الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من القاهرة إلى موسكو

من القاهرة إلى موسكو

08.02.2015
نجاتي طيّارة



العربي الجديد
السبت 7-2-2015
بدون جداول أعمال ولا دعوات مؤسساتية، شارك معارضون ومثقفون سوريون في مؤتمري القاهرة وموسكو، خلال الشهر الفائت. تم الأول بدعوة من المجلس المصري للشؤون الخارجية، والثاني بدعوة من معهد الاستشراق الروسي. ما أريد له الإيحاء بدور منظمات مجتمع مدني، أو مؤسسات بحثية مستقلة، بينما لا تخفى على أحد علاقة الاثنين بوزارتي الخارجية في البلدين. وفي حين يبدو ذلك علامة على توجه السياسة المصرية للعب دور جديد، في المسألة السورية، بعد طول غياب. فإن دور السياسة الروسية شديد الوضوح في ذلك، وطالما لعب دوراً منحازا كليا للنظام السوري، بل وكان في طرفه على الدوام.
هكذا، ليست المشكلة، في المؤتمرين، في البلدين الداعيين وسياساتهما، فالدول والحكومات لا تكف عن ممارسة السياسة ولعبتها، وذلك مبرر وجودها، لكن المشكلة في المعارضين، أو من يمكن أن يعتبروا أنفسهم معارضين، ويمارسون دوراً سياسياً وطنياً، بهذا المعنى أو ذاك. فمنذ البداية، قبل المعارضون الذاهبون إلى القاهرة إقصاء أطراف وازنة أخرى من المعارضة وعدم دعوتها، وهي أطراف لا تقل عن أهميتهم على الأقل. وبذلك، ناقضوا ادعاءاتهم الديمقراطية، أولاً، كما خضعوا لسياسات الدولة المضيفة ثانياً. وفضلاً عن قبولهم الخضوع لانتقائية المضيف في دعوة تياراتهم، فقد حذفوا تجربة السنوات الأربع من عمر الثورة السورية، وبدوا، في بيانهم الأخير، كما لو أنهم ينطلقون من الصفر. أي من رؤيتهم وحدهم، وهم الـ 33 معارضاً الذين كانوا في إطار اجتماع القاهرة. إذ لم يتذكروا وثائق المجلس الوطني والائتلاف، ووثيقتي العهد الوطني والمرحلة الانتقالية، اللتين أنجزهما أكبر اجتماع للمعارضة السورية في القاهرة نفسها قبل أكثر من سنتين.
أما المعارضون الذين شاركوا في لقاء موسكو، التشاوري هو الآخر، فعلى الرغم من أن معظمهم لم يشارك في لقاء القاهرة، فقد كانت ورطتهم أكبر. إذ لم يخضعوا لشروط لقاء القاهرة وانتقائيته فحسب، بل دعاهم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مباشرةً، إلى الاتحاد مع النظام في الحرب ضد الإرهاب، ثم فاجأهم مدير المعهد الداعي، بإعلان مبادئ عبّر كلياً عن وجهة نظر النظام، كما صرح مشاركون. وذلك قبل أن يخففوا من وقع نقدهم له، ويبرزوا إشارة الإعلان إلى تضمنه وثيقة جنيف، وبناء خارطة الطريق لحل سياسي على
"سنسمع جعجعة كثيرة في مثل هذه المؤتمرات، ولن نرى طحينا، ما دامت قيادة الثورة والمعارضة السورية على هذا المستوى من التفتت" أساسها. لكن لقاء موسكو تميز بمشاركة وفد النظام الذي ترأسه ممثل سورية في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، في الحوار المباشر مع المعارضين المشاركين. الأمر الذي قابله ممثل هيئة التنسيق الوطنية، بالشكر على هذه التشاركية، والمطالبة بأكثر منها، في لفتة تدل على مدى الاستعداد للانفتاح على النظام، وقبل الاتفاق الواضح على أي رؤية أو برنامج للمستقبل.
بينما كان ممثل النظام يحيل أي طلب للتعاون والمشاركة، في أمور المعتقلين والإغاثة على سبيل المثال، إلى الوفد الروسي. وبذلك لم يجارِ الرغبة والأمنيات السلمية للمعارضين المشاركين، بل وأغلق الباب أمام ادعاء اي فعالية ميدانية مماثلة، في تبرير مشاركتهم.
ولوحظ أن بيان القاهرة دعا إلى مؤتمر وطني موسع، يعقد في الربيع المقبل، كما دعا إعلان موسكو إلى مؤتمر أوسع وآخر بعد شهر، ومن الواضح أنه لا تنسيق بين الدعوتين، وهما ستبقيان، على الأغلب، في إطار التمنيات، وما أكثرها في الأزمة السورية.
الأكثر أهمية في انعقاد اللقاءين أنهما تعبير جديد عن تخبط المعارضين السوريين، وافتقادهم الخبرة والرؤية السياسية الاستراتيجية. وهذا أمر لا نكشف فيه جديداً بطبيعة الحال. لكن، من الضروري تأكيده، من أجل المطالبة بدراسة تجربة الثورة والمعارضة السورية في السنوات الماضية. والتي لا يجوز إغفالها، والقفز فوق مؤسساتها ووثائقها. فالائتلاف الوطني السوري، على علّاته وضعفه الراهنين، منظمة وطنية ثورية سورية، تنبغي معالجة أخطائها ومشكلاتها، والارتفاع بها إلى مستوى منظمة تحرير وطنية، على غرار منظمة التحرير الوطنية الفلسطينية، كما جاء في مشروع إصلاح الائتلاف الذي تقدم به ميشيل كيلو، منذ فترة. إذ لا تبنى المؤسسات الوطنية أو تشطب كل يوم، ولا يجوز تغييرها وحذفها، بعد أن اعترف بها شعبنا والثوار ومعظم دول العالم. لكن، من الضروري تعديلها وإصلاحها بين فترة وأخرى، ووفق المتطلبات والظروف الطارئة، وعبر عملياتٍ تمهد لممارسة الديمقراطية في سورية المستقبل.
وقد كشفت تجربة اللقاءين المذكورين، عن تكرار معارضين بارزين التجارب الأولى في عمر الثورة. بالمشاركة في مؤتمرات متناثرة، هنا وهناك، والاستجابة لانتقائية الدول ودعواتها، والانخراط في سياساتها التي تلعب على إحياء شخصيات وإبراز أخرى. الأمر الذي طالما استخدمه النظام السوري في منعه بناء تيارات أو منظمات، واستبدالها برموز أو أفراد، كان يسهل عليه احتواءهم بأشكال مختلفة.
وفي هذا الإطار، ربما كانت أخطر نتائج اللقاءين، وخصوصا منها لقاء موسكو، وهي التي تحاول، ولو بصورة غير مباشرة، أن تشيع أوهاماً جديدة حول دورها وسيطاً، ومنبراً محايداً للحوار والتفاوض. بينما علمتنا السنوات الماضية، أنها، وفي ظل سياسة (بوتين ولافروف) حليف، بل وشريك في الحرب ضد الشعب السوري. لذلك، سنسمع جعجعة كثيرة في مثل هذه المؤتمرات، ولن نرى طحينا، ما دامت قيادة الثورة والمعارضة السورية على هذا المستوى من التفتت.