الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من يدافع عن أوباما؟

من يدافع عن أوباما؟

14.08.2014
د. وحيد عبد المجيد



الاتحاد
الاربعاء 13/8/2014
يبدو الدفاع عن سياسة أوباما الخارجية في الشرق الأوسط من أصعب الأمور حالياً، حيث كشف التدهور الذي صار شاملا في العراق مدى فشل إدارته في ترتيب وضع أقل تعرضاً للاضطراب أو الاحتفاظ بشيء من النفوذ الأميركي عندما اتخذت قرار الانسحاب الكامل. كما أظهر العدوان الإسرائيلي على غزة مدى الإخفاق الذي مُنيت به جهود أوباما المتكررة منذ 5 سنوات لإيجاد حل ما. وهذا فضلا عن قلة حيلته تجاه الأزمة السورية، التي تمثل أكبر مأساة إنسانية في القرن الحالي حتى الآن. وفي ثنايا هذا كله، بدا أن سياسة أوباما الخارجية فتحت الباب أمام إيران لتوسيع نفوذها الإقليمي، وصارت واشنطن تخطب ودها على نحو لا سابق له منذ 35 عاماً. لذلك يجد المدافعون عنها صعوبة في البحث عن حجج قوية لصد شيء من سيل الانتقادات المنهمر ضدها. فليس ممكناً على سبيل المثال إنكار أن هذه المنطقة، التي كانت في حالة مستقرة إلا قليلا حين تولى أوباما الرئاسة في يناير 2009، أصبحت بعد 5 سنوات ونصف السنة أكثر مناطق العالم اضطراباً.
ويبدو أوباما شخصياً في موقف صعب كلما حاول الدفاع عن سياسته وصد هجوم ناقديه الذين يتهمونه بإلحاق الضرر بالمصالح الأميركية بسبب ميله إلى الانكفاء والتردد المستمر في اتخاذ القرارات اللازمة للمحافظة على مكانة الولايات المتحدة.
ومازالت قائمة الانتقادات ضد سياسة أوباما تجاه سوريا هي الأطول، رغم أن لائحة هذه الانتقادات بشأن العراق تزداد بشكل مطرد. فالرئيس الأميركي متهم بإدارة الظهر للانتفاضة التي ظلت سلمية لشهور طويلة وتركها تُسحق بلا هوادة. ويبدو تردده المستمر في اتخاذ قرار قوي لحماية الشعب السوري، قاسماً مشتركاً في الانتقادات التي يتعرض لها. وينظر بعض ناقديه إلى هذا التردد باعتباره تشجيعاً لخصوم الولايات المتحدة على النيل من مصالحها في كل مكان، وخاصة حين يبدو رئيسها عاجزاً حتى عن الوفاء بالتزامات تعهد بها مثل إعلان أن استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد شعبه "خط أحمر". هذا فضلا عن رفضه تقديم دعم عسكري مناسب للقوى المدنية الديمقراطية، الأمر الذي ساهم في تراجع دورها لمصلحة القوى المتطرفة والأكثر تطرفاً، في الوقت الذي لم تتوقف روسيا وإيران عن تسليح قوات نظام الأسد وتدريبها، ولم يتردد مقاتلون من "حزب الله" وميليشيات شيعية عراقية متطرفة في التوجه إلى سوريا لمساندة هذه القوات.
كما يتحمل أوباما، في سياق هذه الانتقادات، المسؤولية عن تنامي نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) وتمدده إلى سوريا ثم تصاعد خطره في العراق. وأدى وصول هذا الخطر إلى مستوى فاق أقصى التوقعات، عندما ارتفعت الرايات السوداء في قلب الموصل يوم 10 يونيو الماضي، إلى انتقاد سياسة أوباما تجاه العراق منذ أن دخل البيت الأبيض وقرر الإسراع بسحب القوات الأميركية بشكل كامل.
لذلك يبدو أوباما اليوم كما لو أنه المسؤول عن كل ما حل بالعراق من خسائر سواء بسبب الحرب التي شنها سلفه أو نتيجة الانسحاب الكامل الذي يُنظر إليه الآن باعتباره أسوأ من تلك الحرب. وبات على أوباما أن يتحمل حتى أوزار "المحافظين الجدد" الذين أخذوا بوش الثاني إلى الحرب، ثم دفعوه إلى تفكيك مؤسسات الدولة كلها، وأهدروا أموالا طائلة لتمويل احتلال انتهى بتسليم العراق إلى إيران.
