الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من حصار غزّة إلى حصار عرسال!

من حصار غزّة إلى حصار عرسال!

23.03.2014
بول شاوول


المستقبل
السبت 22/3/2014
"حزب الله" الذي ما زال يجاهد باسم إيران في سوريا دفاعاً عن النظام المتساقط، احتفل بانتصار مُبين، على أهل يبرود السوريين، بعد حصارهم، وقبلها احتفل بانتصاره "المُدوّي" على القصير، وقبلها احتفل بانتصاره الرائع على اسرائيل في حرب تموز. ولم تتوقف هذه الانتصارات هنا، بل داخلت فوزاً إلهياً في 7 أيار، وفي محاولة حصار الجبل... من دون أن ننسى انجازاته في عمليات اغتيال لرموز 14 آذار المتهم بها، ولا محاولة اغتيال النائب بطرس حرب (المتهم القديس محمود الحايك من كادرات سرايا العدوان الالهية يختبئ في رعاية الحزب)... انه حزب الانتصارات بامتياز. يعيش على واحد وينام على آخر، ويتمشى في فوز ويتوقف على آخر.
ونظن أن هذا الحزب فريد في "نجاحاته" نادر في تحقيقاته. بل تظن أنه قد انتصر في حرب تموز على اسرائيل قبل وقوع الحرب معها. وانتصر في 7 أيار قبل حدوثه (احتلال جزء من المدينة)، وانتصر في سوريا قبل ان يذهب إلى هناك، ينتصر سلفاً لأنه مؤمن بجهاده و"صادق" في مهامه، و"متنبئ" بكل النتائج. ولكن أروع ما في هذا الحزب انه بات اليوم "ينتصر وحده" لا يشاركه فيه إلاّ بعض بيئته المحضونة بالقمع والرعب والحديد. وهو من فرط انتصاراته عاد لا يميز نوعياً ولا مكانياً بين انتصار وآخر. فانتصاره على اسرائيل "مجيد"، وعلى أهل القصير "مجيد". وكذلك في 7 أيار "المجيد" وصولاً إلى يبرود "المجيد". وهذا يوصلنا إلى ان هذا الحزب اصيب بعماء الألوان والأجناس والجغرافيا والتاريخ. أصيب بتشوشات الحواس والنفوس، بحيث انه يُحِلُّ عدواً محل خصم، أو خصماً محل عدو، أو عدواً محل صديق.
وهكذا يتبين لنا أنه وكما "حرر" الجنوب والبقاع الغربي من الاحتلال الاسرائيلي، فقد أحَلَّ محلَ هذا الاحتلال احتلالين إيراني وسوري، فكأنما بديلان جاهزان لكن خارج ما يسمى "التحرير" بل الوصاية. وعندما عاد مظفراً من الجنوب أحلّ أكثرية شعبه محل الكيان الاسرائيلي من دون تمييز بينهما: المواصفات ذاتها والجهاد ذاته والعنف ذاته والقتل ذاته، وفكرة "الاحتلال" ذاتها. فلا فارق عنده إذاً بين جهاده ضد العدو الصهيوني وآخر ضد "العدو" الداخلي. فالوصم واحد والدمغ واحد والاستهداف واحد. ولهذا عندما يُسجل نصراً هناك في الخارج فكأنه يهيئ لنصر أقوى هنا في الداخل على ناسه. دائماً هناك "الأقوى". في استمراريته وتصاعده. ولكن الغريب ايضاً انه يفضل ان يقدم "الهدايا" من شدة جوده. فلمن يقدم نصره؟ (لأنه لم يهزم كالاسكندر المقدوني) ، فالهزيمة ليست هدية لأحد. لكنه "اهدى" كل انتصاراته لإيران. من الجنوب والبقاع الغربي، وحرب تموز والانقلاب المسلح على حكومة الرئيس سعد الحريري... واطلاق الطائرة بلا طيار حيث سلم نظام ولاية الفقيه المعلومات التي حصل عليها دون سواها (وهو عمل الجواسيس): لا للبنان، ولا للحكومة ولا للبرلمان ولا لأحد! بات معروفاً بجُوده وكرمه مع ايران "وكما تراني يا جميل أراك". فعندما سقطت يبرود سمعنا اطلاق نار، وأهازيج ومواكب سيارة وربما وزعت الحلوى وربما ابتهالات وشكر للاله القدير الذي اسقط هذه المنطقة التكفيرية في أيدي "الصالحين" من شعبه، والمختارين أبداً من ناسه. خلنا للوهلة الأولى انه احتفال بانتصار فريق كرة قدم على آخر. كما اعتاد