الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من الذي يهلل للأنفال؟

من الذي يهلل للأنفال؟

05.04.2014
علي ديوب


الحياة
الخميس 3/4/2014
"يُقبل منا انتقاد النظام، ولكن لا يقبل انتقاد الثورة". قال أحد الناشطين المثقفين. وهو معارض ينحدر من الطائفة العلوية، هلل للثورة وعلّق عليها آماله المؤجلة التي حبسها خلف فمه المكموم، على مدى عقود. وكان يقصد بكلامه، هذه المرّة، زملاءه في المهنة وشركاءَه في الحلم، بإسقاط نظام الطغيان الأسدي، وإقامة سورية الحرة الديموقراطية.
وفي توضيحه كتب: يكفي اعتراضٌ واحدٌ على معركة الساحل، حتى يشكك في ثلاث سنوات من الدأب والهمّ اليومي، لترمي المثقف العلوي بالشبهة أو بـ "العودة إلى الأصل"، بتعبير أحد الناشطين الأكثريين، ممن يزعمون العلمانية، ورفض التشدد و العنصرية.
يفسّر الناشط طبيعة الخلاف، بتناقض الرؤى السياسية، نتيجة لعبة النظام، التي لدى الأسد منها الكثير، وتفاوت من يعارضون على مبدأ ردّ الفعل. ولعل أهمّ أرباح النظام، تعود لهذا النوع من المعارضة، التي جرّت أصحابها، المرة تلو المرة، ومن حفرة إلى حفرة، من دون أن يتعظوا...!
في معركة الساحل الأولى، ضرب النظام عصافير عدة بحجر واحد. فأصاب، للمرة الأولى، هدفاً لطالما استعصى عليه، ويتمثّل بالجسد الصلب للمعارضين المستقلين والمكون من مثقفين وناشطين، ذكوراً وإناثاً، يجمعهم موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. وعلى ما في فاعليتهم من ضعف، ظلوا، خاصة بأصوات العلويين بينهم، دلالة تقضّ مضجع النظام بفشله في تفتيتها، وضربها ببعضهابعضاً؛ قبل أن تمكّنه معركة الساحل من هذا لأول مرة، حيث انتقل المعارضون المثقفون من المواقف المتطابقة إلى المواقف المتناقضة.
وما كان للمطابق أن ينتج غير المناقض، فتجلت الخلافات حادة، في موجة من الحجب الفايسبوكي المتبادل أعقب صدامات أليمة ارتفعت فيها النبرة الطائفية بصورة نزلت بمثقفين إلى سوية المتعصبين الطائفيين. واستخدمت فيها تهمٌ وأحكامٌ كانت سابقاً من آليات عمل النظام، ضد المعارضين، بلا تمييز، ثم من المهمات الموكلة إلى الموالين المتشددين، لملاحقة المعارضين من أبناء الطائفة العلوية، بتهمة خيانتهم النظام الذي يواجه مؤامرة عالمية، أو خيانة الطائفة (وفق المتكلم).
الخلاف الذي تفاقم في الرأي، بخصوص معركة الساحل الأولى، ومنذ حدوثها على يد الجماعات الجهادية المتطرفة، قام على اعتبار أن الموقف من المعركة تظهير لحقيقة معارضة أبناء الطائفة العلوية، من دون أية مراجعة لما يكتنز هذا المنطق من الاستبداد، بخاصة أنه يقوم على تحدٍ/ تعليل، يقول إن تقبّل مشاركة الأقليات (العلويين) في المحنة يقتضي منهم التحمّل الفعلي للآلام الواحدة، والخسائر المماثلة والمصاب المشترك كبرهان صادق على مزاعم "الأخوة في الوطن". في حين تمّ اتهام الرأي الآخر، لمجرّد ميله إلى ضرورة التيقظ أكثر لخطط النظام، وبالذات تلك التي تنفذها جماعات إرهابية ضخّها في جسد الثورة، فأحدثت أكبر الضرر فيها، ممثلاً برفض تلك الكتائب لمبادئ الثورة وأهدافها، وتكفير كوادرها وقادتها، ونقل الثورة من حيّز التعاطف الدولي إلى حيّز العداء للعالم. ما يوجب في المعارضة رفع منسوب التماسك، والتمسّك بالعقل، طرداً مع زيادة ضغوط النظام، لتحويل الثورة إلى صراعٍ طائفيّ محض، وأن هذا يقتضي استتباعاً ضرورة حشد حملات معارضة لاتساع دوائر الموت والتدمير، حملات يمكنها كسب حتى التأييد العالمي، لكي تأخذ دول العالم دورها، حين تطمئن إلى سلامة البديل.
"راحت، وجاءت الفكرة"، كما يقال. لكن القابلية للسّكْر بقيت على حالها، لدى الطرف المصاب بمعارضة رد الفعل. اكتشف الجميع أن معركة الساحل الأولى كانت معركة من تحريك المخابرات، لتشديد التفاف الأقليات حول النظام الذي أقنعهم وأقنع الغرب بأنه ﻻ بديل منه غير الإرهاب. لكن هاهم يقعون اليوم في الحفرة إياها، منجرّين خلف قيام الكتائب الجهادية، بقيادة النصرة، المصنّفة منظمة إرهابية، بمعركة الأنفال، في الساحل. وعلى رغم الخطر الذي يلوح خلفها، وسواء كانت سهماً من جعبة الملالي أم من سهام النظام أم من اجتراحات كتائب تجاهد بالأجرة، فمن الجائز أن يحمل الأمر تطهيراً عرقياً للساحل، من جملة عدد من النتائج الأخرى المدمّرة.
ولا يحتاج المرء إلى طول تفكير كي يخمّن من هو المستفيد من تحقيق مناطق نقية طائفياً يصبح معها التقسيم تحصيل حاصل، يفرض واقعاً جديداً على السوريين وعلى العالم، ولكنْ بعد مجازر ﻻ يعلم فداحتها أحدٌ، في ظل وجود مئات آﻻف الحلبيين السنة المهجرين في الساحل حيث يتخذهم النظام درعاً ورهينة لآخر أوراقه التي قد تكون أكثر تخويفاً للعالم من الكيماوي.
الخلاف يشتد أكثر من ذي قبل، حول مكان وجود رأس الأفعى: هل هو في القرداحة (الساحل)، أم في دمشق. ومعارضو النظام صاروا معارضين لبعضهم بعضاً بحيث تضيع صرخةٌ عاقلة تطالب بضرورة حشد المقاتلين تحت قيادة واحدة - هي قيادة الثورة المعترف بها دولياً، والتي تم انتزاعها بدم سوري غزير، تحت طائلة اتّهام من يرفض ذلك من المجاهدين بتهمة الإرهاب، وإﻻ فسوف تبقى هذه الكتائب حزام الأمان للنظام. هذه البديهة ليست بدعة، وهي تعود إلى بدايات الثورة، متلازمة مع انتقاء النظام للسلميين من المعارضين، اعتقالاً وتصفية تحت التعذيب أو طرداً... الخ؛ فيما يزيد رصــيده من تشكيلات متطرفين يفرج عنهم من سـجونه، بعد إعداد طويل.