وحتى عندما أعلن أوباما، عقب دخول "داعش" الموصل، أنه يبحث السبل المناسبة لمواجهة ما اعتبره خطراً داهماً، تعرض للنقد أيضاً على خلفية أن هذا الخطر لا يقل فداحة في سوريا منذ أكثر من عام. وأُثير ضمن هذا النقد سؤال منطقي: إذا كان "التنظيم" موجوداً في بلدين متجاورين ويهدف إلى إقامة نواة لدولته في غرب أحدهما وشرق الأخرى، فلماذا يُعتبر خطراً داهماً في واحدة منهما فقط؟ وازدادت هذه الانتقادات في الأيام الماضية منذ أن أجاز أوباما شن غارات جوية محددة ضد مواقع لهذا التنظيم، ليس اعتراضاً على القرار بحد ذاته ولكن استياءً من تخبط سياسة إدارته في العراق.
وترتبط الانتقادات التي تتعرض لها سياسة أوباما تجاه كل من سوريا والعراق بهجوم ازداد ضد سياسته إزاء إيران منذ أواخر العام الماضي عندما تم التوصل إلى الاتفاق المبدئي بين القوى الست "5 الاربعاء 13/8/2014 1" وطهران بشأن برنامجها النووي. وهو متهم من جانب ناقديه بأنه يكافئ إيران على تحديها لمصالح الولايات المتحدة بدلا من أن يشدّد العقوبات عليها.
ويمتد الهجوم على سياسة أوباما الخارجية إلى مجمل سياستها في الشرق الأوسط، وقد توسعت الانتقادات ضد منهجه في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منذ أن بدأت الحرب الأخيرة على غزة. فالرئيس الذي بدأ عهده بإعلان أنه لا توجد مشكلة في الشرق الأوسط أكثر أهمية من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، متهم بأنه انتهى إلى خسارة ثقة قادة طرفي هذا الصراع على حد سواء. وهو يُنتقد أيضاً بسبب ما يراه بعض ناقديه تخبطاً في سياسته تجاه مصر منذ انتفاضة يناير 2011، وعدم قدرته على ملاحقة التحولات السريعة التي كان بعضها دراماتيكياً بعد أن تعودت واشنطن على وضع مستقر في هذا البلد.
وتنال سياسته تجاه ليبيا نصيباً لا بأس به من الانتقادات التي تدور حول عجزه عن تقدير ملامح الوضع بعد إسقاط نظام حكم أحل نفسه محل الدولة ودمَّر مؤسساتها كافة بما فيها الجيش. فلم يهتم أوباما بتوقع سيناريوهات اليوم التالي لإسقاط القذافي، الأمر الذي جعل الوضع كارثياً حيث صارت ليبيا مهددة بالتمزق، وأصبحت ملجأ آمناً للإرهاب، وباتت أسلحة النظام السابق عاملا إضافياً لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
ولا تقتصر الانتقادات التي تتعرض لها سياسة أوباما الخارجية على نقاط ضعفها الأخطر في الشرق الأوسط. فقد صبّت المراجعة التي سعى إليها للعلاقات مع روسيا، وفق هذه الانتقادات، في مستنقع الأزمة الأوكرانية. كما ينبّه ناقدوه إلى أخطار جسيمة ستترتب على ما يعتبرونه تردداً وضعفاً في سياسته الخارجية قد يغري خصوم الولايات المتحدة بتهديد حلفائها في آسيا التي لم يف بوعده المتعلق بوضعها في قلب سياسته الخارجية.
والحال أن لائحة الانتقادات تطول. غير أن أهم، وربما أخطر، ما تنطوي عليه هذه الانتقادات هو شيوع الاعتقاد بأن مشكلة السياسة الخارجية الأميركية الراهنة تكمن في افتقاد أوباما ما يُطلق عليه الجرأة الرئاسية وضعف قدرته على اتخاذ قرارات صارمة. ومصدر الخطر في هذا الاعتقاد هو أن رسوخه قد يدفع أوباما إلى محاولة إثبات أنه ليس ضعيفاً أو متردداً عبر اتخاذ قرارات غير مدروسة أو الإقدام على ممارسات غير مضمونة العواقب خلال العامين الباقيين في ولايته الثانية.