الرئيسة \  مشاركات  \  من ذكريات انتفاضة الثمانين : أهل دوير الأكراد ، آووْا ونصروا !!

من ذكريات انتفاضة الثمانين : أهل دوير الأكراد ، آووْا ونصروا !!

12.05.2015
يحيى حاج يحيى





كلما سمعت باسم شهيد من السرمينية أو دوير الأكراد عادت بي الذكريات خمسة وثلاثين عاماًإلى الوراء !؟ فقد أقمت فيهمامعززاً مكرماً ، وأنا مهدور الدم للسلطة الفاجرة بسبب أحداث جسر الشغور١٩٨٠ ، إذ قام المخبرون بتسجيل صوتي ، وانا أدعو المجاهدين للحفاظ على مامعهم من ذخيرة ، والكف عن إطلاق الرصاص فرحاً ، والطلب من عناصر المخابرات العسكرية أن يستسلموا ولا يريق دماءهم ودماء أبناء الشعب !؟ و بالمرسوم ٤٩ الذين يجرم الإخوان المسلمين ويحكم بالإعدام على كل منتسب أو مؤيد لهم ، وقد طال هذا القانون المجرم كثيرا من الشرفاء ممن لم يثبت انتسابهم إلى أي توجه سياسي أو جماعة ، سوى أنهم أهل نخوة وحميٌة !؟
بعد يوم من الاستراحة في منزل الأخ محمد وسوف ، وهو أحد طلابي القدماء ، جاء الخبر بأن السلطة أحرقت منزلي ، وأن العريف النصيري يونس قام بإطلاق النار على النوافذ من مبنى البريد المجاور ، وكاد يصيب أحد أبناء عمومتي عبد الرحيم يحيى بحرو ، الذي تسلل لإخراج زوجتي وابنتي الصغيرتين !؟
وذكّرني والده -رحمه الله - بخطبة لي في مسجد السرمينية قبل عشر سنوات : كل بني آدم خطّاء ، وخير الخطائين التوابون ! ورأى الإخوة بعد أيام أن أنتقل إلى الدوير القريبة ، ففيها أنصار ومحبون ، وهي أمنع لكونها في أعلى الجبل ، وهكذا كان !!
أي نفع يرجوه مضيفي !؟ والقرار الذي أصدره الهالك حافظ أسد يجرم من يُؤوي أمثالي ، أو يتعاون معه !!
ومع ذلك فكل من علم أو ظن أني موجود بالقرية اعتبر نفسه مسؤولا ًعن حمايتي ، والحفاظ على سلامتي !
الشهيد محمد جمعة خليفة الذي استضافني طويلا ً ، وأحسست أني أثقلت عليه ، يلح علي بالبقاء إلى حد المنع من الخروج ، ويؤكد مقسماً بأن لديه خمسة آلاف ليرة ( وكان لليرة قيمتها نوعاً ما في الثمانين ) ثمن أساور زوجته ، وأنه مستعد لإنفاقها ، ولا يسمح بخروجي من القرية !
أبو عدنان سلو إذا أحس بأنني مكتئب يخرج بي إلى القرى المجاورة ليلا ًللترويح والاستماع إلى نبض الريف وموقفه بعد الأحداث ، ويعرفهم بي على أنني صديق له من أهل الغاب يتاجر بالأبقار !
الأستاذ الشهيد أحمد مليتوت و قد واساني واستضافني ، فتح في الجدار السميك نافذة تطل على الحاكورة ، ومنها إلى الجبل ، لأروح عن نفسي كلما شعرت بضيق في أثناء غيابه عن المنزل !
اكتمل عدد الأخوة الملتحقين بالجبل ،والقادمين من قرى المحافظة ، وصار لهم فئة يستطيع من شاء من المطلوبين الانحياز إليها ! ، فجاءني الأخ تركي أبو حمزة بدابة ومعه شاب صغير ذكي الفؤاد ، يتفجر حماساً ليكون دليلنا في اجتياز الجبل بشكل عرضي ، وقبل طلوع الفجر !؟
حزمت متاعي الذي لم يكن يزيد على ثوبين وسلاح شخصي وبعض الأوراق وكتابات كنت ضنيناً بها ، وما إن تجاوزنا بيوت القرية في الظلام الدامس ، حتى فوجئنا بشخصين يقتربان وبيد كل منهما عصا !؟ إنهما أم محيو وأم محمد خليفة ممن استضافوني طويلا ً!!
- لماذا تركت قريتنا ؟ هل أزعجك أحد ؟ نحن والأولاد جميعاً في خدمتكم ! لم أجب مباشرة ،وقد غلبني التأثر! ومن حسن الحظ أن الظلام كان مخيماً !؟ قلت : لا والله ! فقد كنتم أهلا ًبعد أهلي ، وجدت فيكم أماً وأختاً !؟ ولكن آن لي أن أذهب ، لأكون مع إخواني ، وجزاكم الله خيراً ، قالتا : نستحلفك بالله أن تعود إلينا ولا تذهب إلى مكان آخر !
مددت يدي ، وأخرجت قصاصة ورق ، وقلت للأخ أحمد : والله يعزُّ علي فراقكم يا أباعلي ، فجزاك الله وزوجتك كل خير ، فقد أكرمتني وأشعرتني بمعنى الأخوة وكأنها إحدى أخواتي الخمس !!
وتركت القصاصة في يده ، وأنا أعانقه ، ومضيت مع مرافقي الذي سألني عما تحويه القصاصة ، فكررت قراءة ما فيها على مسامعه !
وبعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً أستذكر الأبيات ، ومروءة أهل دوير الأكراد !!!! وأردد كلما ذكرتهم :
أهلُ الدويـر أحبّـائي وإخواني      خلّفتُ في ربعهم  قلبي ووجداني
لهم علـيّ يـدٌ مازلت ُ أذكرُها      يجزيهُمُ اللهُ إحسـاناً بإحســان
أرجو الإله بأن تبقى الدويرُ بهم      داراً نلوذ بها من كل عــدوان