الرئيسة \  مشاركات  \  من معاجم الألقاب : حسِبْنا الباشا باشا! ... وجدنا الباشا 'زلمة'

من معاجم الألقاب : حسِبْنا الباشا باشا! ... وجدنا الباشا 'زلمة'

06.10.2013
الطاهر إبراهيم




الباشا لقب تركي بامتياز. كان يطلق على من بلغ رتبة اللواء في الجيش العثماني. وسوف أستطرد قليلا لأذكّر بأن كل "والي" كان يطلق عليه اسم "باشا". فوالي سورية باشا، ووالي مصر باشا، وهكذا. وقد حافظت بعض البلدان العربية على إطلاق اسم الباشا على من بلغ رتبة اللواء. أخص بالذكر هنا أن رئيس مخابرات في الأردن يطلق عليه باشا، غالبا يُكتفى بذكر كلمة "الباشا" عند الحديث عن رئيس المخابرات دون ذكر اسمه، فاللقب يكفي.
وإذا كنا ابتدأنا حديثنا عن الباشا، فهو على كل حال ليس موضوعنا، ولكن سيدور المغزى حول المثل. فكثيرون يحملون ألقابا وتسميات، ليس لهم منها إلا الحروف. ومع ذلك فمثل هذه التسميات تغر وتغش. الأكراد في شمال سورية لديهم "الآغا". وهو أكبر مالك لأراضي القرية إن لم يكن المالك الوحيد فيها. قديما كان الآغا هو كل شيء في القرية الكردية، وربما نظر إليه الفلاحون على أنه "سوبرمان".
ولو عدنا إلى الباشا، فقد كان يختار لهذا المنصب من هو أهل له. ولذلك صار كل صاحب مكانة يطلق عليه اسم باشا. في العصر الحديث صار هذا اللقب في أكثر الأحيان اسما على غير مسمى، لأن الألقاب "ببلاش". وقد اشتهر في الحرب العالمية الأولى قادة أتراك بلقب باشا منهم جمال باشا "السفاح"، وأنور باشا، ومصطفى كمال أتاتورك، وآخرون.
وقد صعد إلى سدة السلطة في كثير من البلاد العربية ضباط عسكريون، مروا برتبة اللواء "الباشا" وتجاوز أكثرهم هذه الرتبة، -عدا القذافي الذي بقي مصرا على البقاء برتبة العقيد- حتى أصبحوا رؤساء للدولة وكان من أمرهم وأمرنا معهم ما كان. يبقى أن الرتب العسكرية والنجوم والتيجان والسيوف المتقاطعة لها -عند البعض- بريق قد يخطف الأبصار، ويأخذ بألباب أناس ظنوا للوهلة الأولى أن هؤلاء الباشوات باشوات عن حق وحقيق.
ولقد اعتبرت الشعوب العربية تخاذل الحكام العرب سببا رئيسا في ضياع القسم الأكبر من أرض فلسطين. لذلك ظنوا أن الانقلابات التي توالت في بعض البلدان العربية هي المخلص الذي كان ينتظره الكثيرون. وهكذا رأينا ضباطا برتبة لواء "باشا" يتعاورون زعامة البلاد، "باشا" بعد باشا آخر.
وجاءت حرب حزيران عام 1967، وأمسينا يوم 4 حزيران عام 1967، ونحن نحلم أننا سنرمي إسرائيل في البحر كما كان يزعم "باشوات" كانوا في هرم السلطة و"باشوات" في وزارة الدفاع، وإذا بنا نخسر أرضا جديدة، ويضاف نازحون جدد إلى لاجئي عام 1948.
في مساء 10 حزيران، أكملت إسرائيل احتلال ما تبقى من فلسطين بما فيها القدس الشريف. كما احتلت كامل شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان التي كان يشبهها الخبراء العسكريون بخط "ماجينو" الشهير لأنها كانت تطل على أراضي 1948 من فوق.
أثناء المعركة وبعدها كان المواطن العربي يتسقط أخبار الباشوات الذين دخلوا حرب عام 1967. كان يظن أنهم سيكونون في عداد القتلى والشهداء، لأنه كان يعتقد أن القائد لا يفر من المعركة. وغاية ما في الأمر إذا أحيط به فسيقاتل حتى يسقط شهيدا. وإذ به يفاجأ أن الرؤساء الباشوات يبقون في مناصبهم، بل ويترسخون فيها أكثر. والباشوات وزراء الدفاع يخطون خطوات سريعة على طريق الترقية ليصبحوا بعد حين في سدة السلطة.
في هذا الجو الكئيب يتحدث مواطن عربي لجاره فيقول: هذه كارثة وليست حربا. لقد كنا نتوقع أن نرى أكاليل النصر على جباه هؤلاء الباشوات، لا أن نراهم منهزمين من الجبهة على ظهر حمار. فالباشا يثبت أنه باشا في الحرب كما هو باشا في السلم. فيرد عليه جاره: أنا لم أفاجأ ـ مثلك ـ بهذه النتيجة يا صاحبي. فهؤلاء صاروا باشاوات بالانقلاب على أبناء وطنهم. الذي يعمل "باشا" على أبناء وطنه لا يجيد القتال. وإذا فرض القتال عليه هرب من أول رصاصة، يكون أول من يفر في المعركة. هؤلاء أسود على أبناء أوطانهم، وفي الحروب أفراخ نعام.
أما باشاوات هذا العصر، فليسوا أحسن حالا من باشاوات خمسينات وستينات القرن العشرين .فهم يصولون ويجولون على المواطن، بل وعلى الشعوب المجاورة. لكنهم لا ينبسون ببنت شفة تجاه إسرائيل التي تعربد في غزة. وقد أمنوا أن تدبر لهم واشنطن انقلابا، فهي لن تجد أسوأ منهم يستلم الحكم.
وصدق من قال: حسِبنا الباشا باشا ... "تاري" الباشا "زلمي" *.
* زلمه كلمة فصيحة، والعامة يقولون زلمي
كاتب سوري