الرئيسة \  مشاركات  \  من تداعياتِ الانقلابِ في تركيا على جبهة حلب

من تداعياتِ الانقلابِ في تركيا على جبهة حلب

31.07.2016
د. محمد عادل شوك




مع تكشُّف خيوط الانقلاب في تركيا، ليلة: 15/ 7، و تزايد حدة التصريحات بين المسؤولين الأتراك و الإدارة الأمريكية على وجه الخصوص، جاءت الحملة الهوجاء من النظام و حلفائه، و بتغطية روسية كثيفة على مدينة حلب.
و قد حققت هذه الحملة جزءًا كبيرًا من أهدافها المتوخاة، و جعلت قوى الثورة السورية في وضع حرج جدًّا، ثم تطور الأمر ليطال قرابة أربعمائة ألف من المدنيين المتبقين فيها، غدوا في حصار شبه مطبق، مفروض عليهم من شتى الجهات، بعد إحكام حلفاء النظام سيطرتَهم على طريق الكاستيلو، الشريان الوحيد نحو الريف الغربي.
أتى كلُّ ذلك وسط غياب تامّ لأيّة ردة فعل، من معسكر أصدقاء الشعب السوري المزعومين، ولاسيّما أمريكا التي أصمّت آذنها و أغمضت عيونها عن كلّ الذي يجري هناك، لكأنّما الأمرُ لا يعني وزيرَ خارجيتها الذي لا يفتأ يحضِّرُ مع الروس لمفاجآت سيشهدها الملف السوريّ، و سيعلنُ عنها خلال أيام قليلة، في الأسبوع الأول من شهر آب.
الأمرُ الذي أثارَ كثيرًا من التساؤلات حيال هذا الصمّت الأمريكي؛ ولاسيّما أنّه يعطي الروس مكاسب ليست في صالح الإدارة الأمريكية، و وزير خارجيتها، الذي بات لا يفوِّت فرصة للتبشير بخطتها المرتقبة.
لكنّ الأمر سرعان ما تتجلّى معالمُه، عندما يتمّ النظرُ إليه من زاوية العلاقات ( التركية ـ الأمريكية )، في منعرجاتها الأخيرة عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، التي يُنظر إلى أمريكا على أنها متواطئة فيها، هي و بعض الدول الإقليمية، بشكل أو بآخر، و بالطبع لن يتعدّى ذلك النظام و حلفائه أيضًا.
فأرادت أمريكا أن تظهر امتعاضها من توالي التصريحات التركية حول ذلك؛ بتنسيقها الأمرَ مع فتح الله غولن، زعيم ما يُسمّى في تركيا بـ ( الكيان الموازي )، المقيم في بنسلفانيا الأمريكية، و تطالب تركيا بإلحاح في تسليمها إليها بتهمة التخطيط و القيام بهذا الانقلاب.
و قد وجدت المكان المناسب لذلك جبهة حلب، التي كانت تشهد تصعيدًا جويًّا روسيًّا غير مسبوق، تمهيدًا لحصول اختراق ميدانيّ فيها، في مسعى منهما لتثبيت واقع يعزز موقف معسكر النظام في جولة مفاوضات آخر شهر آب، و في وثيقة التفاهم الروسية الأمريكية، المرتقب إعلانها من الوزير كيري خلال أيام.
و هي الخاصرة المؤلمة لتركيا؛ باعتبار أنّ الفصائل فيها محسوبة عليها، و من المناسب إرسال الرسائل إليها عبرها؛ عسى أن تكفّ حكومة أردوغان عن كشف المزيد من أوراق الانقلاب الفاشل، و تنسى أمر تسليمها فتح الله غولن.
و هي في مقابل ذلك تضمن أن تجعل بوتين يتوقّف عند حدود معينة، يكون فيها فرجة للمعارضة و المدنيين على حدّ سواء؛ و ذلك من خلال تثبيت الوضع الميداني، بحسب ما كان قبل التغيير الأخير في جبهة حلب، بموجب تفاهمات ( كيري ـ لافروف ) التي تمّت قبل ذلك.
و أيضًا بالإيعاز إلى حلفائها الأكراد، من قوات سورية الديمقراطية لفتح طريق الكاستيلو، الذي كان لهم مشاركة ملموسة و مباشرة في نزعه من أيدي فصائل المعارضة.
هذا فضلاً على تداعيات الاستدارة الأمريكية الأخيرة، عن القوى الإسلامية في الثورة السورية، التي تنظر إليها أمريكا على أنها مالأت جبهةَ النصرة ( جبه فتح الشام )، حينما تغوِّلت على الفصائل الأخرى ذات التوجّه المحليّ، التي كانت تُعدُّها أمريكا ضمن مشروعها البديل في مرحلة ما بعد الأسد.
و من غير المنتظَر أن تقوم تركيا بأفعال ذات تأثير مباشر على الواقع الميدانيّ في هذه الجبهة، في ظلّ انشغالها في إعادة ترتيب بيتها الداخليّ، و لا يتوقع كثيرٌ من المراقبين أن يُسفر لقاء ( أردوغان ـ بوتين )، في التاسع من شهر آب عن شيء ذي جدوى فيها أيضًا؛ إذ سيكون لقاء لتسليك علاقات البلدين الداخلية، أكثر منه في ملفات خارجية أخرى تجمع بينهما.