اللبنانيون ان يفعلوا. لا! وألف لا! انه أعظم بكثير. وأروع. و"اعمق دلالة". فيبرود هي اسرائيل أخرى. كما كانت القصير. وحلب وحمص ودرعا ودمشق وبيروت. انه انتصار قوى الخير على الشر. قوى "الديموقراطية" على قوى الارهاب. قوى الحرية على قوى الاستبداد! نسينا المعنى والله! فلو لم يكن الانتصار على هذه الجلالة لما كان وقعه جليلاً إلى هذا الحد. لكن يبرود سقطت. وعلى الحزب أن يستمر (هذا ما تأمر به إيرانه وهو ايرانها) طبعاً في لبنان حيث باتت للحزب جذور في كل هؤلاء وفضاء وها هي عرسال جاهزة. مُؤَبلسة. ملعونة. تكفيرية. ارهابية. تقصف الجيش السوري النظامي بالبراميل المتفجرة. وبالسكود وبالكيماوي والطيران... تشن يومياً عدواناً على حزب الله في قلب سوريا! ولهذا تجب محاصرتها، وتطهيرها من "السلفيين" والارهابيين والمتشددين "أعداء الله" و"الأمة" لكن حصارها لا علاقة له لا بالدولة اللبنانية ولا بالجيش ولا بقوى الأمن: فقوات الحزب هي المعنية بهذا الحصار تماماً كما كانت معنية بحصار عدد من المدن السورية وهذا شأن دويلتها. حاصرت عرسال كما حاصرت اسرائيل بيروت عام 1982، بالجهوزية نفسها والحمية ذاتها وكما حاصر النظام السوري الأشرفية وزحلة (أيام الوصاية) وكما حاول الحزب أن يحاصر الجبل في 7 أيار. حصار تجويعي أمني في عرسال. منع الأدوية والطعام والطحين عن أهلها. رائع! لكن أي مصادفة هذه تذكر آنياً وطازجاً بحصار الحزب الإيراني عرسال بالحصار الاسرائيلي لغزة. حصاران متناغمان ومتشابهان كأنهما من تخطيط وتنفيذ عقل واحد. القوات السورية تقصف عرسال (ولا توفر عكار) بالطيران والمدافع واسرائيل تقصف غزة بالطيران والمدافع. اسرائيل تقطع الكهرباء والماء وتمنع المساعدات عنها وهذا ما يكرره حزب الله في عرسال. فعرسال هي غزة بامتياز! فهل ثمة تشابكات بين هذين الحصارين؟ ام مجرد مصادفة؟. أم انها الذهنية ذاتها. لكن هنا نستدرك: طيب اسرائيل تقصف وتحاصر الشعب الفلسطيني الذي تعتبره "عدواً" فما بال هذا الحزب يستعير الأدوات الصهيونية ليحاصر بها أهله اللبنانيين؟ غريب؟! لا! اسرائيل حاصرت بيروت للقضاء على الثورة الفلسطينية. لكن لماذا يستعير الحزب الالهي وسائل اسرائيل ليطبقها على أهله؟ وهذا يجري مجرى الاغتيالات: اسرائيل تغتال قيادات فلسطينية وعربية مقاومة لها وعدو لها، لكن لماذا يُتهم حزب الله باغتيال رموز كبار من شعبه، هم على خلاف او على اختلاف معه! اترى تكفي تهمة هؤلاء بالعمالة لاسرائيل لكي يصنفوا في مرتبة العدو الاسرائيلي! وتسأل بمَ اساء اليهم الشهيد الرئيس رفيق الحريري لكي "يُتهموا" باغتياله أو على الأقل بتنفيذ هذا الاغتيال. وكذلك الشهيد محمد شطح وقبله شهداء ثورة الأرز؟ والسؤال ذاته يطرح بشكل آخر: لماذا اغتال النظام البعثي على امتداد 40 عاماً رموز المقاومة الوطنية في لبنان، ورموز اليسار والعروبيين، رموز الفكر كالشهداء حسين مروة ومهدي عامل وسهيل طويلة وصولاً إلى كمال جنبلاط! لماذا تتماهى الذهنيتان بهذه التوأمة بين اسلوب الحزب التخويني (اليوم تكفيري) وبين كل الطغاة في التاريخ: من هتلر، إلى بينوشيه، إلى خامنئي، إلى بول بوت: انها لوثة القتل. جرثومة الجريمة. وها هي اليوم، تستمر عدواها في عرسال وطرابلس وقبلها في صيدا (عبرا)، والطريق الجديدة.... اذاَ، اتراها عنصرية "جينية" من نوع جديد! ام تراها عنصرية "مذهبية" غريب أن كل المناطق ذات الأكثرية السنية في لبنان (وسوريا واليمن والعراق..) باتت موازية للصهيونية بالنسبة إلى ايران وحزبها وسوريا وعملائها! غريب! وها هي اليوم تحاصر عرسال بطريقة اسرائيلية وطرابلس تُدمّر وصيدا مهددة وبيروت على الخط. غريب! اترى الصهيونية نفسها تبغي ذلك؛ كانت البداية مع الرئيس بوش عندما شن حرباً على العراق بالتحالف مع ايران... ثم سلم هذا البلد العربي أرومةً وتاريخاً للنظام الفارسي؟ أهذا ما كان يسمى "الهلال الفارسي أو الصهيوني"... الممتد من ايران وصولاً إلى تخوم اسرائيل لكي يظلمه في تسميته بالهلال الصهيوني: تدمير نسيج الأمة العربية بأكثرياتها واقلياتها دويلات أو كانتونات في مواجهة دول متاخمة لها تسعى إلى الهيمنة عليها... ام انها البذرة الأمبراطورية الشاهنشاهية "الملالية" المتجددة لاستعادة أمجاد الفرس القديمة تحت غطاء مذهبي! أترى موقف أوباما اليوم من سوريا يختلف عن موقف الرئيس بوش الإبن من العراق! الحفاظ على النظام السوري، متآزراً والايراني والعراقي مع المالكي... لوضع خطوط حمر نهائية حمايةً لاسرائيل. وقد نجحت تجربة النظام السوري في الجولان في كل عملية تخل بطمأنينة الاحتلال الاسرائيلي ودَعَته وراحته والاستمتاع بتهويده الجولان! كل ذلك أو كل ما ارتكبه الحزب على امتداد العقد الأخير، تمَّ بسلاح المقاومة. فهذا السلاح الذي حارب اسرائيل (السلاح الايراني) هو الذي يحارب اللبنانيين. وهو الذي يقتل ويحاصر السوريين. غريب. سلاح واحد وحزب واحد وقيادة واحدة تنقل اسلحتها وعتادها "وجهادها" وأمراضها وعقدها من جبهة الجنوب المتاخمة للعدو إلى جبهة الشرق والشمال، متمددة في كانتونها لتكون على تماس مع حدود لبنانية لم تعد حدوداَ لبنانية: بل سورية إيرانية! وبعدها رُتبت مسألة "ابتكار" "داعش" وتوأمها "النصرة" اهتدى الحزب ومعه النظام السوري إلى شعار مُغر، ولماع هو "محاربة" التكفيريين (في لبنان المضمون ذاته لكن بشعار "التخوين). رائع! انضم الحزب والنظام إلى أرجوزة "الغرب" من أجل ترعيب الغرب، "نحن نحارب من أجلكم الارهابيين! نحن نحارب من أجلكم القاعدة (بعض زعماء القاعدة موجود في ايران)، فساعدونا وأَكبروا دورنا. فنظام يُسقط البراميل المتفجرة على المدنيين ها هو يحارب الارهاب! نظام يُخون 90 بالمئة من شعبه ها هو يحارب الارهاب! نظام زجّ في السجون آلاف السوريين ها هو يحارب الارهاب.... نظام السكود يحارب الارهاب. نظام ارتكاب المجازر الجماعية يحارب الارهاب. رائع! ووراء النظام هناك حزب يحذو حذوه كالتلميذ النجيب الشاطر مشاركاً في كل هذه الجرائم ويدّعي محاربة الارهاب! حزب ينتمي إلى "ولاية الفقيه" التي قمعت الثورة الخضراء بالقتل وزجت مؤسسي الجمهورية الاسلامية في السجون يحارب "فتاها" في لبنان وسوريا الارهاب. الخميني أول من رفع شعار التكفير عندما كفّر كل حلفائه من الليبراليين والقوميين واليسار واليمين والعلمانيين الذين شاركوه في اسقاط نظام الشاه وذبح منهم أكثر من 20 ألفاً وها حزبه "اللبناني" يحارب "التكفيريين" وتعجب كيف يلبس الحزب "عباءة" التسامح، وعباءة "التنوير" الاسلامي وهو انما أسس ليكون من بذور الفتنة السنية الشيعية اسوة بالحوثيين وعملائه في العراق، وحرسه الثوري الفاسد مالاً وإدارة وسياسة إذاّ الحزب الذي انزله نظام "الملالي" بالبراشوت في سوريا... ها هو يحاضر بشعار ممجوج مفضوح محاربة الارهاب ويرميه على أكثرية اللبنانيين، وخصوصاً المناطق السنية (امتداداً