الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من الكاسب في لعبة الشرق الأوسط؟

من الكاسب في لعبة الشرق الأوسط؟

02.03.2016
عبدالوهاب الفايز



اليوم السعودية
الثلاثاء 1/3/2016
لا أحد يشك الآن في أن أمريكا هي الكاسب الأكبر من لعبة الصراع الدامي في الشرق الأوسط، وفي المقابل الخاسر الأكبر هو الأخ الروسي الذي انجرَّ إلى اللعبة بقوة وإصرار مما جعلنا في حيرة. هل تدخل الروس بشكله الحالي يخدم مصالحهم القومية؟ هل روسيا تبحث عن مكاسب تكتيكية قصيرة المدى على حساب مصالحها الإستراتيجية البعيدة مع العالمين العربي والإسلامي؟.
الأوضاع غامضة وتجعلنا نزداد حيرة من تدافع الأحداث وتوسع نطاق العنف. الأمر الواضح أن أمريكا تنظر بارتياح للأوضاع المؤسفة، وليس لديها سوى الزيارات الأسبوعية لوزير الخارجية للمنطقة ومؤتمراته الصحفية التي أصبحت نسخة مكررة، لا جديد فيها! أمريكا تتصرف بهدوء منتظرة المكاسب. طبعا أبرز مكاسبها ضمان أمن وتفوق حليفتها الرئيسية إسرائيل على جيرانها. نفط الشرق الأوسط لا يهمها بعد أن أصبحت من مصدريه، فأمنها القومي لن يتعرض لأية مخاطر رئيسية في حال تأثرت الإمدادات من المنطقة، المتضرر الدول الأوروبية ومعها الشرق الأقصى.
هي كاسبة أيضا مع تورط خصمها الروسي مباشرة بالنزاع في المنطقة، وهذا يفسر تساهلها وسماحها الواضح للدخول الروسي بالنزاع بدون تفويض من المجتمع الدولي، وأمريكا في هذا الجانب بيتها من زجاج، فقد احتلت العراق بدون موافقة دولية واخترعت كذبة أسلحة الدمار الشامل حتى تحقق أهدافها.
أمريكا، ومعها حلفاؤها الأوروبيون، هم الكاسب الأول من هجرة الأموال من المنطقة. منذ انطلاقة الربيع العربي خرجت مئات المليارات من المنطقة، وكلما اشتدت الأوضاع مأساوية يخرج المزيد، وما يجري دافع عملي إيجابي لاستعادة الأموال التي دفعت مقابل النفط، لإعادة تدويرها في الاقتصادين الأوروبي والأمريكي، وكان لهجرة الأموال أثر إيجابي على الاستيعاب الجزئي للأزمة المالية العالمية.
أيضا سوف تكسب من مشاريع إعمار ما خلفه الدمار بعد أن تستنفد الحروب أغراضها، فالطلب قادم على مشاريع البنية الأساسية في عدة بلدان، ولا ندري من القادم! أيضا شركات الأسلحة سوف تجد الأسواق المفتوحة لإعادة بناء الجيوش، فحالة الحرب والمآسي أدت الى تدمير الجيوش العربية وإضعاف قدرات الهجوم لدى الدول العربية، وهذا ضمان لأمن إسرائيل لعدة عقود قادمة.
أيضا أمريكا ستكون كاسبة لأن حليفتها الكبرى إسرائيل سوف تبدو أمام العالم (حمامة السلام) الحقيقية، وبعد تفجر الحروب الطائفية في المنطقة لن يرى العالم الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، إذ سيراها حالة طبيعية في منطقة تحكمها وتتحكم فيها الحالة الطائفية الجديدة.
إسرائيل مستفيدة من بروز الحالة الدموية للأنظمة الاستبدادية في سوريا والعراق، فهذه ربما تجعل الوجدان العربي، بالذات للأجيال الجديدة، أقل حساسية تجاه وحشية الاحتلال الإسرائيلي، فالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية التي استخدمت ضد المدنيين، ووحشية الجماعات الإرهابية التي تقتل على الهوية. مع الأسف، صور هذه الأوضاع المتداولة في أيدي الأجيال الجديدة ربما تجعل أفعال إسرائيل تجاه الفلسطينيين أكثر رحمة مما رَآه العالم في سوريا والعراق.
في جبهة السلام.. كما فعلت بريطانيا قبل مائة عام، أمريكا سوف تدفع بالسلام الشامل في المنطقة، وسوف تضع التطبيع الكامل مع إسرائيل من أساسات هذا السلام، وربما تدفع بهذا الاتجاه استثمارا لأوضاع الشعوب المنهكة في المنطقة، فبعد حالة الحروب والإفراغ من السكان، قد تجد حالة السلام بالرؤية الأمريكية فرصة القبول، وهذا التوجه للسلام يجعله محتملا مع استمرار حالة التهجير للأجيال الجديدة خارج المنطقة إلى أوروبا المتراجعة سكانيا والمحتاجة إلى عمالة.
نحن أمام حقبة خطيرة بدون شك، هناك من يكتوي بنارها، وهناك من يستمتع بالتنظير الفكري لتداعياتها، وهذه هي المفارقة المؤسفة!.