثمناً للحرية، وما يجري في الشام وجرى في تركيا درس لمن ألقى السمع وهو شهيد، وأكبر جنرال في صالح الشعوب اليوم هو جنرال الوقت، تماماً كما هو أشد الأعداء عداوة للاحتلال والغزاة.