لما يجري في العراق واليمن والبحرين لكن بعلمانية عالية!) وها هو أي الحزب والعميل رفعت العيد يحولان طرابلس إلى جحيم. ذلك لأن طرابلس منارة من منارات العروبة والتعدد والحزب منارة من منارات القومية الفارسية المطفأة! عرسال وطرابلس طالبتا الجيش اللبناني منذ اندلاع الحرب في سوريا باستلام الحدود. لم "يلب" طلبهما. طالبتا الجيش باعتبار طرابلس منزوعة السلاح، لم يُلب طلبهما لأن الحزب وضع خطوطاً حمراً على سلاح العميل رفعت العيد باعتباره "سلاح مقاومة" (عدنا إلى سلاح المقاومة). حزب الله سيطر على الحدود الشمالية الشرقية، في غياب أي قوة نظامية لبنانية! وراح يقصف عرسال احياناً من موقع "النبي شيت" وجرى تنسيق قصف عرسال وعكار بين النظام البعثي وحزب الله أي حزب هذا يشارك في قصف بلاده؟ عرسال كانت ولا زالت في عين العاصفة. واذا كان الجيش دخل اليها اليوم فهل سيتوقف قصف النظام البائد لها؟ تماماً كما حدث في طرابلس. السؤال: لماذا لم يتسلم الجيش الحدود الشمالية ولماذا لم يحول طرابلس مدينة منزوعة السلاح . انه "قُدس الاسرار". واذا كان هناك مطاردة منظمة من قبل الجيش للعناصر الارهابية الوافدة من سوريا فكيف توفر للحزب (او هو يوفرها لنفسه) دخول محمي حر وصريح له بالمدافع والأسلحة والسيارات المؤللة إلى سوريا: حزب الله مسموح له أن يشارك في سوريا... محمياً من جزء من الدولة... ولا نقرأ في الصحف سوى حملات "مبينة" توقف افراداً ضبطت معهم أو في منازلهم اسلحة (كلهم من موقع واحد: أي انهم متهمون بالذهاب لمحاربة النظام السوري، أو بالارهاب هنا) عال! نحن نوافق، لكن ماذا نسمي يا حزب البعث الايراني من فجّر المسجدين في طرابلس (55 قتيلاً) واين هم؟ أُخلي المتهم العميل عيد بسند اقامة! رائع! كما اخلي العميل الاسرائيلي فايز كرم بعد عام من سجنه؟! عميل اسرائيلي هنا يطالب باعدامه ثم يضغط لاخراجه. رفعت العيد تُهلل له "المنار" و8 آذار وارتكب عملاً ارهابياً اوكله اياه نظام ارهابي، ثم هذه الجهة نفسها تزعق مطالبة بمطاردة الارهابيين الذين فجروا سيارات في الضاحية. طرابلس الارهابيون "قديسون" وفي الضاحية "ارهابيون": على الأقل ساووا "عملياً" بين هؤلاء كما نفعل نحن وأكثرية الشعب اللبناني. أم الاثنان معاً ارهابيان!
اذاً عرسال محطة مفتوحة. وكذلك طرابلس. وصيدا والطريق الجديدة وعكار... والمعتدون الذين يستهدفون هذه المناطق السُّنية معروفون. ولن يتوقفوا! لا ببند المقاومة وسلاحها في الوزارة الجديدة. ولا بمعالجات باتت عقيمة. ويعود كل هذا لاسباب يعرفها الجميع ان الحزب (الذي مالأَ اسرائيل وطمأنها ولم يقترب من الجولان واعتبر ان العدو ليس من أولوياته. ولا من اولويات النظام البعثي). سيحارب سواء بمؤامرات او من خلف الستار أو بشكل سافر كل هذه المحطات السيادية لاخضاعها وترويعها وجعلها حظيرة من حظائره المذهبية المصنوعة في بلاد فارس!
اما من سيحمي عرسال على المدى البعيد. وعكار وصيدا وطرابلس من سلاح "المقاومة" السابقة فهذه اسئلة "عويصة" خصوصاً ان الذين وضعوها على مرماهم احلّوها محل تل ابيب والجولان. ولهذا احتفل الحزب بانتصاره في يبرود كما لو انه انتصر في الجولان. ولهذا حاصر هذا الحزب عرسال كما يحاصر العدو الاسرائيلي غزة!
الدروس واحدة... والانماط واحدة.. والذهنيات واحدة: هي عدوى الوسائل الصهيونية التي اعتنقها الحزب بكل حرية بعد أن أورثها اياها نظام ولاية الفرس!