الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من ضمنها أزمة اللاجئين! 4 ملفات هامة قد تتأثر برحيل أنجيلا ميركل نهاية العام 

من ضمنها أزمة اللاجئين! 4 ملفات هامة قد تتأثر برحيل أنجيلا ميركل نهاية العام 

09.03.2021
ساسة بوست


ساسة بوست 
الاثنين 8/3/2021 
أعلن الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في ألمانيا في منتصف يناير (كانون الثاني) 2021، عن انتخاب رئيس جديد يدعى أرمين لاشيت، ليشغل حاليًّا المنصب الذي لطالما شغلته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لأكثر من عقدين. 
وذلك بعد أن قررت ميركل التخلي عن منصب رئاسة الحزب في عام 2018، تمهيدًا لعدم ترشحها لشغل منصب المستشار الألماني عام 2021، بعد أن مكثت في المنصب، بفضل فوزها بثلاث دورات انتخابات متتالية منذ عام 2005 وحتى 2017. 
يوصف أرمن لاشيت بأنه السياسي الأوفى لأنجيلا ميركل ومن المتوقع أنه في حالة فوزه في الانتخابات؛ لن يميل إلى إحداث تغيرات جذرية في السياسة الألمانية سواء كانت خارجية أو داخلية. 
أرمين لاشيت وميركل 
شغل الرئيس الجديد للحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم، منصب رئيس وزراء ولاية شمال الراين وستفاليا، ويميل إلى الاتجاه اليميني المعتدل سياسيًا؛ تمامًا مثل ميركل. وقد خاض في الانتخابات داخل الحزب منافسة شرسة مع المحامي الألماني فريدريش ميرز المعروف بأفكارة السياسية المحافظة، وعلى الرغم من أن الأخير خسر رئاسة الحزب لصالح لاشيت بفارق 55 صوت فقط؛ فإنه من المتوقع أن يترشح بشكل مستقل عن الحزب الديمقراطي المسيحي، لمنصب المستشار الألماني. 
خلال فترة حكم أنجيلا ميركل؛ أحدثت المستشارة طفرة في العديد من الملفات على الصعيد الألماني والأوروبي، وفي هذا التقرير نستعرض ما قد يحدث في تلك الملفات عقب رحيل ميركل المحتمل نهاية العام الحالي. 
1. "الطريق إلى ألمانيا لم يعد مفتوحًا".. اللاجئون في أزمة 
في عام 2015 عبر البحر المتوسط حوالي مليون لاجئ معظمهم من السوريين إلى السواحل الأوروبية نازحين من بلادهم بسبب النزاعات والحروب الأهلية التي اشتعلت في المنطقة. 
طالبت المستشارة الألمانية ميركل حينها الدول الأوروبية بفتح أبوابها لاحتواء اللاجئين وتوفير فرص حياة أفضل لهم؛ وهو القرار الذي لاقى معارضة قوية من دولة أوروبية عدة، أهمها دول الجزء الشرقي من القارة العجوز مثل: التشيك وبولندا وسلوفاكيا والمجر التي شهدت التدفق الأول للاجئين السوريين. 
عارضت دول شرق أوروبا مبادرة ميركل بسبب سيطرة اليمين الأوروبي المتطرف على مقاليد الحكم فيها، وهو التيار السياسي نفسه الذي عارض مبادرة ميركل داخليًا في ألمانيا. لكن على الرغم من كل ذلك؛ فقد استقبلت ألمانيا منذ عام 2015 وحتى الآن نحو 3.6 مليون لاجئ أغلبهم من السوريين. 
استطلاعات الرأي في ألمانيا عام 2015 كانت تشير إلى أن 33% من الشعب الألماني يرحب بوجود اللاجئين في أرضهم؛ حتى أن الكثير من الألمان كان ينتظر اللاجئين السوريين أمام المخيمات وفي محطات القطارات بالورود ولافتات الترحيب؛ لكن تغييرًا سلبيًّا في رأي الشعب الألماني وقع بنهاية العام. 
