الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مهام عديدة أمام "اتحاد الديموقراطيين السوريين"

مهام عديدة أمام "اتحاد الديموقراطيين السوريين"

14.10.2013
عمر كوش


المستقبل
الاحد 13/10/2013
بعد مشاورات ولقاءات عديدة، استمرت لأكثر من عام، عقد في أسطنبول، المؤتمر التأسيسي لـ"اتحاد الديموقراطيين السوريين"، إيذاناً بولادة أول تجمع من نوعه للمعارضة الديموقراطية في سوريا، وتتويجاً لمسعى وجهود شخصيات عديدة في سبيل توحيد وتنسيق جهود القوى الديموقراطية، وتشكيل تنظيم سياسي مختلف عن التشكيلات والتكتلات، التي نشأت في سياق الحراك الثوري، الذي أشعلته الثورة السورية في الخامس عشر من آذار 2011.
ولعل المنتظر من اتحاد الديموقراطيين هو أن يقدم مثالاً مختلفاً عن ما هو موجود في المشهد السياسي السوري، سواء "المجلس الوطني السوري"، أو "المنبر الديمقرطي" أو "هيئة التنسيق الوطني لقوة التغيير الديموقراطي في سوريا"، وغيرها، وذلك من خلال توجهه إلى الحاضنة الاجتماعية للثورة، التي انتظرت طويلاً أن تؤلف التشكيلات السياسية السابقة مظلة سياسية للثورة، بل وأن تقود الثورة وتدعمها، وتؤثر على مساراتها، وتساعد حاضنتها وثوارها. لكن، وبعد انتظار مديد، تبيّن أنها باتت عالة على الثورة، بدلاً من أن تعيلها، حيث تميزت بالتركيبات الهشة، وبالأداء الضعيف، والتجاذبات والمماحكات، والمهاترات الشخصية، وضعف الخبرة السياسية، فيما عرفت الثورة السورية تحولات عديدة في مسارها، نتيجة توغل النظام بالقتل والمجازر والجرائم، وتحولت من ثورة حرية إلى ثورة تحرر.
والناظر في مسار الثورة السورية، يجد أن الناشطين السياسيين والمثقفين الديموقراطيين، كانوا يواجهون على الدوام بسؤال: أين أنتم؟ ثم: لماذا لا نسمع صوتك؟ ولماذا تركتم الساحة للمتأسلمين الجدد، ولجماعات الإسلام السياسي وتنظيماته المتشددة؟
ومن حق الناس في الثورة أن تستنجد بمعين لها على المجازر والجرائم والقتل اليومي الذي يمارسه النظام الأسدي، وأن تعوّل على جسم سياسي، يقنعها بأنه البديل المطلوب، لذلك فإن مهام عديدة ملقاة على قيادة "الاتحاد" الوليد، وأهمها أن يبرهن أنه ديموقراطي أولاً، وأن يتوجة للعمل مع الناس، ومعرفة أولوياتهم وآلامهم ومشكلاتهم، أن يكون واضحاً في مواجهة القوى المتطرفة بالسياسة، ومن خلال تعبئة الشعب، وتعريفه بمخاطر التيارات المتطرفة، ومن أين جاءت، وما هي رهاناتها وأجنداتها.
ولا شك أنه إذا استمر الوضع الراهن داخل سوريا على ما هو عليه، واستمرت الظواهر الأصولية بالوجود والنمو، فإنها ستلعب دور النظام نفسه في ممارسة الاستبداد وتقييد الحريات والاعتقال والاعتداء، بما ينذر بأنها قد تذهب بالبلد وناسه إلى المجهول المظلم، وأن توقعه في وضع شديد الصعوبة، ونصبح أمام بديل استبدادي جديد، بينما المطلوب من القوى السياسية والثورية أن تشكل نصيراً، يطمئن السوريين بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم، وأن يجعلهم غير خائفين من ما يحمله المستقبل. وهو خوف يبرره البروز القوي لدور المجموعات المسلحة الإسلامية المتشددة، وممارسات مختلف الجماعات الإسلامية، الساعية إلى الهيمنة على تشكيلات المعارضة، التي حصلت على اعتراف دولي، مقابل ضعف أداء القوى والشخصيات والديموقراطية والليبرالية، أو من تدعي ذلك، التي اعتقدت أن المعركة هي مع الرصيف المعارض، فراحت تبحث عن وظيفة، أو دور ذاتي، ودخلت في لعبة تسجيل المواقف، وعدّ النقاط على الخصم، والاستعراض على شاشات التلفزة، فضلاً عن تجريب البراعة في النقّ والنميمة والحديث عن صولات وجولات الذوات في أيام الاستبداد الغابرة. وعليه، يبدو مفهوماً أن يأمل الناس من المولود السياسي الجديد أن يثبت أنه ديموقراطي بالفعل والقول، وليس بالكلام والتصريحات والوثائق والأدبيات، بل في الممارسة والسلوكيات، خصوصاً وأن سلوكيات بعض من يدعون الديموقراطية في سوريا وخارجها لا تشي بذلك، وأن هناك شواهد على إخلال بعضهم بالمبادئ والتقاليد والتعاليم الديموقراطية، من انفراد وعنجهية ومماحكات وصراعات مشخصنة ومفتعلة.
ولا شك في أن هناك ضرورة ملحة لتشكيل جسم سياسي، يوحد جهود مختلف القوى الديموقراطية السورية، ويوجه عملها نحو دعم الثورة وناسها، ويسعى إلى تمثيل مختلف شرائح السوريين، خصوصاً والمجتمع السوري بحاجة إلى عودة السياسة المسلوبة منه، في هذه المرحلة الصعبة والحساسة من تاريخه وتاريخ وطنه، التي تشهد ازدياد خطر ارتداد المزيد من الناس إلى مختلف الولاءات ما قبل المدنية، من اثنية وعشائرية وطائفية ومذهبية، وتزايد خطر التطرف والتعصب، والأهم هو أن يعمل الجسم الجديد على إعادة ثورة الحرية والتحرر إلى أصحابها المدنيين، ومنع محاولات اختطافها والسطو عليها. فضلاً عن نقد أخطائها، وتخليصها قدر المستطاع من منزلقات التعثر، وتقويم مسارها وإبعادها عن مندرجات التطرف والتعصب، التي باتت مؤثرة في بعض المواضع.
والمنتظر من قيادة "إتحاد الديموقراطيين" هو أن تضع الجسم السياسي الجديد على سكة صحيحة، وعدم ترك الأمور إلى ما بعد، أو "بعدين"، التي تفضي التسيب والانفلاش والتهرب من المسؤوليات، أو أن تلغي ما جرى الاتفاق عليه، وتعيدنا إلى النقطة الصفرية لدكاكينها الصغيرة، التي يفضل بعضهم الجلوس فيها. ولعل تجارب ثورتي تونس ومصر، تقدم دروساً مستفادة في هذا المجال، حيث تمكنت قوى وأحزاب إسلامية من خطف الثورات الشعبية، نظراً لضعف مأسسة وتنسيق القوى المدنية الديموقراطية، ولعدم وجود أطر حزبية، تمنهج العمل، وتوحد الجهود، لذلك لم يكف الأصدقاء في كل من تونس ومصر، في لقاءاتنا المشتركة، من تحذيرنا من مغبة ارتكاب الأخطاء نفسها التي ارتكبوها، حين لم يسعوا مبكراً إلى تأسيس أحزاب وتشكيلات سياسية، والدخول في تحالفات وهئيات، توحد جهود القوى الديموقراطية والليبرالية.