الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من اختطف سوريا البعث أم إيران؟

من اختطف سوريا البعث أم إيران؟

05.03.2014
مهند مبيضين


الدستور
الثلاثاء 4/3/2014
لطالما عاشت سوريا في ثوب الأيدولوجيا، وطالما علقت في شوارعها وانتشرت فوق قمم جبالها مقولات البعث، التي ثوت مع الزمان كمقولات ارتبطت بحكم آل الأسد وطائفتهم، فجعلت مستقبل سوريا مرتهن ببقاء الاثنين معا.
وفي سوريا منذ انقلاب حسني الزعيم في الثلاثين من آذار 1949 نمت نخب وطبقة سياسية كانت تسعى لدولة مدنية، لكن توالي الانقلابات أجهض كل محاولات الدمقرطة وانتهت كل تجارب الانتخاب التي عاشتها البلاد في الأعوام 1943، 1949، 1954، 1957، 1961إلى نقطة الصفر العام 1963 وهو عام سيطرة البعث على السلطة والمجتمع.
كانت سوريا منذ غلبت البعث عليها مصدرا لإنتاج الايدولوجيا ومصدرا للتقدمية التي انتهت إلى إسقاط الدولة في بطن الحزب، دون السماح بأي تعدّدية منافسة، ويعضد ذلك التحكم التزام عسكري ومخابراتي بتطويع كافة قوى الدولة لخدمة الأقلية التي تقودها، وفي المقابل كان هناك سماح لقوى البازار التقليدية وعدم منافستها في غِلالها المستحقة لها، مع تحالف ناعم مع المؤسسة الدينية التقليدية المكونة من: المفتين والعلماء والأئمة والخطباء والصوفية، وتكرس الرضا والتحالف بشدة بعد العام 1979 حيث قيام الثورة الإسلامية في إيران، إذ كانت القاعدة السنية مطلوباً منها الصمت على العلاقة مع ايران، وكان الثمن الحفاظ على امتيازاتها والتمثيل السياسي في المناصب العليا للدولة والحزب.
بعد ذلك راح النظام يستدعي الدعم من ايران والإنضواء تحت عباءة الملالي، مع السماح بدعم خط المقاومة التي ظهرت فيما بعد في لبنان، وكانت الاستدارة في عهد حافظ الأسد مقبولة نحو ايران، فهو لم يتماه كلياً بفلك طهران، أما في عهد بشار فكان الذوبان الكامل في المدار الإيراني.
فما كان على بشار الأسد الذي عُدل الدستور السوري  في العاشر من حزيران عام 2000 لأجل ان يحكم البلاد بشكل غريب في الوراثة الجمهورية، إلا أن يستدعي نموذجين لا يمثلا أي اختلاف عن سياسة والده، ولكنه أوغل بهما كثيرا، لحدّ الاستلاب.
والصورة التي كانت تعكس هذا الاستلاب، تلك التي كانت تنتشر في شوراع وساحات المدن السورية، وفيها يظهر بشار الأسد واحمدي نجاد وحسن نصر الله ملوحي بأيديهم للشعب. كانت الأيادي توحي باتجاه واحد، لكنها تبطن الكثير لسوريا التي اكتفى رئيسها بابتسامة لم تكن مفهومة إلا لمجرد أنه أراد ان يميز نفسه عن النموذجين الآخرين في الصورة.
كان ذلك يعني إلقاء السلطة والدولة في حضن  المذهب الشيعي، برغم أن الأسد الأب كان حذرا شيئا ما منه، ويتعامل مع الشريكين ايران وحزب الله كأوراق لعب، في حين أضحت سوريا ورقة لعب بيد إيران في عهد بشار، فألبست بثوب ديني برغم توجهات الرجل التحديثية والليبرالية التي كان يتوق إليها في بداية عهده.
هذا اللبوس الإيراني الطاغي على سوريا، كان يستدعي تحرير بشار من خصومه وإرث والده من الرجال الأقوياء الذين قد يعارضون توجهاته أو يتحفظون عليها، وتمّ ذلك إما بالاعتزال والإِبعاد أو الهرب أو القتل؛وذلك حاضر في نماذج عبد الحليم خدام وغازي كنعان وآخرهم ربما فاروق الشرع المُبعد أو المعزول.
في موازاة العيش في الماضي المقاوم وفي الايدولوجيا البعثية التي تحولت إلى عسكرتارية سياسية وشعبوية، تحول الريف والطبقة الوسطى إلى كتلة ساخطة ضد النظام، وضد قمعه وتسلطه ونفوذ الطائفة. فكان لا بدّ من الثورة ضد عائلة تحكم باسم حزب وضد حزب يتحكم به مرشد ايران وقادتها. وهكذا كان الشعب سهل التناول وسهل القتل من قبل الأطراف الثلاثة البعث وايران وحزب الله، وذلك ببساطة لأنها أطراف لا تنتمي إليه ولا صلة لها به.
خسرت سوريا مع البعث مدنيتها وتقدميتها، وصارت دولة تصدر الهوية الضيقة في الحكم، فانتهى إلى نظام لا يقاوم إسرائيل بل يقاوم شعبه، وكي يُفسر النظام بشاعته أنتج التطرف وأنتج التشدد وحول المواجهة من حالة ثورية محقة في مطالبها، إلى مواجهة مع الإرهاب والتطرف.