ففي احتفالات رأس السنة في 2015 في مدينة كولون الألمانية وقعت مجموعة جرائم تحرش لفظي وجسدي؛ وانتشرت الكثير من الأنباء آنذاك أن من قام بهذه الحوادث كانوا ذوي ملامح شرق أوسطية؛ في إشارة إلى أن مرتكبي هذه الحوادث، من اللاجئين السوريين. 
وعلى الرغم من أن التهم لم تُثبت بشكل حاسم حتى هذه اللحظة، فإن تأييد الشعب الألماني لاحتضان اللاجئين انخفض في العام نفسه إلى 17% فقط! 
استخدم التيار اليميني الألماني وفي مقدمته حزب البديل الألماني حادثة كولون في الترويج لأفكاره المعادية للمهاجرين خلال الانتخابات النيابية والمحلية عام 2017؛ ونجح في انتزاع حوالي مليون ونصف صوت من القاعدة الجماهيرية التي انتخبت حزب ميركل في انتخابات عام 2013. 
مصير اللاجئين بعد رحيل ميركل مجهول حتى الآن، فطبقًا للقوانين العالمية لا يمكن لأي دولة إلغاء حالة اللجوء وطرد أو ترحيل من حصل على تأشيرة اللجوء من أراضيها إلا إذا ارتكب جريمة قوية. 
وعليه، يمكن القول بصعوبة ترحيل اللاجئين المقيمين حاليًا في ألمانيا قسرًا، لكن الظلام قد يخيم على مستقبل اللاجئين الجدد أو طالبي اللجوء الذين لن يسعفهم الوقت ليحصلوا على صفة اللجوء قبل نهاية عهد ميركل. 
ومن المتوقع أن يتسبب أي تغيير جذري سلبي في سياسة الحكومة الألمانية تجاه طالبي اللجوء، على المهاجرين في المستقبل، الأمر الذي قد يحدث إذا تحقق حلم اليمين الأوروبي بوصول حزب البديل الألماني إلى هرم السلطة الألمانية. 
وبالحديث عن أجندة خلفاء ميركل المتوقعين؛ فلم يتحدث أرمن لاشيت رئيس حزب ميركل الجديد، عن أي تغيير محتمل في سياسة الحكومة تجاه اللاجئين، لكنه في كل مرة يُسأل فيها عن سياسته تجاه المهاجرين، كان يؤكد ضرورة وجود حدود قوية بين الدول الأوروبية، ووجود قوانين فعالة تنظم حركة المهاجرين. 
في السياق نفسه صرح المرشح المحتمل الآخر فريدريش ميرز قائلًا: "الطريق إلى ألمانيا لم يعد مفتوحًا"، وجاء ذلك التصريح إجابة عن سؤال صحافي حول احتمالية ولوج اللاجئين إلى ألمانيا من معسكرات اللاجئين الموجودة في اليونان والبوسنة. وتعكس تلك الإجابة بشكل واضح السياسات الصارمة التي سوف ينتهجها ميرز حالة فوزه. 
2. من يقود الاتحاد الأوروبي بعد أنجيلا ميركل؟ 
في عام 2008 وبعد انتخاب ميركل في منصب المستشارة الألمانية بثلاث سنوات فقط؛ كان العالم على موعد مع أزمة كساد اقتصادي عالمي قوية، وكانت من ضمن الدول التي تأثرت بشكل كبير بالأزمة، اليونان، التي أعلنت إفلاسها بسبب اضطراب الاقتصاد اليوناني المتأثر بالأزمة العالمية. 
واليونان دولة مؤسسة داخل الاتحاد الأوروبي، وهي من أوائل الدول التي اعتمدت عملة اليورو بشكل رسمي عام 1999. وإعلان اليونان إفلاسها كان يعني انخفاض قيمة العملة الأوروبية، الأمر الذي لا يؤثر فقط في اليونان؛ بل في كافة دول الاتحاد الأوروبي التي تعتمد العملة نفسها، ومن ضمنها ألمانيا. 
آنذاك، بادرت ميركل بطرح خطة لإنقاذ اليونان من الإفلاس وإنقاذ اليورو من انخفاض قيمته. وبنت ميركل خطة الإنقاذ على محورين أساسيين؛ خفض الحكومة اليونانية ميزانيتها بنسبة كبيرة وأن تحصل اليونان على قروض مالية من الاتحاد الأوروبي ومن صندوق النقد الدولي. 
