الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من هو السوري ومن المستفيد من شيطنة داعش؟

من هو السوري ومن المستفيد من شيطنة داعش؟

14.01.2014
مازن كم الماز


القدس العربي
الاثنين 13/1/2014
خلافا للرواية السائدة عن ‘بلاد الشام’ لا يمكن لسوريي هذه الايام ان يذكروك ببني امية، ولا بأي من ‘الفاتحين’ او ‘الغزاة’ او الحرس او العسس وغيرهم من ‘العظماء’ الذين مروا من هنا .. اذا ابتعدت عن الفنادق وعن البيوت الدافئة المريحة لبعض سادة هذا الزمان، اذا كنت تقصد اطفال مخيم الزعتري او احياء حلب المحاصرة برا بالرصاص وجوا بالبراميل فلا يمكن ان يتبادر الى ذهنك قصر احد السلاطين، ولا احدى مدن الشرق الذي ينام بصمت تحت سياط الحرس .. مخيمات اللجوء لا تشبه مدن الملح، ولا مدن الذهب .. قبل عقود ولدت تلك المخيمات اول مرة، تماما حيث تولد اليوم من جديد، ذات يوم ولد هنا، في مخيمات كهذه، احمد العربي، احمد هذا الذي لا يموت، ولا ينتصر، الذي لا يكتشف طريق العودة ولا يصعد الى السماء، فيبقى منفيا حيث هو، باحثا عن حضن امه التي قتلها الطاعون، احمد الذي لا ينتصر ولا يهزم، لكنه ما زال يحلم، ويقاوم، يحاول ان يقاوم .. اصبحت حيفا بعيدة جدا، جدا، ابعد جدا من مخيم اليرموك، من عدرا والبيضا، تاه الوطن في مكان ما بين الجنة والجحيم .. احمد السوري، الفلسطيني، المصري، العراقي، اللبناني، لا يمت بصلة قرابة لاي من الحراس او الغزاة، لا رابطة دم بين احمد الذي تصادف هذه المرة انه سوري، عربي، مسلم، وبين ‘سوريين’، ‘عرب’، ‘مسلمين’ كالحجاج او قراقوش، احمد هذا اقرب الى الهنود الحمر الوثنيين الذين عرفوا مخيمات اللجوء والنفي والمذابح والطاعون مثله، اقرب الى كل مضطهد في هذا العالم، كان وسيكون .. ومثل اي مضطهد، يريدون ان يطفئوا غضبه بالخوف واليأس، ومثل كل مضطهد، يبقى محاصرا بالشك والتردد، ومثل كل مضطهد يكره الحراس ويخشاهم، يحاول احمد السوري ان ينهض ويسير، نحو ما يعتقد انه الحرية.
‘ ‘ ‘
لا شك أن قدرة داعش المذهلة على فرض ما تعتقد به على الآخرين بالقوة مخيفة، لكن الذي يبعث على الرعب بدرجة أكبر ربما هو الطريقة التي أصبح السوريون يسيرون بها، وكأنهم لم يقوموا بثورة ليصبحوا أحرارا، ليحرروا عقولهم وحياتهم .. لا أحد اليوم يكلف نفسه ليشرح للسوريين ما يفعل أو ما يجري، يكتفي الجميع بترديد نفس حجج الديكتاتورية وإن بأشكال مختلفة أي اتهام الآخرين، شيطنة الخصم، مخاطبة الغرائز، ترميم وتكريس ثقافة القطيع، هذا إن عنى شيئا فهو أن كل هؤلاء يتساوون مع النظام في نظرته للسوريين العاديين، على أنهم رعايا عليهم أن يصدقوا ما يقال لهم، عليهم في نهاية المطاف أن يخضعوا .. إذا صدقنا أن داعش ما هي إلا صنيعة للنظام، وربما أيضا قوى أخرى أطلق النظام سراح قادتها في بداية الثورة، فهذا يعني ببساطة أن النظام يقاتل نفسه، وأن كل هذا الموت والخراب مجرد مسرحية يخرجها النظام .. بعد أن ‘أيد’ البعض أو الكثير سادة كأردوغان أو مرسي ضد شعوبهم بدعوى ‘حرية السوريين’ وبحجة أنهم لم يقصفوا شعوبهم بالبراميل أو بالكيماوي، بعد أن أصبح واضحا أن المثال الذي يستخدمه هؤلاء للمقارنة هو ديكتاتور كبشار الأسد، وأضيفت إليه اليوم داعش عند البعض. لنا أن نتخيل كيف ينظر هؤلاء إلى السوريين العاديين .. تعامل الكثيرون، في المعارضة السورية والقوى الإقليمية والدولية الكارهة للأسد، مع داعش على أنها شر لا بد منه، نحن أيضا، تعاملنا مع كل ظواهر مؤسسات الثورة وانفصالها عن الناس على أنها شر لا بد منه للخلاص من هذا النظام .. من الواضح اليوم أن تلك القوى الإقليمية والدولية قد قررت التخلص من داعش، لأسبابها الخاصة، واتضح أيضا أن شيطنة داعش مفيدة ليس فقط لنظام الأسد، بل أيضا للمعارضة السورية وخاصة للإسلاميين ‘المعتدلين’، مرة أخرى وتماما كما فعل النظام طوال عقود، ستكون ملاحقتهم لداعش أحد أهم ‘منجزاتهم’ وستستخدم داعش كبعبع لتخويف السوريين من الحرية ولتبرير القمع، قمع السوريين العاديين أساسا، تماما كما فعل النظام مع كل هؤلاء لعقود .. لكن بعيداعن هذيان الاتهامات الذي يرافق جنون الرصاص والقذائف، فإن الصراع الحقيقي هو على السلطة، على احتكار العنف ضد أي مخالف، على احتكار القدرة على فرض إرادة قلة ما على السوريين، احتكار القدرة على استعبادهم.