وبرغم كل المعارضات التي قابلت خطة ميركل لإنقاذ اليونان؛ نجحت المستشارة الألمانية يالنهاية في إقناع الـ16 دولة التي تعتمد عملة اليورو كي يصدقوا على الخطة، وقالت حينها تصريحها الشهير: "إذا سقط اليورو؛ سوف تسقط أوروبا، وهذا لا يجب أن يحدث". 
نجاح خطة ميركل لإنقاذ اليورو وضعها في مكانة القائد داخل الاتحاد الأوروبي، وبعدها كانت كل القرارات السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية الهامة لا تمر إلا إذا كانت أنجيلا ميركل في مقدمة مؤيديها. 
إعلان ميركل عدم سعيها للترشح لمنصب المستشارة الألمانية في أكتوبر (تشرين الثاني) 2021؛ يعني أن منصب "القائد" في الاتحاد الأوربي سيصبح شاغرًا؛ حتى أن المستشار الألماني الجديد سوف يحتاج للوقت كي يصل إلى المكانة التي وصلت لها ميركل. 
وبعد خروج بريطانيا رسميًا من الاتحاد الأوروبي، أصبحت فرنسا هي القوة الثانية مع ألمانيا في الاتحاد الأوروبي؛ ما يجعل الفرصة سانحة أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كي يملأ الفراغ الذي سوف تتركه أنجيلا ميركل في أكتوبر (تشرين الثاني) القادم. 
وجدير بالذكر، أن ماكرون قد أظهر في الآونة الأخيرة استعداده للقفز إلى هذه المكانة، فبرزت آراؤه على الصعيد الاقتصادي مثل دعمه للاتفاقية التجارية بين الصين وأوروبا، وعلى الصعيد السياسي والعسكري بدعمه لإنهاء عقود من الخلافات بين روسيا والاتحاد الأوروبي والنظر لروسيا على أنها حليف سياسي وعسكري مهم، فهل يخلف ماكرون ميركل؟ 
3. مصير التحالفات السياسية والاقتصادية بين أوروبا والتنين الصيني 
منذ اليوم الأول لميركل في المناصب السياسية الألمانية، وهي تبرز إيمانها الدائم بالتحالفات؛ فهي بالأساس لم تتمكن من اعتلاء منصب المستشارة الألمانية دون التحالف الانتخابي الذي أبرمته بين الحزب الديمقراطي المسيحي اليميني المعتدل، والحزب الأخضر الذي يمثل هو الآخر الاتجاه المعتدل لكن في الناحية اليسارية. 
وبالحديث عن علاقة الاتحاد الأوروبي بالصين؛ فهي دائمًا متذبذبة بسبب سياسات الصين الاقتصادية التي يغلب عليها الطابع الشيوعي الذي يمنح الحكومة السيطرة الكاملة على الأسواق التجارية؛ على عكس الأسواق الاقتصادية الحرة في القارة الأوروبية، فضلًا عن اعتراض دول الاتحاد الأوروبي الدائم على الممارسات السياسية للحكومة الصينية فيما يخص ملف حقوق الإنسان، وكان آخرها أزمة تعامل الحكومة الصينية مع أقلية مسلمي الإيجور في الصين. 
ولكن كما ذكرنا في البداية، فميركل تؤمن دائمًا بالتحالفات، وأن الحل الوحيد للضغط على الحكومة السياسية لتطبيق إصلاحات اقتصادية، يكمن في إنشاء تعاون اقتصادي تجاري بينها وبين دول الاتحاد الأوروبي يلزمها بتحقيق ذلك، وهذا ما أكده بيتر التماير وزير الاقتصاد في حكومة ميركل في لقاء صحافي أجراه مع صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية في يوليو (تموز) من 2020. 
ففي نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي نجحت ميركل في قيادة الاتحاد الأوروبي لإبرام الاتفاقية التجارية الأوروبي الصينية والتي قد بدأت المفاوضات فيها منذ سبع سنوات ماضية، وكانت ميركل بكل تأكيد المحفز الأساسي لدفع المفاوضات للأمام داخل أروقة الأعوام الماضية. 
من أبرز المؤيدين لتلك الاتفاقية هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعلى الرغم من أنه دائمًا يظهر مواقف معارضة للملفات السياسية والاقتصادية للحكومة الصينية؛ فإن موافقة الصين على تطبيق مبادئ مؤتمر باريس للمُناخ، دفع ماكرون لاتخاذ موقف إيجابي من الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والصين. 
ومن المفترض أن تتولى فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي في مطلع عام 2022، وهذا يشير إلى أن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والصين سوف يأخذ تطورًا جديدًا حال اعتماد الشراكة التجارية الجديدة التي دافعت عنها ميركل منذ البداية؛ ومن المتوقع أن يقود ماكرون مفاوضاتها إلى النجاح. 
4. هل يصبح الدب الروسي حليف الاتحاد الأوروبي؟ 
في عام 2015 نفذ مجموعة من القراصنة الإلكترونيين هجومًا على البرلمان الألماني وتمكنوا من تسريب عدد كبير من الرسائل الإلكترونية بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وأعضاء في البرلمان، بالإضافة إلى مجموعة ضخمة من البرد الإلكترونية بأعضاء آخرين في البرلمان الألماني. 
أعلنت الحكومة الألمانية في وقت لاحق أن نتيجة التحقيقات تقول إن من قام بالهجوم الإلكتروني مجموعة من القراصنة التابعين لهيئة المخابرات العسكرية الروسية. وسواء كان ادعاء الحكومة الألمانية صحيحًا أم لا؛ فهذا التصريح يعكس طبيعة العلاقات المتوترة بين ألمانيا وروسيا. 
في الواقع ومنذ أن أصبحت ميركل من الأعضاء البارزين في الاتحاد الأوروبي، لم تتوان لحظة عن مواجهة روسيا؛ ففي عام 2014 قادت ميركل حملة داخل الاتحاد الأوروبي لفرض حزمة من العقوبات السياسية والاقتصادية على روسيا بسبب احتلالها إقليم القرم الأوكراني، بل إنها وقفت ضد محاولات رفع تلك العقوبات مرتين، الأولى كانت في عام 2016، والثانية في العام الماضي 2020. 
لكن ماكرون يريد أن يسير عكس هذا الاتجاه، وأن يسعى نحو التحالف والتقرب من روسيا. إذ يريد الرئيس الفرنسي أن يروض الدب الروسي وينهي الانقسام بين دول الاتحاد الأوروبي وروسيا من خلال جعلها حليفًا سياسيًا وعسكريًا، وهو ما فشل في تحقيقه كل من باراك أوباما وأنجيلا ميركل عند بداية مشوارهم في قيادة أمريكا وألمانيا، بسبب تمسك روسيا بسياستها السياسية والعسكرية التي تمنحها القوة والتفوق على الغير. 
لكن على جانب آخر، يريد ماكرون أن يُحدث تحويلًا في الهيئة السياسية للاتحاد الأوروبي، من خلال التوقف عن الاعتماد على الدعم الأمريكي، وذلك للتخلص من السياسات التي سمحت لأمريكا بالتدخل في الشؤون الأوروبية عقب الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي سابقًا. 
ويرى ماكرون أن روسيا من الممكن أن تكون المنقذ من القيود الأمريكية، والحليف العسكري الجديد الذي يعوض غياب أمريكا عن المشهد الأوروبي. 
فهل ينجح ماكرون في تحقيق أهدافه؟ في الحقيقة الإجابة عن هذا السؤال قد تكون صعبة نوعًا ما، لأن ماكرون قبل أن يقفز إلى منصب "قائد أوروبا"، عليه أن يحافظ أولًا على منصبه رئيسًا لفرنسا، لا سيما وأن لديه تحديًّا كبيرًا في انتخابات الرئاسة عام 2022، وهو العام نفسه الذي سوف تترأس فيه فرنسا الاتحاد الأوروبي؛ وللنجاح في هذه الانتخابات فأمامه الكثير من التحديات في السياسة الداخلية الفرنسية.